تزايدت نبرة الحديث عن مكافحة الفساد "بشكل مفاجئ" في صنعاء من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، في تطور اعتبره محللون دليلا على خشية الحوثي من انتقال عدوى الثورة في العراق ولبنان إلى اليمن، ولقطع الطريق على اي احتجاجات مماثلة للاحتجاجات في لبنان والعراق فيما يعرف بمحور ايران.
وأعلن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، نهاية اكتوبر، عن توجه لمحاربة الفساد ومعركة مفتوحة مع الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة، من خلال تخصيص أرقام في المؤسسات الحكومية، وأخرى في مكتبه، لتلقي شكاوى المواطنين الذين يتعرضون للابتزاز.
ويعتقد محللون، أن رياح الاحتجاجات في لبنان والعراق، قد لا تنتقل بسرعة وجيزة إلى صنعاء، لكن بوادر انتقالها أثارت هواجس أمنية لدى سلطات الحوثي وداخل النظام الإيراني الذي يبدو قلقا من أن تتسع رقعتها في الأيام والأسابيع المقبلة.
و في مواقع التواصل الاجتماعي يناقش النشطاء اليمنيون حتمالات انتقال عدوى احتجاجات "العراق ولبنان" إلى الشارع اليمني، وكتب ابو بكر الوراق:" التظاهرات في بغداد والخوف في صنعاء".
ويرى معن دماج المحلل السياسي، أن محاربة الفساد جزء من الخطاب الدعائي للحركة الحوثية ابتداء من اجتياح صنعاء الذي كان تحت شعار اسقاط الجرعة.
وقال دماج لـ"المصدر اونلاين" رغم ان الحوثيين وصلوا بالفساد والافساد مستويات جديدية واستثنائية فأن شعار مكافحة الفساد لا يزال من عدتهم الدعائية، ولا شك طبعا ان ما حدث في العراق ولبنان قد اقار قلق الحوثية وكان ذلك واضحا خصوصا في دوائر الصحفيين القريبين منهم"
وأوضح دماج ان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والامنية سيئة جدا في مناطق سيطرة الحركة الحوثية اضافة الى ضعف قاعدة التأييد الاجتماعي لها، وقال :" لذا لا يمكن استبعاد قيام حركات احتجاجية واسعة ضدها".
واشار دماج الى أن الفارق عن العراق ولبنان هو ان اليمن في حالة حرب والاقرب ان حركة التمرد على الحوثية ستأخذ طابع التمرد المسلح كما سبق وحدث في حجور و عتمة او الشعاور، مؤكدا أن خيبة امل الناس من اداء الشرعية والاوضاع في مناطق سيطرتها، يقلل من احتمال قيام تمردات على الحوثية.
وحول الحوثيون حياة السكان في مناطق سيطرتهم الى جحيم، وبدأت بوادر المجاعة تظهر في إقليم تهامة غرب اليمن، بسبب عدم قدرة السكان على توفير المأكل والمشرب لأطفالهم، الذين يعانون سوء التغذية، في العاصمة صنعاء، يعاني سكان المدينة تدهوراً مستمراً في معيشتهم وبات أغلبهم تحت خط الفقر ولا يجدون الطعام.
ويعيش نحو 500 ألف موظف في القطاع المدني الحكومي بالعاصمة صنعاء وبقية مناطق الحوثيين، في جحيم ومعاناة لا تنتهي منذ أن توقفت رواتبهم بشكل شبه تام في شهر سبتمبر 2016.
ووفقا لبيانات الأمم المتحدة فإن ما يقرب من نصف السكان في اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي قبل اندلاع النزاع، أي ما يعني أن نحو 10 ملايين شخص، ليس لديهم مصدر ثابت للحصول على وجباتهم الغذائية.
وذكر تقرير حديث صادر عن وزارة التخطيط اليمنية، أن 32% من الأسر التي يعتمد دخلها على المرتب الحكومي تعاني أصلاً من انعدام الأمن الغذائي، مشيراً إلى أن ما يناهز 14.1 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي، مما يعني أن واحداً من كل شخصين لا يستطيع الحصول على غذاء كاف.
وأكدت الوزارة أن من أبرز عوامل تفاقم انعدام الأمن الغذائي ارتفاع الأسعار المحلية للغذاء والوقود والمياه والدواء بالتزامن مع فقدان فرص العمل والدخل، والنزوح الداخلي لحوالى 2.18 مليون مواطن عن مناطقهم، إضافة إلى تأثيرات أزمة السيولة بصورة مباشرة على حوالى 1.25 مليون موظف حكومي وأسرهم.
