الانتقالي الجنوبي

كيف ولماذا انسحبت الإمارات من جنوب اليمن.. هذا التقرير يجيب عن السؤال!

في مدينة عدن مركز الحكومة المعترف بها دولياً أقصى جنوبي البلاد، لا تزال أعلام دولة الإمارات العضو الثاني في التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين، حاضرة في بعض شوارع المدينة لكن في واقع الأمر أصبحت قوات "أبو ظبي" خارج المدينة الساحلية للمرة الأولى منذ 5 أعوام.

 

 

وبدأت قوات إماراتية إخلاء مواقعها في مطار عدن الدولي، والمقر الرئيسي لقوات التحالف العربي، الواقعين في مديريتي خورمكسر والبريقة شرقي وغربي المدينة، كما غادرت قوات مماثلة قاعدة العند العسكرية الواقعة في محافظة لحج إلى الشمال من عدن.

 

 

ومع أن الخطوة الإماراتية في الإنسحاب من جنوب اليمن تُقرأ في إطار بدء خطة لإعادة انتشار القوات السعودية والإماراتية في مدن جنوبي اليمن، لكن الدوافع الإماراتية للانسحاب من المدينة كانت حاضرة بالفعل قبل اندلاع المعارك بين قوات المجلس الإنتقالي الجنوبي من جهة وقوات الحكومة من جهة أخرى.

 

 

في أغسطس الفائت تعرضت المملكة العربية السعودية لهجوم كبير استهدفت معامل منشأة أرامكو النفطية. كانت نوعية الهجوم وتوقيته ووسائل الهجوم تشير بوضوح إلى بصمات إيرانية، غير أن الحوثيون سارعوا إلى تبني هذه العملية.

 

 

لم تكن الإجابة على سؤال من شن الهجوم وما إذا كان يقف وراءه الحوثيون المدعومين من طهران أم نفذته إيران بشكل مباشر هو ما يشغل أبو ظبي، وكان السؤال الأكثر أهمية الذي يدور في أذهان الإماراتيين هو: هل يمكن أن تصلنا نيران الهجمات المقبلة؟

 

 

تبدو "أبو ظبي" بعيدة عن استهداف الحوثيين لها إذ لا ترتبط بمناطق حدودية في اليمن يتواجد فيها الحوثيون كما أن قدرات الحوثيين الهجومية قد لا تستطيع الوصول إلى الأراضي الإماراتية، أو أنه لا توجد رغبة حوثية بالصدام مع أبو ظبي سيما بعد التقارب الإيراني ـ الإماراتي الذي بدأ قبل هجمات أرامكو.

 

 

مع كل ذلك فإن الإمارات تشعر بأن استمرار تواجدهم ضمن التحالف الذي يقاتل الحوثيين في اليمن قد يجعل منهم هدفاً مقبلاً بشكل مماثل للهجمات التي تعرضت لها السعودية، خصوصا وأن استهداف المعملين اللذين يقعان في مناطق بعيدة عن الحدود اليمنية السعودية يؤكد أن الصراع بدأ يتوسع ليصبح إقليمياً، وتستطيع إيران ضرب مناطق حساسة داخل الإمارات باسم الحوثيين الذين يمكن ان يعلنوا مسئوليتهم كما حدث مع الهجمات السعودية.

 

 

وتمتلك إيران قواعد عسكرية وحضور في جزيرتي "طنب الكبرى والصغرى" وجزيرة "أبو موسى" وهي الجزر الإماراتية التي أحتلتها طهران. والتي تقع على مقربة من الأراضي الإماراتية.

 

 

هذه المخاوف دفعت أبو ظبي إلى اتخاذ خطوات لافتة باتجاه التقارب مع إيران؛ ففي يوليو الماضي التقى ضباط عسكريون إماراتيون بنظرائهم الإيرانيين من قوات خفر السواحل للمرة الأولى، ومؤخراً أعلن مسؤولون إيرانيون عن زيارات متبادلة بين البلدين؛ بل ذهبت وسائل إعلامية للحديث عن زيارة قام بها مؤخراً "طحنون"، شقيق محمد بن زايد، إلى طهران.

 

 

تحسين السمعة أمام الغرب

مع الحضور الإماراتي في الملف اليمني، حضرت أيضاً في التقارير الدورية التي تصدرها منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية حول الوضع الإنساني داخل المحافظات المحررة، وأثبت تلك التقارير تورط قوات إماراتية وقوات محلية دربتها ومولتها الإمارات في عمليات تعذيب للسجناء وتنفيذ اعتداءت جسدية ولفظية على معارضين لها في عدن ومحافظات جنوبية أخرى، فضلاً عن عمليات الاغتيال.

