مع جميع المشاكل التي يواجهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الداخل والخارج، يمكن أن تجعل إدارته من هذا الأمر مكسباً، فثمة ثمار ناضجة حان قطافها في اليمن؛ وقد تتعدى آثار النجاح هناك البلد الفقير الذي مزقته الحرب.
قدم المتمردون الحوثيون (الذين يفضلون أن يطلق عليهم اسم أنصار الله) عرضاً للتراجع عن التصعيد، والذي إذا تم البناء عليه بسرعة، يمكن أن يساعد على خروج الولايات المتحدة من الحرب الدموية التي لا رابح فيها والتي تسببت في أسوأ كارثة إنسانية في العالم. من شأن ذلك أن يقلل من التهديدات التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية وبنيتها التحتية النفطية في وقت يتصاعد فيه التوتر مع إيران، وأن يفتح الباب أمام تخفيض نطاق التصعيد داخل اليمن وربما في جميع أنحاء المنطقة.
في 20 أيلول/سبتمبر، أعلن الحوثيون - الذين يسيطرون على شمال غرب اليمن وكانوا في حالة حرب مع مجموعة من الجماعات اليمنية المدعومة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة منذ عام 2015 - تعليقاً أحادياً للضربات على المملكة العربية السعودية. بالمقابل، طالبوا بوقف الضربات الجوية السعودية ورفع القيود المفروضة على الوصول إلى شمال اليمن.
لقد فعلوا ذلك في أعقاب إعلانهم عن مسؤوليتهم عن هجمات 14 أيلول/سبتمبر على منشآت نفط أرامكو السعودية، وهو ادعاء لا يصدقه كثيرون ويجعل المجموعة في أعين خصومها أكثر ارتباطاً بإيران من أي وقت مضى. بينما يطلق الحوثيون صواريخهم بشكل روتيني ويرسلون طائرات مسيرة إلى الأراضي السعودية، يقول الخبراء إن الطبيعة المعقدة للهجوم الذي شارك فيه سرب من الطائرات المسيرة تشير إلى إيران. ووفقاً لمسؤولين سعوديين وأميركيين، فإن اتجاه الهجوم كان من الشمال، وليس من اليمن إلى الجنوب.
المفاجئ إلى حد ما، أن الاستجابة السعودية لمبادرات الحوثيين كانت إيجابية في معظمها؛ ففي حين أنهم لم يعلقوا الضربات الجوية فإنهم قللوا منها في بعض المناطق، وسهلوا دخول عدد من شحنات الوقود إلى الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، وإن لم يكن ذلك كافياً لمعالجة أزمة الوقود المستمرة. أطلق الحوثيون من جانب واحد حوالي 300 سجين، بينهم ثلاثة سعوديين. وتبادل الجانبان إشارات علنية إيجابية غير معتادة تشير إلى الاهتمام بخفض التصعيد، وقيل إنهما أعادا فتح نقاشات القناة الخلفية.
بالنسبة للرياض، من المرجح أن يكون إنهاء الحرب في اليمن قد اكتسب درجة جديدة من الإلحاح في أعقاب الهجمات على أرامكو السعودية، التي أكدت على ارتفاع رهانات نشوب حرب ساخنة مع إيران، وأحدثت فجوة كبيرة في المظلة الأمنية الأميركية. في الحد الأدنى، تشكل حرب اليمن إلهاءً مكلفاً وخطيراً يبقي تركيز السعوديين على الجنوب بينما يمكن توجيه الانتباه إلى مكان آخر.
إنها تختبر وتكشف عن نقاط الضعف العسكرية للمملكة وتتيح لإيران إمكانية إنكار معقولة عبر الحوثيين لشن هجمات. كما لا توجد خيارات عسكرية سهلة لقلب المد ضد الحوثيين. بعد أن منعت الأمم المتحدة هجوماً على مدينة الحديدة الساحلية التي يسيطر عليها الحوثيون في كانون الأول/ديسمبر 2018، أعادت الشريكة الرئيسية للمملكة العربية السعودية في التحالف، وهي الإمارات العربية المتحدة، نشر قواتها، حيث لم تعد ترى فائدة تذكر في استمرارها بالمشاركة بالحرب المتعثرة فعلياً في الشمال.
تتناغم الحظوظ السياسية بطريقة تقدم فكاكاً من حرب تسببت في أضرار إنسانية لا حصر لها وتهدد بأن تصبح حافزاً لإشعال حريق إقليمي.
ينبغي اغتنام هذه الفرصة، خاصة من جانب الولايات المتحدة، المتواطئة في حرب الرياض والتي يمكن أن تشجع الآن حلفاءها السعوديين على التوصل إلى تفاهم مع الحوثيين يتضمن تقليصاً كبيراً في الهجمات عبر الحدود.
إذا نجح الأمر، يمكن أن يشكل هذا أساساً لاتفاقية وقف إطلاق للنار تتوسط فيها الأمم المتحدة بين الخصوم اليمنيين - بمن فيهم الحوثيون والحكومة اليمنية والانفصاليون الجنوبيون المدعومون من الإمارات، بين أطراف أخرى - واستئناف المفاوضات اليمنية - اليمنية لإنهاء الحرب الأهلية. لكن العرض لن يكون على الطاولة إلى أجل غير مسمى؛ ففرص خفض التصعيد هشة ويمكن عكسها بسهولة. من شبه المؤكد أن عدم التوصل إلى اتفاق متبادل يعالج الغارات الجوية والوصول إلى الوقود سيدفع الحوثيين إلى التراجع عن عرضهم واستئناف الهجمات وربما تكثيفها. السعوديون من جانبهم، من المرجح أن يرغبوا بالحصول على تأكيدات بأن الحوثيين لن يستخدموا التصعيد عبر الحدود لإعادة التجمع وإعادة التمركز والتقدم على الأرض داخل اليمن ضد مختلف الأعداء اليمنيين وعلى طول الحدود ضد السعوديين.