وأشار التقرير إلى تدهور وغياب الخدمات الاجتماعية الأساسية، بما فيها التعليم والصحة والمياه، والتي تواجه شبح الانهيار في مناطق واسعة من البلاد والاحتياجات تتزايد يومياً، مما يزيد الضغوط على الوضع الإنساني.
ويرى المحلل السياسي نبيل البكيري، أن كل العوامل لقيام ثورة شعبية ضد جماعة الحوثي متوفرة، وقال ل"المصدر اونلاين" :" سياسات الحوثيين حاصرت الناس في ارزاقهم ورواتبهم وأعمالهم وأدت الى انتشار الفقر والجوع بشكل مخيف واوضاع اقتصادية وأمنية واجتماعية متردية تدفع اليمنيين للثورة ضد الحوثي".
وأشار البكيري الى ان ثورتي العراق ولبنان قد تمثل دافعا قويا لليمنيين في الخروج ضد جماعة الحوثي الطائفية المدعومة من إيران.
ويتشابه اليمن مع العراق ولبنان، في الواقع السياسي والطائفي وفي الظروف الاقتصادية الصعبة من بطالة وفساد ومحسوبية، لكن الوضع اسوأ بسبب الحرب المستمرة منذ خمس سنوات.
المحلل السياسي عبد الناصر المودع، أكد صعوبة قيام احتجاجات ضد نظام شمولي قمعي مثل الحوثيين مهما بلغ الوضع سوءاً، وقال لـ"المصدر اونلاين" :" الاحتجاجات تتطلب حد أدنى من حرية التنظيم والحركة وهذا غير متوفر في مناطق سيطرة الحوثيين، ففي هذه المناطق هناك سلطة قمعية رهيبة لا تخشى من أن تمارس القمع بأبشع صوره فهي لا تخشى لوم الداخل أو الخارج".
وأشار المودع إلى أن أي احتجاج مهما كان صغيرا أو محدودا لن يتم التسامح معه وسيكون أشبه بعمل انتحاري لمن يقوم به؛ وقال:" السجن والإخفاء والتعذيب وربما الإعدام هو مصير كل من يتجرأ على مواجهة نظام مثل الحركة الحوثية. ومن تجارب الشعوب التي خضعت لأنظمة شمولية لم تسقط هذه الأنظمة إلا بالغزو الخارجي أو الحرب الأهلية الطويلة والمكلفة أو انقسام حاد داخل هذه الأنظمة".
وتهدد ثورتي العراق ولبنان بتقليص نفوذ ايران في المنطقة العربية، وحسب صحيفة اندبندنت البريطانية، فإن إيران استشعرت بقلق بالغ التطورات في كل من العراق ولبنان، وقررت التدخل سريعاً بعدما أيقنت أن جهودها الحثيثة التي تواصلت لسنوات بهدف تكريس نفوذها في هذين البلدين العربيين أصبحت في مهب الريح.
ويقول "نيل كويليان" الباحث في الشؤون الدولية، إن إيران عملت على دعم النظام الداخلي الذي يحاول المتظاهرون وضع نهاية له، ولهذا تعتبر أن المحتجين يتحدون النظام السياسي القائم حالياً والذي يتكون في جزء مهم منه من جماعات تدين بالولاء لإيران بل وترتكز عليها في تنفيذ سياساتها، ولهذا فإن طهران سوف تخسر الكثير إذا خرج حلفاؤها من السلطة أو تقلص نفوذهم مثل حزب الله في لبنان وقوات الحشد الشعبي في العراق.
وتعتبر ايران إن ثورتي العراق ولبنان استهدافا لها، وقال نائب قائد الوحدات الخاصة بالأمن الداخلي الإيراني، العميد حبيب الله جان نثاري، 4 نوفمبر الجاري، إن الإضطرابات الحالية في العراق ولبنان تهدف إلى إضعاف ما أسماها "جبهة المقاومة" في المنطقة، ووصف جان نثاري الاحتجاجات في لبنان والعراق بأنها "اضطرابات تستهدف إشعال جبهة المقاومة". وأضاف أن "هذه الجبهة الموحدة تمتد من إيران وأفغانستان وباكستان إلى سوريا ولبنان واليمن.