وفد صنعاء إلى تعز

لا تزال مستمرة، ولا أمل.. إليك تاريخ مبادرات "فتح المنافذ" بتعز خلال 4 سنوات من الحصار!

تدفع محافظة تعز (جنوب غرب اليمن) فاتورة يومية من العناء جراء الحصار المفروض عليها منذ 2015م، بصورة تتنافى وكل القيم والأخلاق، والأعراف والقوانين والشرائع السماوية.


وفي أحدث تقرير، أصدره مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاع المسلح (ACLED)، وهو مشروع متخصص في جمع بيانات وأحداث الحروب حول العالم، فقد جاءت تعز كأكثر محافظات اليمن تضرراً من الحرب.
وأرجع التقرير ذلك إلى الحصار الحوثي المستمر، مؤكداً تسجيل أكثر من 19 ألف حالة وفاة في المجموع بتعز منذ 2015م، وأكثر من 2300 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها من الاستهداف المباشر.


يستعرض الحوثيون عضلاتهم على تعز، ثميخرجون بين وقت وآخر لاستعراض مرونتهم واستعدادهم لرفع الحصار عنها، "المصدر أونلاين" يتتبع أبرز المبادرات التس أطلقت لفك الحصار عن تعز.


رفع جزئي لا يكفي


بعد سقوط العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014م، بدأت مليشيا الحوثي باجتياح المحافظات، ومنها تعز، وكرد فعل طبيعي تشكلت مقاومة شعبية هناك لرفض المشروع العنصري الوافد.
ومنذ ذلك الوقت وتزامناً مع بدئ أعمال القتال تعرضت المدينة التي يقطنها الملايين لحصار شامل وحولتها المليشيات إلى سجن مفتوح بنافذة صغيرة في الجهة الغربية، معبر "الدحي".


مارست مليشيا الحوثي انتهاكات بشعة ضد أبناء تعز، بما فيهم النساء والمرضى، ومنعت دخول الماء والغذاء والدواء من هذا المعبر كنوع من الانتقام، فكان تحريره انتصارا في مارس/آذار 2016م.
وبتحرير "الدحي" وما حوله من مناطق، فتح طريق "الضباب" الرابط بين مدينة تعز والعاصمة المؤقتة عدن، ورفع جزء من الحصار، وقد استماتت مليشيا الحوثي مرارا لإغلاقه بهدف خنق مدينة تعز.


وهناك طريقان فرعيان يربطان مدينة تعز بالمناطق غير المحررة، أحدهما يمر عبر منطقة "الأقروض" في "جبل صبر" جنوب المدينة، وآخر عبر "جبل حبشي" غرب المدينة، لكنها طرق ضيقة ووعرة.
والسير فيها يتطلب سيارات دفع رباعي، ويحتاج إلى ساعات طوال وتكلفة مالية مرتفعة، خلافا للطرق السابقة في مناطق "الحوبان والستين" شمال وشرق المدينة، التي يغلقها الحوثيون لليوم.


في البدء كانت "مسيرة الماء"


كانت أول مبادرة اجتماعية ذات طابع إنساني لفك الحصار عن مدينة تعز في أكتوبر/تشرين الأول 2015م، حيث أطلق نشطاء بقيادة الصحفي محمود ياسين، مبادرة عرفت بـ"مسيرة الماء".
وهدفت لكسر حصار تعز بإغاثتها بالماء انطلاقا من محافظة إب القريبة منها، وعشية الموعد المحدد لانطلاق المسيرة، اقتحمت مليشيا الحوثي الفندق المنعقد فيه الاجتماع التحضيري للمسيرة.

 

واختطفت النشطاء الذين شاركوا في الإعداد للمسيرة أثناء اجتماعهم، وعددهم قرابة 30 شخصا، وأفرجت عنهم في فترات لاحقة، وآخرهم الناشط أمين الشفق، أفرج عنه في فبراير/شباط 2017م، ضمن صفقة تبادل أسرى.
وغالباً ما تتزامن المبادرات مع تظاهرات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة برفع الحصار، ومؤخراً دشن رسام الكاريكاتير، رشاد السامعي، حملة كاريكاتيرية لإبراز مأساة تعز والتذكير بمعاناة السكان جراء استمرار الحصار.


حصار ومنع المساعدات 



طرح حصار تعز في الحوارات والمفاوضات بين الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثي، ففي ديسمبر/كانون الأول 2015م، عقدت مشاورات برعاية الأمم المتحدة، في مدينة "بيل" السويسرية.
انتهت المشاورات بتوافق مبدئي على عدة قضايا، ومن بينها رفع الحصار عن تعز، نظراً للأوضاع الإنسانية التي يعيشها أبناء المدينة جراء الحصار، والتي تعد ثالث أكبر مدينة يمنية.