وورد أن المتشددين في الجانب الحوثي عارضوا تعليق الضربات من جانب واحد. إذ يرى بعضهم أن حرباً إقليمية، يكونون فيها إلى جانب إيران، أمر لا مفر منه تقريباً، بل مفيد لهم، حيث إنها ستوجه انتباه المملكة العربية السعودية بعيداً عن الجبهة الجنوبية. في الوقت الحالي، يبدو أن الأصوات الأكثر براغماتية بين قيادة الحوثيين قد فازت، لكنها تحتاج إلى شريان حياة.
ويبدو أن السعوديين يمنحونهم مثل هذا الشريان؛ وعلى الولايات المتحدة تشجيع هذا التحول ومضاعفة الجهود الدبلوماسية لإنهاء هذه الحرب والحد من الاحتمالات الكامنة في اليمن ليكون نقطة انطلاق لمواجهة إقليمية. قد يجادل المتشككون أن هذا الامر مستحيل. إذا ازداد التوتر الإقليمي، كما يقولون، ستستخدم إيران الحوثيين لضرب المملكة العربية السعودية. ومن المؤكد أنه إذا استمرت الحرب في اليمن، سيكون الحال كذلك.
الحوثيون واضحون في أنهم سيكونون إلى جانب طهران إذا اندلعت حرب إقليمية بينما الحرب في اليمن مشتعلة. لكنهم ادعوا أيضاً، في نقاشات مع مجموعة الأزمات الدولية، أنهم يريدون أن يخفضوا حدة التصعيد مع المملكة العربية السعودية وأنهم سيظلون على الحياد في القتال إذا انتهت حرب اليمن. ليس لدى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الكثير مما تخسرانه، بل ستكسبان الكثير من خلال السعي لتحقيق هذا المقترح.
في أفضل السيناريوهات، يمكن أن يؤدي خفض التصعيد في اليمن إلى تخفيف حدة التوترات على نطاق أوسع بين حلفاء الولايات المتحدة وإيران - إذا تبين على الأقل أن الإيرانيين لا يقوضون أي اتفاقيات توصل إليها الحوثيون. إذا تم توقيع اتفاق ناجح، يمكن للإيرانيين أن يبلغوا الرياض والآخرين بهدوء بأنهم لم يعترضوا وأن يشجعوا الحوثيين على خفض التوتر.
أما البدائل فقاتمة. إذا فشلت المبادرة، سيتم تهميش الحوثيين الذين شجعوا على خفض التصعيد، ومن المرجح أن تستأنف الحرب بقوة متجددة من كلا الجانبين – مع كل ما يترتب على ذلك من عواقب إنسانية وخيمة - وستشدد الحركة الحوثية احتضانها لإيران. وفي ضوء التوترات الإقليمية، يمكن أن تكون اليمن نقطة إشعال فتيل صراع إقليمي لا تريده الولايات المتحدة ولا إيران. ليس من الصعب أن نتخيل، على سبيل المثال، ضربة للحوثيين على الأراضي السعودية تسفر عن ضحايا أميركيين.
لقد جادل خصوم الحوثيين، بمن فيهم بعض صانعي السياسات السعوديين والأميركيين، بأن النهج الأفضل هو مواصلة الحرب والخنق الاقتصادي، الأمر الذي من شأنه أن يضعف الحوثيين في الداخل ويحد من التهديد الذي يمثلونه للمملكة. لكن التجربة تقول غير ذلك؛ فقد نجحت ما يقرب من خمس سنوات من هذه السياسة في الحد من سيطرة الحوثيين على الأرض في الشمال، لكن بكلفة إنسانية هائلة.
لكن الحوثيين انتصروا في حرب السيطرة على الشمال الغربي، حيث طوروا قبضة حديدية في مناطقهم، بما في ذلك العاصمة. في نبوءة تحقق ذاتها، تقاربوا مع إيران (التي كانت لهم علاقة محدودة بها قبل عام 2015) واكتسبوا تكنولوجيا عسكرية جديدة لتهديد جيرانهم في الخليج والممرات المائية الدولية. إن الاستمرار في نفس الاستراتيجية لن يؤدي إلى نتائج مختلفة.
لا يشكل خفض التصعيد السعودي- الحوثي ترياقاً شافياً بأي حال، فحرب اليمن متعددة الطبقات والأقطاب؛ ويضاف صراع إقليمي للقوى إلى حرب أهلية متسعة ولا يمكن تسويتها إلا من قبل اليمنيين. بمرور الوقت، ساهم البعد الإقليمي بتشكيل الصراع وتحويله، وأصبح في النهاية عائقاً أمام قدرة اليمنيين على التفاوض على تسوية داخلية، بما في ذلك عبر تغذية اقتصاد حرب مربح.
الآن، ثمة عرض ينص على بداية عملية لخفض التصعيد في اليمن. ومقارنة بالبدائل، فإنها صفقة جيدة؛ لكنها قد لا تكون متاحة لفترة طويلة. ينبغي على إدارة ترامب أن تأخذها وتبني عليها وأن تشجع حلفاء الولايات المتحدة على فعل الشيء نفسه.
* المقال كتبته الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية "أبريل لونجلي آلي"، ونشره باللغة العربي موقع "فورين بوليسي"