يقول محمد سالم "40" عامًا وهو موظف حكومي يقيم في مديرية خورمكسر شرقي مدينة عدن جنوبي البلاد، إن الإتفاق على إنهاء الصراع في المدن الجنوبية وتشكيل حكومة جديدة أمر جيد لكنه مع ذلك كان متحفظًا حول ما إذا كان إتفاق جده السعودية سينهي بالفعل آثار الصراع في جنوب البلاد الذي اندلع مطلع أغسطس الفائت.
ومثل غيره من السكان المحليين في عدن الذين يقيمون قرب المعسكرات والمواقع الأمنية كان محمد مؤيدًا بشده لفقرة في مسودة إتفاق جده كانت تتضمن إنسحاب القوات والمعسكرات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى خارج المدينة عدا لواء فقط لكلً منهما، لكن القلق بدأ عليه واضحًا عندما بدأ يستعيد تاريخ الإتفاقات السياسية في البلاد.
والآن بعد مضي حوالي 90 يومًا منذ بدء الصراع بين قوات الحكومة المعترف بها دوليًا من جهة وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا من جهة أخرى أصبح النقاش قائمًا حول كيف يمكن أن يسهم اتفاق جده في تسوية الأزمة التي أودت بحياة حوالي أكثر من 65 بينهم جنوداً من طرفي الصراع، ومدنيين لكن حوالي 50 جنديًا وعشرات آخرين من قوات الجيش الحكومي قتلوا جميعهم في غارة جوية إماراتية أواخر أغسطس الماضي.
قبيل التوقيع عليه بشكل رسمي بدا واضحًا أن اتفاق جده والرياض في طريقه للتنفيذ، إذ أن انسحاب القوات الإماراتية من قواعدها العسكرية في مناطق الساحل الغربي ومحافظتي عدن ولحج وحلول قوات سعودية مكانها، بالأضافة لإعلان التحالف الذي تقودة الرياض إعادة تموضع قواته في عدن، يشير بالفعل إلى توجه سعودي للإشراف ومراقبة تنفيذ الإتفاق المزمع إعلانه بشكل رسمي خلال الأيام القادمة.
والاتفاق الذي سربت مسودته النهائية وضم ثلاثة ملاحق لترتيب الوضع السياسي والإقتصادي، والعسكري، والأمني، التي وإن تعرضت للتعديل النهائي قبل الإعلان الرسمي، فهي مع ذلك تضم نقاطاً رئيسية تعد محل توافق الطرفين كما أنها تمثل جوهر الاتفاق من الناحيتين السياسة والعسكرية.
سعت الرياض من خلال اتفاق جدة لمعالجة آثار الصراع في جنوب اليمن مع العمل على منح القوى في شمال البلاد الحضور الكافي وهو ما بدا خطوة استباق سعودية لمنع أي حركة مماثلة في شمال البلاد، إذ ضم البند الأول من الاتفاق في الشأن السياسي تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب وهو أمر وان كان بدا عادلا إلا أنه ربما سيفتح صراعات بينية وهو أمر من المتوقع أن يشكل ضرراً على استمرارية الإتفاق وعلى الحكومة نفسها.
حكومة المحاصصة.. عوامل النجاح والفشل
ينص البند الأول في الملحق السياسي والإقتصادي على تشكيل حكومة محاصصة بين بنسبة 50% للشمال وأخرى للجنوب بينما لم يحدد الاتفاق ملف الحقائب الوزارية السيادية وفيما إذا كانت تخضع هي الأخرى للمحاصصة بين الأحزاب والقوى أم أن الرئيس هو من يحدد من يتولى حقائبها.
نجحت السعودية في جذب المجلس الانتقالي الجنوبي للمشاركة في حكومة محاصصة حزبية حيث سيتحصل على حقيبتين أو ثلاث بينما سيعين بعض القادة العسكريين والأمنيين الموالين له في مناصب بوزارتي الدفاع والداخلية، ويبدو من الواضح أن قبول الانتقالي بهذا الاتفاق تقف خلفه عوامل عديدة.