ولم تلتزم مليشيا الحوثي برفع الحصار، "بل ومنعت دخول المساعدات عبر المنافذ المسيطرة عليها"، بحسب رئيس وفد الشرعية في المشاورات، وزير الخارجية الأسبق، عبدالملك المخلافي.
وفي أبريل/نيسان 2016م، عقدت مباحثات بين ممثلين لجماعة الحوثي وبين الحكومة السعودية في مدينة "ظهران الجنوب"، ومن نتائجها الاتفاق على تشكيل لجان محلية للإشراف على هدنة.


وشكلت لجان محلية من ممثلين عن جماعة الحوثي وآخرين عن الحكومة اليمنية، وأعلنت الأمم المتحدة دخول الهدنة حيز التنفيذ في العاشر من الشهر نفسه، لتهيئة الأجواء لمشاورات الكويت.
وضمن مخرجات لقاءات ظهران الجنوب كان هناك لجنة للإشراف والتهدئة في تعز، وضمت ممثلين حوثيين، وممثلين عن الحكومة برئاسة البرلماني عبدالكريم شيبان، وخرجت اللجنة باتفاق وقع في 16 أبريل/نيسان 2016م.
وأحد بنود محضر تنفيذ هذا الاتفاق يتعلق بفتح المعابر وفك الحصار، إذ نص على فتح طريق يصل مدينة تعز بخط "الراهدة - عدن"، و"تعز- إب- صنعاء"، من خلال خط "الحوبان".


لكن جماعة الحوثيين المدعومة من إيران نقضت الاتفاق كعادتها، ورفض ممثلوها الحضور في الموعد المحدد لفك الحصار، وأطلقت النار على اللجنة الحكومية المشرفة على التنفيذ.
وانطلقت مشاورات الكويت في 21 أبريل/نيسان 2016م، برعاية الأمم المتحدة، واستمرت أكثر من ثلاثة أشهر، وتخللها مبادرة أممية، وتحديدا في يوليو/تموز، لإنهاء الحرب باليمن.
وتضمنت المبادرة التي قبلتها الحكومة اليمنية حينها، نصا يقضي بانسحاب جماعة الحوثي من تعز، لكن الجماعة رفضت هذه المبادرة الأممية بدعوى أنها "تريد حلاً شاملاً للصراع".


 مبادرات لم تتوقف 


استمرت المبادرات لفك الحصار عن تعز، ففي مايو/آيار 2017م، قدم سياسيون مبادرة باسم اللجنة المجتمعية، بقيادة القيادي المؤتمري ورئيس مجلس النواب الحالي سلطان البركاني.
وأبدت المقاومة الشعبية في تعز استجابتها وتعاونها مع اللجنة المجتمعية، بينما تهربت جماعة الحوثيين من الرد عليها، ولم تتمكن اللجنة من مباشرة مهامها، وانتهت المبادرة كسابقاتها بالفشل.


وفي أغسطس/آب 2018م، شكل محافظ تعز السابق، أمين محمود، لجنة برئاسة عبدالكريم شيبان للتفاوض مع الحوثيين لفك الحصار، ولم يكتب لها النجاح.
وقدم مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن "مارتن غريفيث" مقترحاً بشأن فك الحصار عن تعز، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2018م، أثناء انعقاد مشاورات "ستوكهولم" في السويد.
واستند مقترح "غريفيث" على اتفاق "ظهران الجنوب"، وتكون من شقين، الأول يختص بوقف إطلاق النار والعمليات القتالية في تعز، والثاني خصص لفتح معابر ومنافذ المدينة.
وذلك عبر مرحلتين مزمنتين، الأولى فتح المعبر الشرقي "جولة القصر الحوبان" بعد أسبوعين من سريان وقف إطلاق النار وإزالة الألغام، وفتح مطار تعز أمام العمليات الإنسانية.


وتضمنت المرحلة الثانية من المقترح فتح المعبر الشرقي الثاني للمدينة في منطقة "كلابة"، وفتح المعبر الغربي للمدينة عند نقطة "السمن والصابون" بعد شهر على وقف إطلاق النار.
وانتهت مشاورات "ستوكهولم" في الثالث عشر من نفس الشهر، بإعلان اتفاق تضمن محورا خاصا بتعز، لكن جماعة الحوثي لم تنفذ منه شيئا لليوم رغم مرور قرابة عام على إعلانه.
 

