عندما أذاع المتحدث باسم الجيش السوداني في 23 مارس/آذار 2015 بيان مشاركة بلاده في تحالف حرب اليمن، كان الموقف جليا للحد الذي دفع البعض لاعتبار البيان معبرا عن التحالف برمته.
لكن التضارب يبلغ الآن مبلغا يطال كل شيء، خاصة بعد الحديث عن الخسائر من القتلى والمفقودين والجرحى والأسرى في تلك الحرب.
وغالب المعلومات التي تنبني عليها كل التقديرات الخاصة بالجنود السودانيين في اليمن صدرت عن قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان حميدتي.
وكشف حميدتي -أمام حشد جماهيري في يونيو/حزيران الماضي- أن عدد القوات في اليمن يصل إلى ثلاثين ألف مقاتل، وها هو يعلن عن بدء انسحابها من هناك خلال اجتماع تنسيقي بين مجلسي السيادة والوزراء وقوى الحرية والتغيير الثلاثاء الفائت.
تدابير الانسحاب
ويرجح الخبير الإستراتيجي اللواء متقاعد أمين إسماعيل مجذوب أن تكون قيادة القوات المسلحة قد أخضعت تجربة المشاركة في تحالف حرب السعودية والإمارات باليمن للتقييم والتقويم، وأصدرت قرارا بسحب القوات كإجراء فني داخل الجيش.
ويشير مجذوب إلى أن ثمة تسوية دولية وإقليمية تتجه لإنهاء الأزمة بعد أن سحبت الإمارات جنودها من اليمن.
ويقول للجزيرة نت إن سحب القوات بدون بديل يعني اكتمال المهمة وربما تبقى قوات أخرى ذات مهام مغايرة، وهو ما يستدعي الفصل بين القوتين لاختلاف المهام.
وكان حميدتي قد أفاد خلال الاجتماع الثلاثي بأنه سيتم سحب عشرة آلاف جندي من اليمن وليس هناك بديل لهم، حيث اعتادت قيادة القوات المسلحة إبدال قواتها من وقت لآخر.
ويقول الخبير "بما أن المشاركة جاءت باتفاق فإن سحبها أيضا لا بد أن يكون باتفاق بين الدولة الراغبة في الانسحاب وبقية دول التحالف". وزاد "ربما السودان لديه نية بإبلاغ التحالف بالانسحاب قريبا".
زلة لسان
والمؤكد أن المحللين تعاملوا مع تصريحات حميدتي المسربة ببدء انسحاب القوات السودانية على محمل الجد، خاصة وأنه لم يصدر أي نفي بعد مرور أسبوع.
وبحسب مصدر من داخل قوى الحرية والتغيير كان طرفا بالاجتماع، فإن حميدتي أعلن معلومة الانسحاب من اليمن في سياق تذمره من حملة قال إنها تستهدف قوات الدعم السريع. وأبلغ المصدر الجزيرة نت بأن عضوا من المكون العسكري بمجلس السيادة عاتب حميدتي عقب الاجتماع على إفشائه معلومة الانسحاب.
ويشير المقدم المتقاعد محمد خليل الصائم أستاذ الدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية بالجامعات إلى أن عدم صدور تكذيب أو نفي من حميدتي أو قوات الدعم السريع يعني بالضرورة صحة التسريبات.
جدل الأرقام
وطبقا لرقيب أول في الاستخبارات العسكرية -تحفظ على ذكر اسمه- فإن حميدتي بالفعل صرح تحت تأثير الغضب بسحب عشرة ألف مقاتل لكن الصحيح أنه سيتم سحب عشرين ألفا مع الإبقاء على قوات ذات مهام غير قتالية.
ويقول إن العدد الذي أعلنه الحوثيون بسقوط أكثر من أربعة آلاف قتيل غير صحيح البتة، إذ إن الهدف منه إثارة الرأي العام السوداني ليضغط في اتجاه الانسحاب.
لكن المصدر الاستخباراتي عاد ليؤكد أن الخسائر الأكبر وسط القوات السودانية بين قوات الدعم السريع لجهة أنها تخوض المعارك البرية في حين تتمركز قوات الجيش السوداني في الحد الجنوبي للسعودية.
ويوضح كذلك أن الخسائر بين قوات الفوج الخامس من قوة سودانية أرسلت أخيرا فاقت 40 قتيلا "لكن الحديث عن قتلى بالآلاف فيه مبالغة. ولو كان صحيحا لكنا سنجد مأتما بكل شارع".
سخط شعبي
ومنذ إعلان الرئيس المخلوع عمر البشير المشاركة في "عاصفة الحزم" عارضت قوى سياسية القرار، ليتزايد الرفض الشعبي لهذه المشاركة بعد نجاح الثورة.
وعاد الأكاديمي الصائم ليؤكد أن السودانيين غير راضين عن هذه المشاركة لأنها لا تخدم الأمن القومي ولا المصالح السياسية والاقتصادية، وكانت وفق نظرة خاطئة وشخصية من البشير وغير إستراتيجية.
ويتابع "القرار اتخذ قبل أربع سنوات بدواعي الدفاع عن الحرمين الشريفين، وهو الآن بمثابة قارب يشرف على الغرق بعد أن تبين أنها مجرد حرب سياسية دمرت اليمن واستمرت لسنوات بدلا عن ستة أشهر".
وبما أن كل المعلومات -وفقا للخبير اللواء مجذوب- بنيت على أرقام أطلقها حميدتي فإنه سيكون مفهوما عدم إفشاء المعلومات المتعلقة بعدد القوات باليمن، والقتلى.
لكن قائدا رفيعا بالدعم السريع يقول للجزيرة نت إن حديث قائده "حميدتي" عن سحب عشرة ألف مقاتل لا يمثل رقما كبيرا بالمقارنة مع عدد القوات السودانية باليمن.
المصدر: الجزيرة