أول هذه العوامل والأسباب كان ناتجًا عن الانسحاب الإماراتي الكامل من جنوب اليمن وهو ما أفقد المجلس داعماً إقليمياً أستفاد المجلس من نزاعه مع الحكومة لتقوية نفوذه في عدن والمحافظات المجاورة، وهو ما اضطره للتراجع خطوات إلى الوراء نتيجة لغياب عامل الإسناد كما أن الخروج الإماراتي رفع عنها المسؤولية في حالة أي تقدم عسكري للقوات الحكومية وهو أمر دفع المجلس الانتقالي للقبول بالمشاركة في الحكومة ليخسر القليل على أن لا يخسر الكثير.
كما أن رفض الانتقالي مسودة الإتفاق ورفضه سحب قواته ودمجها في مؤسستي الجيش والأمن كان سيضعه في مواجهة مباشرة ليس مع الحكومة ولكن مع السعودية التي قدمت هذا البند لكي يمنحها قدرة على تثبيت الأمن في الجنوب وإزالة آثار الصراع الذي تعتقد أن تجدده في عدن سيعكس بعض التذمر والتململ من مواجهة الحوثيين الذين يستطيعون شن هجماتهم في الحدود والعمق السعودي.
يبدو كذلك أن السعودية وضعت ضمانات للمجلس الإنتقالي الجنوبي لإشراكه في فريق الحكومة الشرعية خلال المفاوضات النهائية مع الحوثيين وهي خطوة كان المجلس الانتقالي يبحث عنها مع أن سقف طموحاته كان يرقى لوفد تفاوضي جنوبي مستقل.
من الممكن أن يشكل نظام المحاصصة مشكلة كبيرة ويعيد الخلاف مجددا إذ سيجمع وزراء من قوى مختلفة سبق وأن تصارعت وتبادلت حملات إعلامية هائلة، كما أن الأمر يتعلق بدرجة رئيسية بإمكانية أن يساعد تشكيل حكومة محاصصة في اختراقها من قبل بعض القوى الإقليمية التي من الممكن ان تستعين ببعض رجالها وحلفائها ضمن سياق الصراع الخليجي من جهة وضمن المواجهة المفتوحة بين القوى اليمنية داخل الحكومة نفسها.
الترتيبات العسكرية والأمنية
بدا من الواضح في نص الملحق العسكري ضمن اتفاق الرياض أن ثمة توجه سعودي لإيجاد توازن قوى في عدن من خلال قص أجنحة كل من الحكومة المعترف بها دوليًا والمجلس الإنتقالي الجنوبي إذ ينص الاتفاق على إخراج القوات والتشكيلات العسكرية التابعة لهما إلى خارج عدن، على أن يتم الإبقاء على لواءين عسكريين ستسند لهما تأمين الرئيس والوزراء والقادة من الجانبين.
وبينما ذكر الاتفاق اللواء الأول حماية رئاسية لتأمين القصر الرئاسي وتحرك الرئيس والحكومة يعتقد أن اللواء الأول مشاة التابع لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي سيحتفظ بموقعه في منطقة جبل جديد بين مديريتي خورمكسر والمعلا لتأمين الوزراء والقادة التابعين للمجلس الانتقالي الجنوبي، لكن حتى الآن لا تأكيد رسمي على ذلك.
ومن خلال قراءة بنود الاتفاق يبرز كيف أن خطوات ترتيب المشهد العسكري في عدن ستعمل على تقليم أظافر طرفي الصراع ونزع أدوات القوة العسكرية عنهما في مدينة عدن، وهي التي أدت لمواجهات أغسطس الماضي.
البند الذي يشير لإخراج كل القوات والعتاد الثقيل والمتوسط من المعسكرات في عدن يتعلق بدرجة رئيسية بقوات المجلس الإنتقالي الجنوبي التي باتت تحكم سيطرتها على العاصمة المؤقتة جنوبي البلاد منذ مطلع أغسطس الفائت، وهذا أمر سيدفع المجلس الجنوبي إلى التراجع خطوات إلى الوراء والتنازل عن بعض مكاسب ما بعد الـ10 من أغسطس.
سينزع هذا البند من المجلس ورقة كان يعتمد عليها بشكل كبير لتحقيق بعض المكاسب السياسية كما أن هذا سيؤثر على حضوره لاحقًا بعيد إعلان الحكومة إذ لن يستطيع المناورة مجدداً في ظل الحضور العسكري السعودي وانسحاب القوات الإماراتية، بالإضافة إلى صعوبة أن يستطيع مجدداً التحكم بالقوى الأمنية التي كانت سابقًا تابعة له، بعد دمجها في وزارتي الدفاع والداخلية وترتيب وضعها المالي والإداري غير أن هذا في حقيقة الأمر يتعلق بالمدى الذي يمكن أن يصل فيه الإتفاق إلى مستوى عالي من التنفيذ والمراقبة على تنفيذ بنوده.
