محمد يوسف- المشاهد
كثيرة هي المآسي والأزمات التي تتوالى على مئات النازحين شمال محافظة حجة، لكن يبدو أن أزمة شح المياه وتلوث المتوفر منها، هي المعاناة الأصعب في مخيماتهم.
معاناة يومية شاقة، يكابدها النازحون، لا تقتصر فقط على البحث عن المياه وتوفيرها، بل بعدم صلاحيتها للشرب، وتسببها بحالات أمراض، لاسيما للأطفال.
مشكلة المياه تتفاقم مع ازدياد عدد النازحين في مناطق متفرقة من مديريات حرض وحيران وميدي الحدودية مع السعودية، بعد اقتراب المعارك من مساكنهم، وافتقارهم لوسائل نقل، إلى جانب الحر الشديد الذي تشهده المناطق التهامية شمال غرب محافظة حجة.
الكفاح من أجل شربة ماء
يكافح الكثير من النازحين بحثاً عن شربة ماء، لكن المحظوظ فيهم من لديه وسيلة لنقل الأوعية البلاستيكية التي تستوعب بين 20 إلى 30 لتراً من المياه.
وتخفف الدواب كثيراً من العبء الملقى على عاتق أرباب الأسر وأبنائهم في جلب المياه باستمرار، ونقلها لمسافات بعيدة، مع تكرار الذهاب إلى مصدر المياه، أكثر من مرة في اليوم الواحد.
عبده الطيب، أحد النازحين في قرية الجعدة الرابطة بين مديريتي ميدي وحيران، وهو في الـ40 من عمره، يشكو من تفاقم معاناته في توفير المياه لأسرته بشكل يومي.
ويقول الطيب، في حديثه لـ”المشاهد”، إنه لا يمتلك حماراً لنقل الأوعية البلاستيكية الثقيلة، ويضطر لحملها بيديه في كل يوم ينطلق فيه لتوفير عصب الحياة.
غير أنه يرى نفسه محظوظاً عن كثير من النازحين المبعثرين في الصحراء المترامية الأطراف، إذ لا يبعد مسكنه عن مضخات المياه سوى بضع دقائق مشياً على الأقدام، مقارنة بنازح آخر يسكن بعيداً عن المياه، ما يجعله يسير لمسافات طويلة، وبيديه المرتعشتين، يحمل 40 لتراً من الماء، عسى أن تكفي أسرته ليوم كامل.
ويضيف أنه يعاني أحياناً من آلام في الظهر والكتفين نتيجة حمل أوعيته البلاستيكية يومياً، لكن أكثر ما يؤرقه هو عدم تشغيل المضخات عند نفاد مادة الديزل أو انعدامها، وهو ما يضاعف من مخاوف الأب من عدم مقدرته على توفير المياه، إن لم يهرع أحد جيرانه لنجدته بتقاسم كمياتهم المحدودة.
يضطر ربيع للذهاب إلى الخزان الذي يبعد عن قريته قرابة كيلومتر، والانتظار هناك مع الكثير من أبناء النازحين، حتى يحين دوره لتعبئة الأوعية البلاستيكية الخاصة به، والعودة إلى مأواهم قبيل الظهيرة.
المسافة قد تأخذ نصف ساعة مشياً على الأقدام، فيما يستمر الانتظار وتعبئة أوعيته البلاستيكية حوالي ساعتين أو 3 ساعات، قبل أن يعود أدراجه في نصف ساعة أخرى، تحت أشعة الشمس الحارقة.
للأطفال قسط من المعاناة
مع بزوغ شمس كل يوم، ينطلق هاشم ربيع (12 عاماً)، برفقة أخيه الأصغر، بحثاً عن لترات قليلة من المياه لسد رمق أسرتهما النازحة في قرية الزين بمديرية حيران، منذ نحو عام.
ويقول ربيع إنه يضطر للذهاب إلى الخزان الذي يبعد عن قريته قرابة كيلومتر، والانتظار هناك مع الكثير من أبناء النازحين، حتى يحين دوره لتعبئة الأوعية البلاستيكية الخاصة به، والعودة إلى مأواهم قبيل الظهيرة.
ويضيف أن المسافة قد تأخذ نصف ساعة مشياً على الأقدام، فيما يستمر الانتظار وتعبئة أوعيته البلاستيكية حوالي ساعتين أو 3 ساعات، قبل أن يعود أدراجه في نصف ساعة أخرى، تحت أشعة الشمس الحارقة.
وفي بعض الأيام، لا يجد ربيع، مياهاً في ذلك الخزان، ما يضطره للذهاب إلى إحدى مضخات المياه الخاصة بالمزارعين، لتوفير الماء لأسرته، ويعود بخفي حنين في كثير من الأحيان.
