لم يدرك "مختار الشميري" -مالك كافتيريا بمنطقة دارس في العاصمة صنعاء- أن اللون الأحمر للكراسي واللوحات الخارجية ستجلب له متاعب، إلا عندما اقتحمت ميليشيا الحوثي الانقلابية، وأجبرته على استبدال الأحمر باللون الأخضر، بالإضافة إلى دفع مبلغا مالياً تحت مسمى حق "رسول الله".
ومنذ نحو شهربدأت ميليشيا الحوثي الانقلابية بشن حملات جبايات على كافة القطاعات الخاصة، والمحلات التجارية، والمطاعم، والباعة المتجولين، واجبرتهم على دفع مبالغ مالية للاحتفال بذكرى المولد النبوي الذي يصادف غداً السبت الثامن من نوفمبر الجاري.
قسائم المولد النبوي.. حيلة نهب حوثية..#اليمن #الحوثي #معا_من_اجل_انقاذ_اليمن#المولد_النبوي pic.twitter.com/y9OJqRdZkM
— اليمن الآن (@ALyemennow) November 8, 2019
وتحولت صنعاء إلى مدينة خضراء حيث تنتشر الأقمشة في جميع الشوارع والأحياء بالإضافة إلى الأضواء الخضراء ليلاً، وتم فرضها بالقوة على التجار في نطاق تواجدهم، وخلال الأيام الماضية أعلن وزير الإعلام الحوثيين "ضيف الله الشامي" أن الاحتفالات بالمولد النبوي هذا العام، سوف تكون أكبر من كل الاحتفالات السابقة. وجاء حديثه بالتزامن مع افتعال الحوثيين سلسلة من الأزمات وحملة ابتزاز للتجار لإجبارهم على دفع مبالغ مالية لتمويل فعاليتهم.
جبايات وابتزاز وأزمات
وقال مختار الشميري (37عام) إن الحوثيين فرضوا عليه دفع 20,000 ريال يمني (30 دولار أمريكي) بالإضافة إلى إلزامه بتعليق قماشات خضراء وبيضاء وأضواء خضراء في الحي الذي تتواجد فيها الكافتيريا الخاصة به، وهذه الأوامر جرت على غالبية المحلات في العاصمة صنعاء خلال الشهر الماضي.
ويتخذ الحوثيون في صنعاء من فعاليتهم الطائفية فرصة لابتزاز التجار والمواطنين في العاصمة صنعاء وبقية المدن الخاضعة لسيطرتهم، بالإضافة إلى افتعال أزمات في المشتقات النفطية، وبرزت خلال الشهر الماضي أزمة الغاز المنزلي بشكل لافت، وأيضاً تفعيل العقوبات والرقابة الابتزازية على التجار في مداهمات مفاجئة لمحلاتهم.
وقال سكان في العاصمة صنعاء لـ"يمن شباب نت" منذ نحو شهر توقف الحوثيون عن تعبئة اسطوانات الغاز المنزلي عبر عُقال الحارات، في الوقت الذي تواجدت الغاز بالسوق السوداء بأسعار مضاعفة، في أزمة غير مبررة لكنها تتزامن مع احتفالات الحوثيين بالمولد النبوي.
وخلال الأيام الماضية فعل الحوثيون الإجراءات الرقابية على التجار واستهدفوا مُلاك الصيدلات والمخابز بشكل كبير، حيث أغلقوا أكثر من 400 صيدلية بمبررات مختلفة، ونفذوا حملات لاستخلاص الإتاوات من جميع التجار سواء كانت ضريبة أو زكاة أو تجديد الرُخص، كل ذلك من أجل تمويل فعاليتهم.
وقال مالك مخبز بصنعاء "أن الحوثيون لا يهتمون كثيرا بالرقابة على أحجام الخبز إلا عندما يكون معهم فعالية، فهدفهم الرئيسي الحصول على المال وابتزاز التجار تحت أي مبرر، فعندما يأتي المشرفين من سلطات الحوثيين نعلم مسبقاً أنهم يريدون المال فقط وليس شيئ غيره يهم المواطنين ومعيشتهم".
تكلفة يتحملها المواطن
وقال الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي "إن تلك الجبايات التي يفرضها الحوثيون على التجار في العاصمة صنعاء تحت ذريعة الاحتفال بالمولد النبوى تنعكس سلباً على حياة المواطن البسيط وتسبب لجوء التجار إلى تعويض خسائرهم بفرض زيادات في أسعار السلع والخدمات الأساسية يتحمل تبعاتها المواطن المنكوب أساساً".
وأضاف في حديث لـ"يمن شباب نت" أن من شأن تلك الإجراءات التعسفية أن تحفز مزيداً من رؤوس الاموال لمغادره العاصمة صنعاء بسبب غياب سلطة القانون وحضور ممارسات ميلشيات الحوثي التي لا تشجع على بقاء واستمرار العمل.
وأشار العوبلي "أن تكاليف الاحتفالات لا تساوي ربع أو حتى عشر ما سيتم جبايته من أصحاب المحلات التجارية وكافة القطاعات الخاصة" معتبرًا ذلك ذريعة تستخدمها عناصر تابعة لميليشيا الحوثي للإثراء الفاحش على حساب المواطن المغلوب على أمره.
وأوضح أن الحوثيين يستغلون المناسبات الدينية لان نسبة الاستجابة فيها تكون أكبر مما لو كانت المناسبة وطنيه مثلاً وتتمكن فيها المليشيا من جمع مبالغ كبيرة. مما يجعل مناسبة المولد النبوي ليست أكثر من فرصه للجباية والإثراء تمارس خلاله المليشيات عملية فساد متكاملة الأركان.
لماذا يحتفل الحوثيين؟
ثمة أسباب كامنة لإحتفالات المليشيات الحوثية بالمولد النبوي، خصوصاً وأن المليشيات أصبحت تعتمد بشكلٍ كبير على المناسبات الدينية لاستعراض سيطرتها من خلال الدعاية المكثفة، وعوضا عن الاتاوات والجبايات التي يفرضها الحوثيون على التجار تحت مسمى "حق رسول" تريد الميلشيات تحقيق هدف آخر.
وتسعى المليشيات من خلال إقامة الاحتفال بالمولد النبوي إلى الدعاية السياسية والتعبير عن الوجود والتأثير على الجماهير، وإعطاء انطباع التدين على الاحتفال وابراز السيطرة والتواجد على أرض الواقع، وهذا يظهر بشكل لافت من خلال إعلامهم حيث يستهدفون المواطنين الذين يتعرضون لهذه الدعاية ويتأثرون بها أحيانا.
وفي الوقت الذي تحتفل فيه المليشيات الحوثية بالمولد النبوي يعيش المواطنون في مناطق سيطرتهم أوضاع قاسية وظروف صعبة للغاية نتيجة انعدام فرص العمل وانقطاع رواتب الموظفين بالإضافة إلى تضييق الحوثيين على حياتهم بسلسلة من الأزمات.
ويحتفل الحوثيون بمولد الرسول على أساس طائفي باعتبارهم من سلالاته أنهم أحق به من بقية المسلمين وليس تعظيم ديني، وكل هذا سيتم بمئات الملايين من الريالات التي يتحمل تكفلتها اليمنيون الذين يعيشون تحت خط الفقر، في الوقت الذي يسرق الحوثيون الطعام من أفواههم. -على حد تعبير الغذاء العالمي- ويحتفلون بمولد النبي بلا خجل على مقربة من بطون الجائعين الفارغة.