أما بالنسبة للقوات الحكومية فهي وفق صفقة الترتيب العسكري في عدن لن تخسر الكثير إذ أن الإتفاق منحها عودة محدودة في ضوء الحالة السابقة إذ سيعود اللواء الأول حماية رئاسية وهو أحد الألوية التي كانت تتمركز سابقًا في القصر الرئاسي اثناء اندلاع المواجهات، بينما في المجمل ستعود الحكومة وفق شكلها الجديد الذي سيتضمن إشراك عدد من القوى الجنوبية بما فيها "المجلس الإنتقالي" الذي يتبنى مشروع الإنفصال.
لكن في محافظات أبين وشبوة وحضرموت ستحتفظ القوات الحكومية بتشكيلاتها ومواقع تمركزها السابقة وهي نقطة تقف لصالح القوات الحكومية وهي في الاثناء تمثل عامل قلق كبير لقوات المجلس الإنتقالي الجنوبي لكن يبدوأن هذه القوات سيتم الدفع بها في معارك تحرير بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بينما من الممكن أن يسعى المجلس عبر بعض قادته العسكريين للتمكين في بعض الألوية العسكرية في لحج والضالع وأبين ضمن سياسة ربما سيلجأ لها المجلس الانتقالي للتمكين الخفي بدلاً عن الحضور العسكري المباشر.
فيما إذا نجح المجلس الانتقالي في الإبقاء على نفوذه وسطوته على القوى العسكرية والأمنية بعيد تشكيل الحكومة وبعد بدء عملية دمج هذه القوى وأستطاع أن يتحكم في قرارها، من المحتمل أن يؤدي ذلك لإعادة النزاع مع رجال الحكومة على إن أي تحرك لأي من الطرفين خارج بنود الاتفاق وعودتهما للحالة السابقة للنزاع سيفتح المجال أمام الموقف السعودي وسيمثل اختبارًا أوليًا للمدى الذي يمكن أن تنجح فيه السعودية في السيطرة على الوضع في جنوب اليمن.
ومن الواضح أن الرياض ستتعامل بحزم وستحاول الاستفادة من أخطاء جارتها الإمارات، لأن أي محاولة للعودة لما قبل يوم تنفيذ الإتفاق سيكلف السعودية كثيرًا لاسيًما قرب حدودها الجنوبية إضافة إلى أن فشلها جنوبًا سيجلب لها مزيدا من المشاكل أمام الأقليم.
ستحاول الرياض توحيد الجبهة الداخلية في عدن بما يساعد في الدفع بإعادة تعزيز فرضية الحرب ضد الحوثيين في المناطق الجنوبية التي انشغلت بالصراع بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، ما يعني أن خطوة إخراج القوات العسكرية خارج عدن ترغب الرياض من خلالها في إشغال هذه القوات بمواجهة الحوثي في المناطق الحدودية بين الشمال والجنوب بينما سيتم الإبقاء على بعض الألوية العسكرية في لحج وأبين والضالع لغرض التأمين.
بالنسبة لحضورهما في عدن؛ سيفقد الطرفان عوامل القوة لهما، والتحرك بشكل منفرد ومستقل إذ أن صياغة بنود الاتفاق تشير إلى نفوذ سعودي في الملاحق السياسية والعسكرية والأمنية ما يعني أن الوجود العسكري السعودي في عدن لا يتعلق بعملية الإشراف والمراقبة فقط ولكنه ربما يصل إلى الضغط العسكري على الطرفين لتنفيذ الإتفاق بشكل فعلي على الأرض.
يبدو من الواضح أن اتفاق الرياض تضمن بشكل رئيسي إعادة تنظيم وترتيب مؤسستي الجيش والأمن جنوبي البلاد وهي محاولة من الرياض لمعالجة آثار مواجهات أغسطس وسبتمبر بغية التركيز على الحرب مع الحوثيين، غير أنه لا ضمانات فعلية لتنفيذ الطرفين الاتفاق وهو ما يجعل جميع الإحتمالات واردة.
* تحليل خاص بموقع "المصدر أونلاين"