حملة لتنظيف المخلفات من أحد المنافذ ومواطنون يرفعون الراية البيضاء (المصدر أونلاين)


 جديد المبادرات المحلية


آخر المبادرات، الشهر المنصرم، حيث نشر محافظ تعز الأسبق، شوقي هائل، رسالة عامة قال فيها إنه يبذل جهوداً لفك الحصار المفروض عن المدينة المحاصرة منذ خمس سنوات.
وأضاف شوقي أنه متواجد في اليمن لهذه المهمة، وقد تواصل مع الجميع بهذا الخصوص، مؤكداً أن إغلاق المنافذ أمام المواطنين في تعز قد ضاعف المعاناة، وأثر على معيشة الناس.


وقال النائب عبدالكريم شيبان، إنه تلقى اتصالاً من وزير في حكومة الحوثيين (غير معترف بها)، أبلغه فيه بأنه مكلف من السلطات العليا للحوثيين بفتح الطرق إلى مدينة تعز المحاصرة.
والخميس الماضي، التقى شيبان بوفد التحالف المدني للسلم والمصالحة، القادم من صنعاء، وتحدثوا حول آليات وضمانات فتح المنافذ، وضم الوفد م. عبدالرحمن العلفي، الأمين العام للتحالف، ود. حمود العودي، رئيس الهيئة التنسيقية للتحالف.


وأكد العلفي والعودي، أن لديهما تفويضاً كاملاً من سلطة صنعاء لإجراء ترتيبات لإعادة فتح المنفذين الشرقي والغربي لمدينة تعز خلال الأيام القادمة، بالتزامن مع احتفالات "المولد النبوي".
ورحبت السلطة المحلية في تعز بأي مبادرة من شأنها فتح الطريق وإنهاء معاناة أبناء المحافظة، وأزالت السواتر الترابية وأكوام القمامة من المنافذ استعداد لفتحها، تماشياً مع المثل الشعبي "امشِ مع الكذاب إلى باب بيته".


وفي تغريدة له على "تويتر"، قال محافظ تعز نبيل شمسان: "متى أعلن الحوثيون بشكل رسمي وقاموا بفتح المعابر من قبلهم فإن المعابر من جانبنا ستكون جاهزة لأننا لسنا من يغلق المعابر".
ويشكك كثيرون في مصداقية الحوثيين استنادا على التجارب السابقة، واعتبرها المسئول في التوجيه المعنوي بمحور تعز، العقيد عبدالباسط البحر، "تسريبات للاستهلاك الإعلامي بغية تحقيق مكاسب سياسية".
 

(مواطنون يقفون عند أحد منافذ مدينة تعز بانتظار فتحها)
 

جريمة حرب بامتياز

 

تقول الحكومة اليمنية إن تعز تدفع فاتورة الانقلاب، وتستغرب من صمت المجتمع الدولي إزاء هذه الجريمة، بحسب تصريح لمصدر مسئول بالحكومة نشر في أغسطس/آب 2017م.
ووصف تقرير أممي، عرض في الدورة الـ 42 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف مؤخرا، حصار تعز بـ"جريمة حرب، وعقاباً جماعياً وانتهاكاً متعدد الأوجه لحقوق الإنسان".

 

وطالبت منظمة "رايتس رادار" لحقوق الإنسان، برفع الحصار الحوثي عن تعز، وقال بيان للمنظمة، قبل أيام، إن المدينة تعيش في معاناة مستمرة لا تنتهي، جراء الحصار الخانق.
وحثت المنظمة جماعة الحوثيين على الوفاء بوعودها والتزاماتها تجاه المدنيين، وطالبت مجلس الأمن والأمم المتحدة والمجتمع الدولي ببذل المزيد من الجهود لوضع حد لمعاناة المدنيين في تعز.


وتمنع مليشيا الحوثي المنظمات الدولية والمسئولين الأمميين من دخول تعز لإخفاء وحشية الحصار، ففي يوليو/تموز 2016م، احتجزت وفداً من مكتب الأمم المتحدة بأحد مداخل المدينة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016م، منعت وفداً أمميا برئاسة "جوليان هارينز" المدير القطري لـ"يونيسيف" من دخول المدينة، وفي فبراير/شباط 2017م، منعت وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "ستيفن أوبراين".


وأغرب مطلب حوثي لرفع الحصار، كان في أغسطس/آب 2017م، حيث قال مصدر محلي لـ"المصدر أونلاين" إن الحوثيين طلبوا من أهالي قرى في "جبل حبشي" بدفع أبنائهم للقتال معهم مقابل فك الحصار عنهم.