توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة المعترف بها دولياً من جهة والمجلس الإنتقالي الجنوبي من جهة أخرى، خطوة جيدة ومهمة على طريق إنهاء الاقتتال، لكن عوامل نجاح الاتفاق أو فشله تتفاوت بدرجات مختلفة كما يراها مواطنون في مدينة عدن العاصمة المؤقتة جنوبي البلاد.
واستطلع المصدر أونلاين آراء عدد من السكان المحليين في العاصمة المؤقتة عدن حول اتفاق الرياض الذي جرت مراسم توقعيه بحضور الرئيس عبد ربه منصور هادي وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، وولي عهد أبو ظبي.
وقام الدكتور سالم الخنبشي بالتوقيع من طرف الحكومة الشرعية فيما وقع من جانب المجلس الانتقالي الجنوبي الدكتور ناصر الخُبجي عضو هيئة رئاسة المجلس الجنوبي المدعوم إماراتيًا.
هل تنجح السعودية؟
تقول أم جلال وهي معلمة في إحدى المدارس في مدينة عدن "نحن نعلق آمالا كبيرة على الاتفاق لأنه سيوقف اقتتال الأخوة، وأنا أتابع منذ أيام الأخبار عن موعد التوقيع عليه واليوم شعرت بفرحة كبيرة مع عائلتي لأن اعتقادي يقول إننا لن نشهد معارك أخرى، لأن بنود الاتفاق تضمن عدم إقصاء أي طرف ومشاركة أبرز كوادر القوى البارزة في المشهد، وهذا الأمر كان يجب أن يحدث من قبل".
وتواصل أم جلال حديثها لـ"المصدر أونلاين" قائلة إن "الاتفاق سينجح على ما أعتقد، وربما يحمل ضغوطا من السعودية على الأطراف الموقعة عليه لتفعيله بشكل أكبر، وهذا واضح في أحد البنود التي تشير إلى تشكيل لجنة رقابة سعودية لمراقبة تنفيذ الاتفاق بشكل فعلي، كما أن السعودية لن تجازف بسمعتها خلف اتفاق فاشل".
يونس أحمد وهو طالب في كلية التربية بجامعة عدن، يعلق على اتفاق الرياض ويعتقد أن "السعودية ستعمل كل ما بوسعها لضمان تنفيذه وإنجاحه لأن فشل الاتفاق يعني بالضرورة فشل مساعي السعودية في توحيد القوى السياسية والعسكرية اليمنية ضد الحوثيين، ومن جهة ثانية سيكون هذا إحراج كبير للسعودية أمام دول الأقليم والعالم، لأن أي تجدد للمعارك في عدن وأبين في ظل الحضور السعودي المباشر سيسهم في انتكاسة محتملة للتحالف الذي تقوده في اليمن".
ويضيف يونسأن "السعودية أمام تحدي حقيقي لكسب المجتمع في الجنوب إذا ما عملت على الإستفادة من أخطاء وثغرات الإمارات في الجنوب خلال الأربعة أعوام الماضية، في حين إذا كررت الاخطاء ذاتها التي ارتكبتها جارتها وعمدت إلى تقوية طرف على حساب طرف آخر، أو مكنت شخصيات في الحكومة أو قوى سياسية معينة على حساب قوى أخرى ستستفز الأطراف الأخرى وهو ما قد يعيد المشهد السابق للاقتتال وإن ربما بشكل مختلف هذه المرة".
لكن عبد الإله عبدالله وهو شاب ثلاثيني تخرج قبل 6 أعوام من كلية التربية في عدن، ويعمل الآن في مكتب عقارات شمال المدينة، يختلف مع ما قاله يونس، ويعتقد عبد الإله أن السعودية تغاضت عن الدور الإماراتي خلال سيطرتها على عدن وكان لديها علم بأغلب الأمور التي تقوم بها الإمارات في عدن.
ويميل عبدالإله إلى فرضية "أن الطرفين يتفقان على ضرورة إشراك الانتقالي في الحكومة وإنهاء الإزدواج العسكري والأمني وهو خيار طرحته الإمارات على الرياض تمهيدًا لإنسحابها من عدن والمدن الجنوبية".