 

 

ومع أن الإمارات مولت نشطاء محليين ومنظمات حقوقية في عدن لنفي هذه الاتهامات إلا أن ملف تعذيب المعتقلين أصبح أمراً واقعاً كما أن سجناء ومعتقلين تم الافراج عنهم أكدوا تعرضهم لعمليات تعذيب جسدي ونفسي وقالوا إن آخرين تعرضوا لاعتداءات جنسية، بينما سرب سجناء ونشطاء مقاطع فيديو وصوراً تظهر جانباً من الوضع داخل السجون التابعة للإمارات.

 

 

وأكدت التقارير وجود معتقلات سرية تديرها قوات الحزام الأمني المدعومة من أبو ظبي بإشراف إماراتي مباشر أبرزها سجن بئر أحمد الذي يضم بداخله العشرات من المساجين الذين لم يتم التحقيق معهم، لكن مع تداخل صلاحيات السيطرة في المدينة وتنازع النفوذ أنشأ قادة موالون للإمارات سجوناً تابعة لهم في بعض المعسكرات بالتوازي مع تضاؤل حضور مؤسسات العدل والقضاء في المدينة.

 

 

ويتهم نشطاء محليون ومسؤلون في الحكومة، ومعتقلون أفرج عنهم سابقاً، قادة متشددين في المجلس الانتقالي الجنوبي أبرزهم هاني بن بريك بالوقوف خلف عمليات اغتيال طالت العشرات من النشطاء والسياسيين ورجال الدين في المدينة نتيجة معارضة هؤلاء للسياسة التي تنتهجها الإمارات ورجلها بن بريك الذي كان يخشى أن تؤدي الأصوات الرافضة لهؤلاء للتأثير على الاستراتيجية الإماراتية في عدن.

 

 

لكل ذلك فإن الإمارات تأمل أن يساهم انسحابها في التخفيف من حدة الضغوطات والحملات التي تتعرض لها دوليا بسبب هذا الملف، كما تسعى للتخلص من الضغوطات السياسية والإنسانية التي خلفها هذا الحضور والمشاركة في الحرب التي تخللتها غارات أودت بحياة الكثير من المدنيين في مناطق مختلفة من اليمن.

 

 

ومع أن الجزء الأكبر من الاتهامات في موضوع الغارات التي أودت بحياة مدنيين تنصب نحو السعودية إلا أن الدور الإماراتي الفاعل في التحالف أصبح إجمالاً يثير قلقها أكثر مما يمثل فائدة كبيرة لها.

 

 

في وقت سابق من العام الجاري كانت الإمارات قد أعلنت تقليص حضورها العسكري بغية المساعدة على إنجاح فرص السلام في اليمن وكانت الخطوة الإماراتية تهدف بدرجة رئيسية للتمهيد لانسحابها من جنوب اليمن على طريق تقليص حضورها بشكل كامل في اليمن حيث يتركز حضورها أيضاً في مناطق الساحل الغربي ومحافظات جنوب اليمن.

 

 

أعقب ذلك التمرد الذي قام به الانتقالي الجنوبي بدعم من الطيران الإماراتي وسيطر خلاله على مدينة عدن وأجزاء من محافظتي لحج وأبين، وهو ما جعل الكثير يشكك في الاعلانات المتتالية عن انسحابها مؤخراً، لكن حتى الآن تشير المصادر المحلية إلى أن القوات الإماراتية المتواجدة في محافظتي عدن ولحج في جنوب اليمن غادرت مواقع تمركزها في مقر قوات التحالف غربي المدينة والمطار الدولي شرق عدن إضافة إلى قاعدة ثالثة توجد في قاعدة العند الواقعة في محافظة لحج إلى الشمال من عدن. 

 

 

استراتيجية جديدة

أصبحت الإمارات تدرك أن حضورها المباشر في اليمن بشكل عام، وفي مدن الجنوب اليمني على وجه التحديد، سيزيد من الضغوطات عليها في الجوانب العسكرية والسياسية والإنسانية وهذا يبدو عاملاً بارزًا في لجوئها لخيار التمكين لحلفائها بدلاً من حضورها على الأرض.

 

 

وأرسلت "أبو ظبي" رسالة واضحة لحلفائها في "الانتقالي" منذ بدء إعلانها تقليص حضورها العسكري لتثبيت حضورهم في المحافظات الجنوبية قبيل بدء التنفيذ الفعلي لانسحابها من المحافظات الجنوبية والآن تبدو عملية الانسحاب متزامنة مع عملية ضم المجلس الانتقالي إلى الحكومة المزمع إعلانها بعد التوقيع على اتفاق جدة المرتقب، وهو ما يمكن أن يكون الاستراتيجية الجديدة للإمارات.. الحضور عن طريق الحلفاء المحليين.