كشف تحقيق مشترك لصحيفتين فرنسيتين، أن الإمارات استخدمت جزءا من محطة "بلحاف" لتسييل الغاز في اليمن، والتي أغلقت منذ بداية الحرب التي قاده تحالف عربي بقيادة السعودية عام 2015، كسجن سري لتعذيب المعتقلين.
ونقل موقع "ميديا بار" وصحيفة "لوموند" شهادات جمعتها منظمة العفو الدولية وفريق خبراء حقوق إنسان معنيين باليمن في الأمم المتحدة، جرى من خلالها تأكيد وجود سجن سري لاحتجاز مشتبه بهم في بلحاف، يدار من قِبل القوات الإماراتية.
وجاء في شهادة نشرها ميديا بار "لقد جرى حبسي في زنزانة، ومن ثم ضُربت باللكمات في وجهي وبالعصا، سحبوني من لحيتي، وجعلوني أعتقد أن زملائي في الزنزانة أبلغوا عني. لقد اتُهمت بأنني عضو في تنظيم الدولة والقاعدة وجماعة الإخوان المسلمين".
سجن بلحاف
وأوضح الموقع أن هذه الكلمات كانت لرجل يدعى محمد (اسم مستعار خوفا على حياته) ندد بحبسه والضرب الذي تعرض له على أيدي القوات الإماراتية في بلحاف، الواقعة على الساحل الجنوبي لليمن، في موقع تديره الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال (YLNG)، والمساهم الرئيسي فيها هي مجموعة توتال الفرنسية بحوالي 40 ٪.
وأشار إلى أن هذا الموقع يحتوي على سجن سري ويستخدم كمكان للتعذيب، وأن هذه المعاملات "اللاإنسانية والمهينة" تعود إلى عامي 2017 و2018، خلال الحرب اليمنية بين الحوثيين والحكومة اليمنية المدعومة من قبل السعودية والإمارات، ولا تزال مستمرة.
وبحسب الشهادات التي جرى جمعها، "يتراكم السجناء من خمسة إلى أكثر من عشرة في زنازين صغيرة مساحتها لا تتعدى من 5 إلى 8 أمتار، ينامون على الأرض، ولا تصل إليهم المياه، لا يتم تهوية مكان الاحتجاز، حيث الحرارة شديدة"، وفي إطار حالات التعذيب وسوء المعاملة، تعرض السجناء للضرب، فيما غادر المرضى دون رعاية.
وتقول "لوموند" إنه جرى بناء القاعدة العسكرية الإماراتية على جزء من موقع توتال منتصف عام 2017، وأن المعتقل السري يعد ممرا للمعتقلين الذين يتم نقلهم من سجن سري آخر في "المكلا"، وهما ضمن شبكة أكبر للسجون السرية تديرها الإمارات بهذا البلد.
وبينت الصحيفة الفرنسية أن التقرير الصادر في 7 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، من قبل "مرصد الأسلحة"، و"SumOfUs" و"أصدقاء الأرض" تدعم هذه المعلومات، مستشهدين بشهادتين جديدتين للسجناء، أحدهما يدعي تعرضه للضرب، والتهديد بالقتل.
وأكدت "لوموند" أنها جمعت من جهتها شهادتين أخريين من أحد المدانين السابقين في هذا المركز وعائلة معتقل، تشير إلى أن الناس كانوا ما يزالوا محتجزين في بلحاف حتى منتصف عام 2019.
عسكرة الموقع
كما يسلط التحقيق الضوء على عسكرة الموقع الذي أصبح اليوم "قاعدة عسكرية للإماراتيين، بأسلحة ووسائل لوجستية"، وفقًا لمصدر في الحكومة اليمنية.
وذكر كذلك أنه تم تنفيذ هذه العسكرة بفضل مشاركة فرنسية، إذ يشير معدو التحقيق إلى أن الجيش الفرنسي أرسل بعض "قوات الكوماندوز البحرية" عام 2009، وهي معلومات كشفت عنها موقع "ويكيليكس".