الاتفاق لن يصمد كثيراً بحسب عبد الإله، لأنه يرى أن الضمانات لتنفيذه ليست جدية، كما يعتقد أن السعودية رغبت بالتواجد في عدن على أن تتحكم بالوضع فيها مقابل إضعاف الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهذا يبدو واضحًا إذ أن الاتفاق ينص على أن تنسحب كل القوى والألوية خارج عدن ويتبقى لواءين للحكومة والانتقالي يتوليان مهام تأمين الطرفين، وهذا يمنحها حضورا أقوى عسكريًا، وسياسيًا هي أقوى لأن بنود الاتفاق كلها ترتبط ارتباطًا جذريًا بالرقابة السعودية وكل هذه الأمور يعتقد الكثير أنها قد تمنع أي صدام بين أطراف الصراع لكنها أيضًا ستؤهل الساحة لقوى أخرى معارضة للسعودية والحكومة والانتقالي.
تفاؤل بالنجاح
يقول وليد محمد وهو أحد سكان مديرية خورمكسر شرقي عدن، ويعمل سائق لمركبة أجرة، إن اتفاق الرياض يمثل خطوة في الطريق الصحيح لإعادة التركيز على العدو الحقيقي لكل اليمنيين في إشارة منه إلى حركة الحوثيين المدعومة من إيران.
ويرى "محمد" أن هذا الاتفاق سيمثل عامل قلق كبير للحوثي وهو ما سيساهم في ضربه معنويًا قبل الهزيمة العسكرية حد وصفه.
ويضيف أن " الاتفاق يعمل على تجاوز أسباب الصراع وإزالة آثارة من خلال إشراك قوى جديدة فاعلة في المشهد وإحتواءها ضمن المشروع الاتحادي واستدراجها نحو تحمل المسؤولية، وهو أمر يعتقد وليد أنه لن يساعد المجلس الانتقالي على معاودة تحركاته ضد الحكومة لأنهُ بات جزءًا منها".
يطالع الحاج سالم محسن في العقد السابع من عمره شاشة تلفزيونية مثبّتة على جدار مقهى شعبي في كريتر، بينما بدأ لتوه بإشعال سيجارة وقال لـ"المصدر أونلاين" "نحن نريد الاتفاق ومضطرين أن ننشر التفاؤل عنه، الناس سئمت من الصراعات التي تنتهي دائمًا باتفاق سياسي، وفي عدن تحديدًا تريد الناس حكومة محترمة تنتج عن هذا الإتفاق".
وأضاف "لا نريد شعارات ثورية زائفة ولسنا في حاجة لإحراق الإطارات مجددا للمطالبة بالماء والكهرباء والراتب".
يواصل الحاج سالم محسن حديثه ويقول "أعتقد أن الاتفاق سينجح لأن المتضرر من فشله ستكون السعودية فهي تقود التحالف أولًا، وثانيًا هي الآن المسؤول الأول عن الوضع في عدن وهي ستحاول استخدام وسائل الضغط كلها لإنجاحه ليس لأجل الجنوب واليمن ولكن لأن أي أزمة أخرى في عدن ستقدم خدمة للحوثيين وستتشتت جهود محاربته وهو أمر يسبب القلق للسعودية".
مخاوف القلق
"اتفاق الرياض يقول إنه يجب دمج قوات المجلس الانتقالي في وزارتي الدفاع والداخلية إلا أنها لا توجد ضمانات حقيقة بخصوص المدى الذي يمكن ان تندمج فيه هذه القوى داخل مؤسستي الدفاع والأمن وتتحول لقوات رسمية تخضع بشكل مباشر لوزيري الدفاع والداخلية"، يقول وضاح علي.
ويشير وضاح وهو طالب جامعي في حديثه لـ "المصدر أونلاين"، إلى مشكلتين بارزتين، فإذا كانت حصة وزارة الدفاع أو الداخلية من نصيب المجلس الانتقالي فسوف يعمل الوزير لصالح الكيان التابع له، وفي هذه الحالة ستنجح عملية الدمج لإن الوزير يمكن ان يسيطر القوة ويبقيها بنظامها السابق وإن بدت ترتدي زيًا رسميًا".
ويضيف "بينما إذا كانت إحدى الوزارتين تتبعان وزيرًا من حزب أو قوة أخرى من المتوقع أن تفشل عملية الدمج بالشكل الذي من المفترض أن يكون، لأن الإمارات ستعمل ربما على تزكية قيادات أمنية موالية للانتقالي لغرض إبقاء نواة القوى التابعة لها بشكل منتظم داخل المؤسسة الأمنية.
غير ان مشكلة أخرى تبدو حاضرة إذ إن نظام المحاصصة وتقسيم الحقائب الوزارية لعديد قوى متباينة في المشهد الجنوبي نفسه من جهة وفي المشهد اليمني بشكل عام من جهة أخرى، يبدو عاملًا ودافعًا لبعض القوى الإقليمية لنقل الصراع من الحالة السابقة بين حكومة شرعية ومجلس جنوبي معارض إلى صراع واسع داخل الحكومة.