في هذه الحال، فإنه يعاود الكرة مرة أخرى، بعد تناول وجبة الغداء، ليبحث مجدداً في تلك المصادر المحدودة للمياه، كما يقول.
ويبذل الكثير من الأطفال طاقات هائلة في توفير المياه لذويهم، ما يؤثر سلباً على صحتهم ونموهم وأوقاتهم الترفيهية، فضلاً عن تعليمهم الذي لم يجد الكثير منهم بداً من تركه لصالح التفرغ لأعمالهم الشاقة.
مياه غير صالحة للشرب
لا تقف معاناة النازحين عند رحلاتهم اليومية الشاقة لتوفير كميات محدودة من المياه، بل ينتظرهم الجزء الأكبر من الشقاء في حصولهم على مياه غير صالحة للشرب والاستخدامات الأخرى.
ويعتمد النازحون على المياه القليلة التي يحصلون عليها من الآبار والمياه الجوفية، لكل استخداماتهم اليومية، من شرب وطبخ واستحمام، ما يضطرهم للتقشف البالغ في استخدام الماء، تحت حرارة شمس حارقة.
وتعد المياه الملوثة مصدراً لبعض الأمراض ونقل العدوى، سواء عن طريق الشرب، مثل الإصابة بـ”الإسهال والأميبيا والجارديا والتيفود”، فضلاً عن فيروس الكبد أ ووباء الكوليرا، أو باستخدامه للغسيل كالإصابة بالالتهابات الرئوية وبعض أمراض الجهاز التنفسي. كما أن تخزينه في أوعية مكشوفة في المنازل، إلى جانب المستنقعات والأحواض المائية، يتسبب في الإصابة بالملاريا وحمى الضنك.
ويقول الدكتور محمد عقيل، الأخصائي في مركز الجعدة الصحي، إن المركز الطبي الوحيد في المنطقة يستقبل العديد من الحالات المرضية التي يسببها تلوث المياه، غالبيتهم من الأطفال، كالأمراض المتعلقة بالجهاز الهضمي أو الحميات.
ويضيف الدكتور عقيل أن بعض المياه التي يحصل عليها المواطنون والنازحون من الآبار، قد تكون نقية، غير أنها لا تصل إلى منازلهم إلا وقد أصبحت ملوثة، نتيجة لسوء آلية نقلها عبر عبوات بلاستيكية غير صالحة للاستخدام، إضافة إلى تخزينها السيئ في المنازل، كما أن حرارة الطقس المرتفعة تؤثر على المياه، وتتسبب بنمو بكتيريا.
كل هذه الإشكاليات تسبب الأمراض المختلفة، سواء على المدى القصير أو الطويل، ما ينذر بتفاقم أوضاع النازحين وازدياد نسبة الحالات المرضية، في ظل إمكانيات المرافق الصحية المتواضعة، بحسب الدكتور عقيل.
وينصح الأطباء باتخاذ الحلول لتلوث المياه، إما عن طريق التعقيم بإضافة مادة الكلور لقتل الجراثيم، أو بعمل فلترة للمياه، وعمل مشاريع كبيرة لحفظ الماء وتخزينه بشكل آمن.
مساعدة لا تكفي
وللتخفيف من معاناة المواطنين في الحصول على المياه، أقام مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية، مشاريع خدمية لتوفير المياه، كتوزيع نحو 30 خزاناً في مناطق متفرقة من مديرية حيران، إلى جانب 5 من صهاريج المياه لنقلها من الآبار للخزانات.
وعمل المركز، بالتعاون مع السلطة المحلية التابعة للحكومة في محافظة حجة، على توصيل المياه إلى مخيم النازحين في حرض، وتأهيل بير الجعدة، حسب مصدر في مركز الملك سلمان للإغاثة، تحدث لـ”المشاهد”.
وتتميز حيران بالآبار الارتوازية وتوفر المياه، غير أن كثيراً منها غير صالحة للشرب، بسبب زيادة نسبة الملوحة، وهو ما دعا المركز لدراسة إقامة مشاريع لتحلية المياه وتنقيتها.
غير أن هذه الحلول المؤقتة ليس بوسعها تلبية احتياجات المواطنين والنازحين البالغ تعداهم 30 ألف نسمة، لتبقى مشاق توفير المياه والأمراض الناتجة عنها، إحدى أشد الصعوبات التي يواجهها النازحون، بعد لهيب الحروب وتشردهم المستمر.
وفيما يبدو تضاؤل آمال المواطنين والنازحين في انفراج أوضاعهم المعيشية المتفاقمة مع اشتداد المعارك وغياب الآفاق السياسية للأطراف المتحاربة؛ يحاول هؤلاء التكيف مع حياتهم القاسية، والتأقلم على مرارتها.