وبحسب "ويكيليكس"، فإن الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال لم تكن مقتنعة بالقدرات اليمنية، لذلك عملت على إقناع الحكومة الفرنسية بإرسال قوات كوماندوز من البحرية الفرنسية لتدريب أفراد القوات البحرية اليمنية المتمركزة في بلحاف في مايو/أيار 2009.
وقال توني فورتين، مدير بعثة مرصد الأسلحة: "إن هذا العسكرة الهائلة لموقع يتعلق بسياسة الطاقة في فرنسا يثير التساؤلات".
وذكر "ميديا بار" أن هذا سمح للمحطة بالاستمرار وعدم التوقف عن العمل، على الرغم من الحرب المستمرة منذ عام 2014، وبما أنه موقع حيوي بالنسبة للطاقة اليمنية، فإن المصنع هو أكبر استثمار فرنسي تم القيام به على الإطلاق في هذا البلد.
ونقل الموقع الفرنسي عن أوس العود، وزير النفط اليمني، أن صادرات المحطة قد تصل إلى "ما يقرب من مليار دولار في العام".
أين فرنسا؟
ووفقًا لعناصر التحقيق الذي أجرته "ميديا بار"، فإن الحكومة الفرنسية بعيدة كل البعد عن عدم العلم بهذا الموقف، فالمعلومات المؤكدة لوسائل الإعلام من قبل أحد أعضاء الحكومة اليمنية، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته تؤكد أن "توتال كانت تعلم ذلك بشكل تام".
ويؤكد توني فورتين من مرصد الأسلحة أيضًا هذه المعلومات، مشيرًا إلى التعاون الفرنسي الإماراتي، لا سيما في مجالات الطاقة والأمن الإقليمي، بما في ذلك مكافحة الإرهاب: "فرنسا حليف تاريخي لدولة الإمارات العربية المتحدة".
وردا على سؤال من "ميديا بار"، لم يرغب مكتب رئيس الحكومة الفرنسية إدوارد فيليب في التعليق، وطلب إرسال ما تم جمعه إلى "توتال" لأن "العناصر الخطيرة للغاية التي تنقلها تحتاج إلى التحقق بدقة".
علاوة على ذلك، لم ترغب توتال ولا الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال في الرد على استفسارات وسائل الإعلام، تمامًا مثل وزارة الدفاع الفرنسية.
وفي 2017، كشف تحقيق أجرته "أسوشيتد برس" عن وجود شبكة سجون سرية في اليمن تديرها الإمارات، ويخضع فيها المعتقلون للتعذيب.
شهادات موثقة
وأكدت الوكالة أنها وثقت وتحققت من حوادث لاختفاء مئات الأشخاص في هذه السجون السرية بعد اعتقالهم بشكل تعسفي، وأنها شهدت حالات تعذيب وحشية تصل إلى حد "شواء" السجين على النار.
كما بثت القناة الرابعة البريطانية في 2018 شهادات تكشف عن جانب من معاناة المعتقلين في السجون السرية الإماراتية في اليمن، حيث أكدت تعرضهم لشتى أنواع التعذيب من ضرب وصعق بالكهرباء وإدخال أدوات معدنية حادة بمناطق حساسة من الجسم.
وفي يوليو/تموز من نفس العام، وثقت منظمة العفو الدولية (أمنستي) "انتهاكات صارخة ترتكب بشكل ممنهج بلا محاسبة، تصل إلى جرائم حرب بالسجون السرية التي تشرف عليها أبو ظبي جنوبي اليمن".
وقالت المنظمة في تقريرها المعنون بـ "الله وحده أعلم إذا كانوا على قيد الحياة" إنها رصدت عشرات الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري والتعذيب من قبل القوات الموالية لأبوظبي.
واعتبرت "أمنستي" أن هذه الممارسات ترقى إلى جرائم حرب، ودعت الإمارات إلى التوقف عن المشاركة فيها وفتح تحقيق سريع وفعال بشأنها.
ومن بين الأرقام المذكورة بالتقرير، قالت "أمنستي" إنها حقّقت في ظروف اعتقال 51 سجينا بين مارس/آذار 2016 ومايو/أيار 2018 اعتقلتهم القوات الحكومية والقوات الإماراتية وأكدت أن 19 واحدا منهم، فُقدت آثارهم.