عبدالله غيلان- المشاهد
يعمل عبدالله الدبعي، وهو فنان موسيقى، منذ نحو عامين، على تدريب عشرات الطلبة الهاوين للفنون الموسيقية، وسط ركام الحرب المنتشر في كل بقاع اليمن، في مبادرة أهلية لإعادة المعهد الحكومي المهجور منذ سنين.
ويمضي الدبعي مع هؤلاء الشباب ساعتين يومياً في البرنامج التدريبي لتعلم التطبيقات الموسيقية، مستثمراً الإمكانات المادية المتاحة لدى الجهات الثقافية، في تأهيل المتدربين على الموسيقى بمختلف الآلات، على واقع مرير من المعاناة ومآسي الحرب.
ويقول الموسيقار المخضرم، وهو أيضاً مدير المعهد الموسيقي في المركز الثقافي بالعاصمة صنعاء، لـ”المشاهد، إن الهدف من التدريب هو صقل مواهب وقدرات الشباب في مجال العزف، وتعليمهم الموسيقى على أسس علمية حتى نصل إلى فرقة موسيقية بكل الآلات.
وتخرج من المعهد منذ افتتاحه 60 عازفاً وعازفة، بعد أن أخذوا دورات لمدة 6 أشهر، وعرفوا فيها المقامات الغربية والعربية، في حين ذهب معظم هؤلاء إلى معاهد موسيقية لتعليم، وآخرون إلى محافظات لنشر الموسيقى، بحسب الدبعي.
يعمل الدبعي، وهو آخر من تبقى من الفرقة الموسيقية الوطنية، التي تأسست عام 1975، منذ عامين تقريباً، بجهود ذاتية، الهواة من الشباب اليمنيين الذين يمقتون الحرب المستمرة منذ 5 أعوام،
إحياء معهد الموسيقى
ويسعى الشباب إلى إحياء هذا المعهد الذي يفتقر لجميع الآلات بعد إغلاقه منذ بدء الحرب، وفق قول الدبعي، مضيفاً: “حالياً ندرب27 عازفاً وعازفة، منهم 16 عازفاً على الكمان، و9 طلاب على آلة الجيتار، في حين يتوزع البقية على العود والأورج”.
ويعمل الدبعي، وهو آخر من تبقى من الفرقة الموسيقية الوطنية، التي تأسست عام 1975، منذ عامين تقريباً، بجهود ذاتية، على تدريب هؤلاء الهواة من الشباب اليمنيين الذين يمقتون الحرب المستمرة منذ 5 أعوام، ويطمحون لتطوير أو دعم حكومي للموسيقى.
ظل فتح المعهد الأمل الذي كان يراود الدبعي، لكن لم يلقَ أذناً حكومية صاغية له، وفق ما يقول، متابعاً: “كان أملي منذ فترة طويلة إعادة تدريب الطلاب في هذه الفرقة، لكن لم يتح لي في عهد النظام السابق، فيما وزير الثقافة في حكومة الحوثيين، عبدالله الكبسي، أتاح المجال أمامي، وشجعني لأبدأ في افتتاح هذا المعهد الحكومي المغلق”.
“وبعد كل هذه المعاناة، أصبح هناك فرقة جاهزة، وتعزف جميع المقطوعات الموسيقية، وسيتم تخرجها بعد 3 أشهر، لتكون نواة لفرقة موسيقية أوركسترا وطنية تمثل اليمن في الداخل والخارج، بعد أن اندثرت الفرقة اليمنية السابقة قبل 3 عقود”؛ يقول الدبعي.
ورغم أن الآلات التي لدى الدبعي، ليست كافية أمام الإقبال الكبير للهواة من الشبان والشابات، إلا أنه يقوم بمداولة هذه الآلات بين المتدربين من خلال إعطاء الطالب 40 دقيقة في استخدام الآلة، ومن ثم نقلها لشخص آخر.
إقرأ أيضاً الزواج القسري… "عيب تسودي وجهي عند الناس".
عشاق الموسيقى
تحاول أحلام محمد، جاهدة، عزف مقطوعة من التراث اليمني، بعد تعلمها المقامات وقراءة النوتة في هذا المعهد شحيح الإمكانيات، لتكرس بشكل فني حبها للموسيقى المزروع داخلها منذ نعومة أظافرها.
وتقول أحلام: “والدي هو من جلبني إلى هذا المكان، ولم أكن أعلم أنه لايزال هناك صوت للموسيقي من وسط ركام الحرب المنسية، التي أحدثت أكبر أزمة إنسانية بتوصيف الأمم المتحدة”.
وتضيف لـ”المشاهد”: “جلست أسبوعاً أتدرب على الكمان الذي اخترته ليكون صديقي، حتى تمكنت من الإمساك بالآلة، وعرفت السلم الموسيقي، وبدأت أتطور حتي أصبحت أقرأ النوتة، والحروف والسكتات”.
وتطمح أحلام إلى أن تذهب في مستواها بعيداً من الموسيقى الطربية، وصولاً إلى الموسيقى التعبيرية الأدبية الفلسفية، تتحدى بها العالم كله، لكنها لا تعرف ذاتها وعالمها الداخلي إلا عندما تعزف بآلة الكمان.
وتتابع بشغف العاشق المرهف، وهي تحرك أصابعها، كما لو أنها تعزف، تقول: “أريد أن أوصل الفكرة لمجتمع غير واعٍ ولا متفهم للموسيقى، ذي أسلوب متقيد، أفكارهم مقيدة، يعتبرون أن الموسيقى شيء ليس له أهمية”.
ولايزال إسماعيل طه، وهو أول الملتحقين بالمعهد، يرتاد هذا المكان الذي أصبح فيه بعد عامين مدرباً، ليساعد الموسيقي الدبعي في تدريب الطلاب الهواة.
وطالب طه الدولة بفتح معاهد موسيقية، لأن الفنون مصدر قوي للتراث، ونشر الفنون على مستوى العالم. “إن تعلم الموسيقى هو ترجمة المشاعر الداخلية إلى لغة يسمعها الجميع حتى العصافير”؛ كما يقول.