في مشهد مخالف لتلك المشاهد التلفزيونية، والتي تخرجها جماعة الحوثيين إعلامياً أثناء عملية تشيع عناصر قتلاها وتركز على تحويل مشاهد التشييع إلى ريبورتاج لحشد المزيد من المقاتلين.
يوم الأربعاء السادس من نوفمبر الجاري، وصلت قيادات حوثية برفقة عدد من جثامين قتلى مليشيا الحوثي من أبناء مديرية جبلة جنوب غرب مدينة إب، والتي تعد من المديريات التي تركز عليها المليشيا بشكل لافت لعملية استقطاب مقاتلين تزج بهم في مختلف الجبهات القتالية وغالبا ما يعودون على متن توابيت محكمة الإقفال ويمنع مشاهدة ما بداخلها أو إلقاء النظرة الأخيرة لذوي القتلى بحجج ومبررات عدة وتوجيهات صارمة من مشرفين وقيادات حوثية عليا.
أبلغ قيادات حوثية المواطن "محمد المهتدي" أن نجله قتل في جبهات الحدود مع السعودية، والذي استعان بالصبر وكتم غضبه من التغرير على نجله والزج به في محارق الموت الحوثية دون معرفته أو حتى مجرد الإستئذان منه بحسب مصادر مقربة من عائلة "المهتدي"، وتم إبلاغه بموعد التشييع والدفن وأنهم سيصلون الأربعاء لموارة الجثمان رفقة قتلى آخرين.
ومع مرور صبيحة الأربعاء ووصول عدد من الجثامين لعناصر حوثية إلى مديرية جبلة، كان الشيخ المسن "محمد المهتدي" يرقب بألم وحسرة وعيون شاخصة لموعد وصول نجله الذي تم أخذه دون إحاطته، وبعد وصول الجموع الحوثية ومعها سيارات خضراء وتوابيت القتلى، حينها خرج والد القتيل "عبدالإله المهتدي" عن طوره في حضور قيادات حوثية جاءت للتشيع وبرفقتها أحد مصوري قناة المسيرة الحوثية.
رفض "المهتدي" منذ البداية أن يتم تشيع نجله إلى مقبرة الحوثيين، حيث أنشأت مقبرة خاصة لقتلاها بالمديرية نتيجة الخسائر الكبيرة التي تتلقاها بمختلف الجبهات القتالية حيث تعد مديرية جبلة من المديريات التي تتواجد فيها وتعمل على استقطاب عدد من شباب المديرية بوسائل مختلفة، حيث شيعت خلال يومي الخميس والأربعاء خمسة قتلى فضلاً عن وجود عدد من الجرحى، ورفض والد المهتدي ووالد قتيل آخر من ذات المنطقة التي ينتمي إليها القتيل "عبدالإله المهتدي" أن يتم دفنهم في مقبرة ما يسمى بـ"مقبرة الشهداء".
أجبر "المهتدي" قيادات الحوثي على تنفيذ مطالبة وتسبب بإنقسام حاد وخلافات بين تلك القيادات حيث كان بعضهم يصر على عدم الإنصياع لمطالب والد القتيل فيما آخرون رأوا في الاستجابة لطلب والد القتيل نوعاً من المواساة له ورأت أن عليها الاستجابة له تفاديا لعدم إحداث أي جلبة أو ضجيج أثناء عملية التشيع.
انقسمت الجنازة التي كان مقرراً لها الوصول لمقبرة "الروضة" ونقلت جثامين القتيلين "عبدالإله المهتدي" و"رائد محمد سفيان" إلى مقبرة "محنطان" بمديرية جبلة واتجهت جثامين اثنين آخرين هما "أشرف أمين الشراعي" و "أركان فؤاد الحريري" إلى مقبرة "الروضة" وتوزعت القيادات الحوثية على الجنازتين.
وبعد وصول قيادات حوثية رفقة القتيلين "عبدالإله" و"سفيان" وأثناء محاولة التوثيق لعملية الدفن وأخذ تصريحات من أقارب القتلى انفجر والد القتيل "عبدالإله" ليصرخ في وجوه قيادات من الجماعة الحوثية أثناء عملية تشييع ولده واتهمهم بالتغرير على نجله والزج به في محارق الموت الحوثية دون علمه وأنها تمارس الكذب والتضليل على المواطنين حد قوله.
وقال شهود عيان إن والد القتيل "عبدالإله المهتدي" وصف قيادات الحوثي التي حضرت الجنازة بأنهم قتله ويزجون بأبناء البسطاء في معارك ليست معاركهم ولا ناقة لهم فيها ولا جمل، بينما أولادهم ـ يقصد قيادات الجماعة ـ في البيوت والمدارس والجامعات.
وبحسب الشهود والمصادر المتطابقة فإن المهتدي صاح بأعلى صوته في وجه قيادات الحوثي "يا قتله يا منافقين تقتلون أولاد الناس وفلذات أكبادهم وتقولون أنكم تقتلون أمريكا وإسرائيل".
الردود الغاضبة من قبل "المهتدي" شكلت صدمة وإحراج كبير لتلك القيادات التي لم تجد أمامها مجال سوى الانسحاب ومغادرة مكان التشييع.