أشرف الفلاحي- عربي21
جرت الثلاثاء مراسيم التوقيع رسميا على اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية المعترف بها، وما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتيا، بعد تأجيلها مرتين الأسبوع الماضي، وسط تساؤلات عن مرحلة ما بعد التوقيع، والتحديات التي تعيق تنفيذ ما ورد فيه.
ويرى متابعون للشأن اليمني أن تجارب اليمنيين مع الاتفاقيات مريرة، فبعد كل اتفاق توقعه الأطراف المختلفة في البلاد، سرعان ما ينهار، وتندلع الحرب، ولعل أبرزها "اتفاق السلم والشراكة"، الذي وقعته حكومة هادي مع الحوثيين بعد اجتياحهم للعاصمة صنعاء، خريف العام 2014.
"حرب بعد كل اتفاق"
وفي هذا السياق، اعتبر الكاتب اليمني، عبد الغني الماوري، أن نجاح اتفاق الرياض يتوقف على مدى اقتناع الموقعين عليه بما ورد فيه، في إشارة منه إلى الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي.
وقال في حديث خاص لـ"عربي21": الواضح أن هذا الاتفاق تمت الموافقة عليه إرضاء للسعودية وللإمارات، مضيفا أن الشرعية والمجلس الانتقالي لا يملكان من أمرهما شيئا، على حد قوله.
وحسب الماوري، فإن اتفاق الرياض هو تعبير عن حالة النفاق السياسي الذي يسيطر على أداء النخب السياسية اليمنية منذ عقود.
وأشار الكاتب اليمني إلى أن ما بعد توقيع اتفاق الرياض هو نفسه ما قبله، "سيتم التخفيف من الاشتباك العسكري بدرجة كبيرة.. لكن الانتقالي والشرعية عينهما على الحرب المقبلة".
وأوضح أنه تاريخيا لا يوجد اتفاق سياسي يمني تكلل بالنجاح.
والسبب في ذلك يعود إلى "عدم فهم المشاركين في الاتفاقات السابقة، حتى وإن كانت ملزمة لهم"، حسبما ذكره الماوري.
وتابع: "ليس غريبا أن يعقب كل اتفاق سياسي "حرب مدمرة" في اليمن، على غرار اتفاق العهد والاتفاق في الجنوب الذي تلته حرب صيف العام 1994 (اندلعت بين شريكي الوحدة، انتهت بهزيمة الجنوبيين الانفصاليين)، وكذا اتفاق السلم والشراكة عام 2014 (بين الحوثيين وحكومة هادي بصنعاء)، وما تبعه من حرب لا تزال قائمة حتى اليوم".
وأرجع الماوري بالقول: "يعتقد أطراف الاتفاق أن السياسي بمثابة استراحة محارب".
"لن يصمد طويلا"
من جانبه، بدا الكاتب والمحلل السياسي اليمني عادل دشيلة متشائما من مرحلة ما بعد اتفاق الرياض، وقال إن هذا الاتفاق ولد ميتا، ولن يُكتب له النجاح، وفيه ثغرات كثيرة، ما يعني أنه لن يصمد كثيرا.
وأضاف في حديث لـ"عربي21" أن هناك تصريحات صادرة عن ما يسمى "المجلس الانتقالي" اليوم بأن هذا "الاتفاق مرحلي"، بالإضافة إلى ظهور مكونات جنوبية أخرى ترفض الاتفاق.
وتطرق دشيلة إلى ما ورد في الاتفاق من بنود، بينها "ضرورة خروج القوات الحكومية من المدن، ونزع سلاحها، متسائلا: ماذا تبقى للحكومة اليمنية من سيادة؟".
وذكر المحلل السياسي اليمني أن اتفاق الرياض ينقل السيادة اليمنية في المناطق المحررة للوسيط السعودي، حيث ستشرف السعودية على كأفة الملفات الأمنية والسياسية والعسكرية، وحتى وحدة مكافحة الإرهاب.
