يتردد في الأوساط الإعلامية عن تمكن المملكة العربية السعودية من الوصول إلى صيغة مقبولة لاتفاق سياسي، يجمع بين الحكومة اليمنية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تمرد عليها في أغسطس/ آب 2019، وأن التوقيع عليه بات وشيكا.
وفي سياق الحرب اليمنية، التي تعد السعودية الطرف الأبرز فيها، ثمة من يشير إلى وجود مفاوضات سرية بين السعوديين والحوثيين، حول وقف الهجمات المتبادلة بينهما، وصولاً إلى وقف الحرب اليمنية برمتها.
لا يبدو الأمر سباقاً في الحالتين، فقد حاولت قيادة السلطة الشرعية اليمنية التحفظ على بعض من ما ورد في مسودة الاتفاق، لتعارضه مع المرجعيات التي ينبغي أن تؤطر أي عملية سلام في اليمن، باتفاق التحالف والسلطة الشرعية، وهذه المرجعيات هي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لعام 2011، ومخرجات الحوار الوطني لعام 2013، وقرارات مجلس الأمن، لا سيما القرار 2216 لعام 2015.
ولقد برز التقارب السعودي- الحوثي على الأرض، بعد أسبوعين من تصريح نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، الذي نشره في صفحته بموقعه على تويتر، في 4 أكتوبر/ تشرين الثاني الجاري، معبّرا فيه عن النظرة "الإيجابية" للسعودية تجاه التهدئة التي أعلنها الحوثيون في 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، ورابطاً هذه الإيجابية بمدى تطبيق الإعلان عملياً.
وكما يبدو، فإن الإيجابية التي تبديها السعودية مشروطة، وقد حاول الحوثيون تحقيق ذلك على مضض، بما يقربهم أكثر من السعوديين، إثر الضربات الجوية العنيفة التي طالت معملين نفطيين في بقيق وخريص، في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، وادعى الحوثيون وقوفهم وراء ذلك؛ حيث يسعى السعوديون، في الوقت الحالي، إلى تحقيق حالة من الاستقرار الأمني، بالتزامن مع ما يسمى "موسم الرياض"، الذي ينعقد خلال الفترة: 11 أكتوبر/ تشرين الأول إلى 15 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وهو مهرجان متنوع يضم أنشطة سياحية، وترفيهية، وتجارية، واقتصادية، ويراد له اجتذاب الكثير من الزوار من مختلف دول العالم.
الملاحظ أن المفاوضات السرية بين السعودية والحوثيين، تجري بالتزامن مع المفاوضات التي تديرها السعودية بين قيادة السلطة الشرعية اليمنية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، ويقال إنها أسفرت، حتى الآن، عن تشكيل لجان سياسية وعسكرية، مع تصدر وقف هجمات طائرات التحالف، وفتح مطار صنعاء، أولوية القضايا التي ستثيرها هذه اللجان، لتكون مقدمة لأي اتفاق مكتوب.
الرابط بين اتفاق الحكومة اليمنية مع المجلس الانتقالي، وبين مفاوضات السعودية مع الحوثيين، يتمثل في ما يتوقعه المتفائلون بهذا الاتفاق، من أنه قد يعمل على توحيد الجهود لمواجهة الحوثيين، عسكرياً، على الحدود الملتهبة بين اليمن والسعودية، وذلك على غرار ما أبداه المقاتلون الجنوبيون من احتراف قتالي في جبهات الساحل الغربي؛ حيث كان لهم الدور الأبرز في هزيمة الحوثيين، وتحرير المنطقة الساحلية، ابتداء من باب المندب حتى المدخل الجنوبي لمدينة الحديدة.
والواقع أن الدفع الأمريكي للسعودية نحو حل دبلوماسي للأزمة مع الحوثيين، رافقه دفع مماثل تجاه الحكومة اليمنية، لتحقيق التوافق مع المجلس الانتقالي؛ وبتحقيق هذا التوافق يكون التحالف، لا سيما السعودية، أمام خيارين، هما: الضغط العسكري في جبهات شمال الشمال، أو العمل الدبلوماسي تحت تأثير هذا الضغط.
كما إن اندفاع السعودية، القوي، في عدن، بحلول قواتها محل القوات الإماراتية، في الوقت الذي هي في أمس الحاجة لهذه القوات، لتدافع بها عن حدودها، إنما يفسر جانبا مما يجري في الخفاء، وهو أن التقارب الحوثي السعودي، إن لم يكن حقيقة، فإن خيار المواجهة العسكرية هو البديل، خصوصا في مناطق شمال الشمال.
*على الذهب: دكتوراه في تكنولوجيا النقل البحري، ومحلل سياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية، وكاتب دراسات في مراكز أبحاث عربية.