السعودية

السعودية تنظر لليمن بوصفه شأناً محلياً.. كيف مهدت الحرب الطريق لإعادة ترتيب بيت الحكم السعودي؟!

أظهرت دراسة أكاديمية حديثة أن السعودية تنظر إلى اليمن بوصفه شأنا محليا، الأمر الذي جعل سياساتها الخارجية تتخذ طابعا أمنيا في المقام الأول.

ولفتت الدراسة إلى أن تلك النظرة السعودية لم تتغير سواءً قبل تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، أو بعدها، ويتضح ذلك من خلال بقاء ملف العلاقات مع اليمن في يد وزارتي الداخلية أو الدفاع السعوديتين، أو اللجنة الخاصة التي تتبنى المنظور الأمني في التعاطي مع ملف العلاقات بين البلدين.

ووفق الدراسة التي أعدها الباحث عبدالغني الماوري حول "السياسة الخارجية السعودية تجاه اليمن في الفترة (2011-2019)" ونال بموجبها درجة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية والثقافية بتقدير امتياز من جامعة كاريزما، فإن توجه عسكرة السياسة الخارجية السعودية ارتبط بعملية إعادة التفكير في السياسة الخارجية السعودية التي أخذت ملامحها تتشكل في أعقاب ثورات الربيع العربي عام 2011، واكتسب زخماً إضافياً بعد صعود الملك سلمان وابنه محمد إلى الحكم العام 2015.

وأشارت الدراسة إلى وجود علاقة بين التدخل العسكري السعودي في اليمن وتزايد حدة الصراع بين القوى الإقليمية الرئيسية في المنطقة على النفوذ، وفي مقدمتها إيران، حيث انتهت الدراسة إلى أن اتجاه الحوثيين لبناء علاقات استراتيجية بإيران، قد عجل بقرار التدخل العسكري السعودي في اليمن. 

سعودياً، اشارت الدراسة لوجود علاقة بين التغيرات الحاصلة على مستوى هرم السلطة وبنيتها في السعودية وتحول نمط السياسة الخارجية السعودية في اليمن، حيث مثلت الحرب في اليمن فرصة لإعادة ترتيب بيت الحكم السعودي، حيث أصبح محمد بن سلمان نجل الملك سلمان ووزير الدفاع هو ولي العهد، وهو التغيير الذي لم يكن ليقابل بالاعتراض بسبب انخراط السعودية في الحرب. 

وتوصلت الدراسة إلى وجود أربعة سيناريوهات أمام صانع السياسة الخارجية السعودية للتعامل مع اليمن في فترة ما بعد الحرب، وهي الاستمرار في انتهاج سياسة الاحتواء، أو القطيعة والإنكفاء على الذات، أو الإنخراط في مواجهة شاملة طويلة المدى، أو انتهاج سياسة قائمة على التعاون والاحترام المتبادلين.

وتوقعت الدراسة أن يكون السيناريو الأول وهو انتهاج الاستمرار في سياسة الاحتواء أكثر السيناريوهات رجحاناً، بالنظر إلى مدركات صانع السياسة الخارجية السعودية الذي لا يزال يعتبر اليمن بمثابة حديقة المملكة الخلفية، ومنطقة نفوذ خاص بها.

وأشارت الدراسة إلى أنه لن يكون هناك استجابة يمنية موحدة تجاه السياسة الخارجية السعودية، بل عدة استجابات متناقضة وغير ثابتة، موضحة أن مواقف الفاعلين المحليين تجاه الدور السعودي في المرحلة المقبلة ليست نهائية ولن تكون محكومة بسياق الحرب، فيمكن رؤية تقارب بين فاعل سياسي مناهض للسعودية مثل الحوثي والنظام السعودي، وفي المقابل يمكن رؤية تباعد وخصومة بين الحراك الجنوبي الإنفصالي والسعودية.

وحددت الدراسة مجموعة من القضايا والمضامين السياسية التي سوف تحدد نوع وطبيعة العلاقة بين السعودية والفاعليين المحليين أبرزها وتتمثل في: الوحدة والانفصال، ونوع النظام السياسي، وشكل الدولة وطبيعتها، ومدى القبول بالنفوذ السعودي، والموقف من القوى الإقليمية غير السعودية.

وقد أوصت الدراسة النظام السعودي بالعمل على دعم بناء حكومة مركزية قوية في اليمن، وذلك باتخاذ قرارات حاسمة تتعلق بإنهاء أعمال اللجنة الخاصة المسؤولة عن تجنيد الأتباع سواءً في الأوساط الرسمية أو العسكرية أو في أوساط القبائل، وأن تقتصر المساعدات الإقتصادية على الجانب الرسمي. 

كما أوصت الدراسة النظام السعودي بإجراء تعديل جوهري في نظرته إلى اليمن، بما يجعل من الأمن موضوعاً أساسياً للتعاون والتنسيق بين البلدين، وإقامة شراكة سياسية واقتصادية تحقق منافع متبادلة بين البلدين، وتفهم وجود ديمقراطية، وتداول سلمي للسلطة في اليمن، كون هذا الأمر هو الضامن لتجنب حصول صراعات مسلحة، فاليمن بلد متعدد سياسيا ويصعب تأسيس سلطة عائلية يمكنها حكم اليمن كما هو الحاصل في الدول الخليجية.

كما أوصت الدراسة الحكومة اليمنية والفصائل السياسية اليمنية بالتوازن والمحافظة على المصلحة الوطنية في علاقاتهم مع المملكة العربية السعودية، بحيث يتم التخلي عن إرث الخصومة مع السعودية، وفي الوقت نفسه، يتم رفض دور اللجنة الخاصة في اليمن، وتلقي أموال من قبلها.