ووفق للمتحدث ذاته، فإنه من خلال قراءتي لتاريخ الصراع في اليمن، لم أجد اتفاقا سياسيا واحدا جرى التوقيع عليه وتم تنفيذه على أرض الواقع.
واستدل بعدد من الاتفاقيات قائلا: "لم يتم الالتزام بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، ومن قبل اتفاقية العهد والاتفاق، بالإضافة إلى اتفاق ستوكهولم -منبثق عن مشاورات السويد نهاية العام الماضي- والقائمة تطول".
ولم يستبعد دشيلة أن ينهار اتفاق الرياض، ولن يلتزم به أي طرف؛ بسبب أن كل طرف متمسك بوجهة نظره، مؤكدا أن التوقيع عليه ما هو إلا نوع من المجاملة، وأيضا من أجل إعادة ترتيب الأوراق.
وحول أبرز التحديات التي ستواجه هذا الاتفاق، أوضح الكاتب اليمني أن "الجانب العسكري والأمني وخصوصا تسليم السلاح وإعادة تموضع القوات التابعة للمجلس الانتقالي" هما التحدي الأكبر.
وأردف قائلا: لا أعتقد أن المجلس الانتقالي سيسلم سلاحه.. لكن نترك الوضع للمستقبل، وننتظر حتى يتم التطبيق أو الرفض، متوقعا أن انتظار فشله لن يطول.
"لن تعود لعدن"
من جهته، صرح نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي، منصور صالح، عقب توقيع الاتفاق، بأن حكومة هادي لن تعود كلها إلى مدينة عدن الخاضعة لسيطرة التشكيلات التابعة لهم".
وقال في مقابلة مع قناة "الحدث" السعودية: عودة الحكومة إلى عدن غير وارد الآن، بخلاف الاتفاق الذي ينص على عودتها خلال 7 أيام من توقيعه.
وأضاف بن صالح في أول تعليق رسمي له، عقب توقيع الاتفاق، أن ما سيجري هو عودة رئيس الحكومة فقط لصرف الرواتب التي تم إيقافها، وإنجاز الخدمات المتعلقة بحكومته التي لن تعود بأكملها.
وذكر أن اتفاق الرياض "مرحلي وليس نهائي"، وأن هدفنا ليس الشراكة في الحكومة وحتى الحديث عن بعض القضايا في هذه المرحلة لا نحبذه"، في تلميح منه إلى مطلب الانفصال الذي يرفعه المجلس الانتقالي.
وأكد نائب رئيس دائرة الإعلام في المجلس الانتقالي رفضه ما وصفه بـ"تذويب القوات الجنوبية"، أي التشكيلات التابعة للمجلس في وزارة الداخلية والدفاع.
وتابع: "نحن نتحدث عن ضمها إلى هياكل الوزاريتين، وليس بمعنى تذويبها وضياعها".
وحول الشراكة مع المكونات الجنوبية الأخرى في الحكومة من حصة الجنوب، كما ورد في الاتفاق، ذكر أنه لا توجد مكونات جنوبية حقيقية فاعلة تستحق أن يشار إليها بهذه الأهمية. لافتا إلى أن هناك مكونات لها تاريخها السياسي، لكنها انحرفت عن هدفها فيما يتعلق بالقضية الجنوبية في المرحلة الماضية.
والثلاثاء، نشرت وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"، أن "الاتفاق بين الحكومة اليمنية والانفصاليين يدعو إلى حكومة جديدة يتقلد فيها الجنوبيون نصف الحقائب"، مضيفة أن الاتفاق ينص كذلك "على مشاركة الانفصاليين الجنوبيين في أي مفاوضات سياسية لإنهاء الحرب في اليمن".
ويطالب الاتفاق "قوات الحكومة والانفصاليين بمغادرة عدن خلال 30 يوما"، كما يضع "جميع قوات الجيش والأمن تحت إمرة وزارتي الدفاع والداخلية".