نهى الزيادي- المشاهد
تستيقظ منيرة كل صباح، وتمارس هواية الجري، لكن ليس في سطح منزلها في اليمن، كما كانت تفعل في الصغر، وإنما كطالبة دكتوراه في فناء جامعتها في بلد أوروبي، يطمح الجميع للدارسة أو العمل به، أو حتى مجرد زيارته.
واجهت منيرة الكثير من الصعاب، قبل أن تغادر اليمن، للدراسة، كغيرها من الفتيات اللاتي أُجبرن على الزواج المبكر.
في ذلك الحين، قبل 15 عاماً، قرر إخوان منيرة تزويجها، رغم رفضها ولجوئها إلى الامتناع عن الطعام، آملة بذلك في نيل استعطافهم للعدول عن قرارهم.
لكن كل ذلك لم يفدها بشيء، فتوجهت بحل لأخيها الأكبر، مفاده تأجيل زواجها حتى إكمال مرحلة الثانوية. غير أن شقيقها أخبرها أن هذه آخر سنة تكملها في المدرسة، وإذا وافقت سيتم الاشتراط على الزوج إكمال تعليمها.
رضخت منيرة بضعفها آنذاك، وقلة حيلتها، لهذا القرار، متأملة مواصلة تعليمها، لكي تصير طبيبة كما تتمنى.
عام دراسي جديد يبدأ بفرح الصغيرات، تغيب عنه منيرة، بعد أن تراجع زوجها عن قراره بالسماح لها بمواصلة التعليم.
تقول منيرة: “ترجيت جميع أفراد الأسرة، مهددة بطلب الطلاق، إذا لم يسمحوا لي بمعاودة الدراسة، فرضخ الجميع لرغبتي”.
وبعد إكمال الثانوية العامة، مُنعت من مواصلة تعليمها الجامعي، فهددت الأسرة والزوج بالطلاق مجدداً، وحصلت على ما تريد.
والتحقت منيرة بجامعة خاصة للفتيات فقط؛ لتواصل تعليمها الجامعي، وتحصد كعادتها النجاح الذي أصبح على أوجه، حتى حصدت المركز الأول، وحصلت بموجبه على منحة للدراسة خارج اليمن، الأمر الذي عارضته الأسرة، كما تقول، مضيفة: “فكرت ملياً بالهرب وقتها، ولكنني عدلت عن رأيي، فذهبت لأخي متوسلة له، فوافق؛ شريطة أنه لن يعطيني المال إذا احتجت له”.
سافرت منيرة لدراسة الماجستير، وأصبحت مثلاً أعلى يريد الجميع يحتذي به.
ويقول الدكتور ياسر الصلوي، أستاذ علم الاجتماع السياسي المساعد بجامعة تعز، ورئيس المركز اليمني لدراسات الحكم الرشيد واستطلاعات الرأي العام، عن ظاهرة الزواج المبكر: “هناك أسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية كالتقليل من قيمة الفتيات، منها نظرة المجتمع، محدودية الفرص للفتيات، خصوصاً في الأرياف، الرغبة في التحكم الأبوي بتقرير مصير الزواج للأبناء، وفي أية سن، إضافة إلى الوضع الاجتماعي وسوء المعاملة في المنزل”.
وأضاف أن الأعراف الاجتماعية التقليدية، وما يعززها من موروث ديني تحلل الزواج من الفتاة بعمر مبكر، مؤكداً أن الأعراف تدعم مثل هكذا خطابات دينية ومن شخصيات غير مسؤولة لا تعي مخاطر الزواج المبكر، الذي يضر بالفتيات قبل أن يكون لهن استعداد جسدي أو عاطفي لممارسة أدوارهن كزوجات أو أمهات.
وتتعرض الفتاة لتجربة جنسية صعبة، كونها غير مهيأة نفسياً ولا جسدياً، مع العلم أن الحمل المبكر في سن صغيرة، يعرض الفتاة لمضاعفات الحمل والولادة، ما يؤدي غالباً للوفاة، بحسب الدكتور الصلوي.