في مقابل صفحات يمنيّة عامّة على "فيسبوك" تُظهر ارتباكاً في أهدافها، تمسك صفحات أخرى بهدف واضح وتحاول الحفاظ عليه من دون إنكار التحديات التي تحيط بها. إحداها انطلقت بداية شهر إبريل/ نيسان الماضي، ولقيت متابعة لافتة هي صفحة "متحرش اليوم" (يقترب عدد متابعيها من نحو عشرة آلاف).
وقد أتى افتتاح تلك المساحة المخصصة لفضح ما تتعرض له الفتيات من تحرش في اليمن، بعدما حققت صفحات مماثلة تحمل فكرة الشكوى الجماعية نجاحاً على سياق صفحة حملت اسم "حمار اليوم" التي خرجت للتشهير بسائقي سيّارات يتعاملون مع الشارع العام على نحو شخصي، يعتقدون أن لهم الحق في فعل أي شيء عليه، من القيادة عكس السير وتجاوز الأرصفة والقفز عليها وحتى التعامل مع رجال المرور على نحو متعال ومتجاوز لأبسط قواعد التواصل الاجتماعية والقانونية.
من هنا جاءت فكرة "متحرّش اليوم"، لكن على نحو ينقل معاناة الفتيات مع المتحرش من المساحة الشخصية التي تقتصر غالباً على فضفضة بين الصديقات إلى المجال العام.
والتحرّش هنا، في المسألة اليمنية، لا يبتعد كثيراً عما تواجهه النساء في البيئة الاجتماعية العربية، حيث تهيمن لدى البعض مسألة رفض خروج المرأة إلى الشارع والوظيفة وعليه يمكن النيل منها وتحميلها مسؤولية كل ما تتعرض له بغير إرادتها. وبحسب اللهجة اليمنية يُقال: "ما خرّجها؟" (ما الذي أخرجها من بيت أبوها؟). كأن من اللازم والطبيعي أن تبقى الفتاة في بيتها ولا تخرج منه إلا إلى بيت زوجها أو إلى قبرها، بحسب المثل اليمني الشهير، وإلا فإنها تستحق كل ما تواجهه.
في هذا السياق تأتي صفحة "متحرّش اليوم" لفضح المتحرشين والتشهير بهم. بعض القصص التي تحملها الصفحة تتضمن ما يجري مع الفتيات في الشارع من ملاحقات من مارة وأصحاب سيارات.
كما تسمح الصفحة بنشر محادثات تتضمن تحرشاً في بريد الدردشة على حسابات التواصل الاجتماعي كما "واتساب".
تقوم الفتاة التي وقع عليها التحرّش بالتواصل مع المشرفين على الصفحة وهم يقومون بنشر ما يصل إليهم: محادثات فاحشة وصور عارية للمعتدين.وسمح اتساع عدد المتابعين للصفحة وربما إحساس كثر بالأمان بالحديث في هذه المساحة العامة ببروز شكاوى عن حالات ابتزاز تتعرض لها فتيات ممن سرقت هواتفهن. ولأن الهم يجمع، تحضر النصائح سريعاً ومحاولات المساعدة. وبشكل لا إرادي تحولت الصفحة إلى أداة ردعية للمتحرشين كما يظهر من المحادثات المنشورة فيها، إذ يكفي أن تهدد الفتاة المتحرش بنشر المحادثة على الصفحة ليتراجع.
لكن تبقى إشكالية طرحها بعض متابعي الصفحة: كيف يُمكن التأكد من صحة جميع الصور والمحادثات وعدم خضوعها لأي تعديلات بما يمنع من أن تمرّ عبر الصفحة حالات تحمل تشهيراً بأشخاص لا ذنب لهم وتتضمن تصفية حسابات شخصية؟
ظهر هذا النقاش في تعليقات المتابعين ومناشدتهم للمشرفين على الصفحة بعدم تحويلها من هدف كشف المتحرشين على نحو أكيد إلى استغلالها لتكون مساحة لنشر الفضائح والتشهير بالناس عبر نشر أرقام هواتفهم المكتوبة على الصور المأخوذة من هواتفهم، خصوصاً أن الحديث عن قصص التحرّش يأتي ضمن مجتمع قبلي مُحافظ. ومسألة نشر صورة لأحدهم عن طريق الخطأ بهدف التشهير به قد تتحوّل إلى حادثة تدخل فيها أسلحة نارية ورصاص وتسيل فيها دماء وبما يحمل إدارة الصفحة مسؤولية في غنى عنها، أو على حد قول أحد المنتسبين لها: "هذه الصفحة ليست جهة قضائية أو أمنية يحق لها أن تعمل ما تشاء وتشهر بأي شخص من دون أي براهين وأدلة أكيدة"، وأن "المسؤول هو صاحب الصفحة".
ودفع هذا الأمر إدارة الصفحة لإجراء استفتاء استمر أياماً عدة وشارك فيه نحو 2800 شخص، أي نحو 28 بالمئة من متابعي الصفحة، حول ما إذا كان يجب نشر صورة المتحرش مرفقة باسمه ورقمه أم تمويه الاسم والرقم لتأتي النتيجة 91 بالمئة في المائة مع الخيار الأول، فيما فضل 9 في المائة الحل الثاني، ليظهر الإجماع على ضرورة الاستمرار في فضح المتحرشين على قاعدة "ضرورة أن يكونوا عبرةً لغيرهم".