حالة من الغزل تنتاب دولة الإمارات تجاه إيران والحوثيين، فهل يحدث هذا التقارب الإماراتي مع إيران والحوثيين بالاتفاق مع السعودية أم رغماً عنها، وما النتيجة المتوقعة لهذا التقارب في اليمن، حكومة وطنية تضم كل أطياف المجتمع أم هيمنة حوثية على بلاد اليمن.
واللافت أنه بينما كانت الإمارات هي إحدى الدولة المحرضة لترامب على التصعيد مع إيران، فإنها دخلت اليوم في حالة غزل صريح مع جارها الإيراني، غزل بدأ منذ إسقاط إيران للطائرة الأمريكية المسيرة التي قالت طهران إنها اخترقت أجواءها، وما تبع ذلك من هجمات على سفن في مضيق هرمز وصولاً للهجوم الأخير على موقع شركة أرامكو السعودية.
وأثبتت هذه الأحداث للإماراتيين أنه لا يمكن الاعتماد الأمريكيين في عهد صديقهم ترامب الذي يحب تقاضي الأموال ولكن لا يحب الحروب على الإطلاق.
ومنذ ذلك الوقت أعلنت الإمارات انسحابها الجزئي من اليمن تاركة السعودية في ورطة هذا البلد وبدأت في الوقت ذاته تتقارب مع إيران.
التقارب الإماراتي مع إيران والحوثيين
أمس الأحد دعا وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، إلى «عدم التصعيد» ضد إيران، وضرورة اللجوء إلى «الحلول الدبلوماسية» معها.
وأضاف قرقاش، في كلمة له خلال ملتقى أبوظبي الاستراتيجي، أن «هناك حاجة الآن أكثر من أي وقت مضى لخلق نظام إقليمي جديد أكثر استقراراً تستطيع فيه جميع الدول الازدهار».
وشدد على أن أية مفاوضات يجب أن تشمل دول الخليج العربي؛ لضمان أن تكون طويلة الأجل ومستدامة.
وترفض طهران إجراء أية مفاوضات مع واشنطن، في ظل العقوبات الأمريكية الراهنة على إيران، لا سيما بشأن برنامجها النووي.
وبالتزامن مع تصريح قرقاش بشأن إيران، قال قائد قوات حرس الحدود الإيراني، العميد قاسم رضائي، في مؤتمر صحفي الأحد: «اليوم، توجد علاقة جيدة جداً بين إيران والدول المجاورة ومنطقة الخليج، وخاصة الإمارات وقطر والكويت».
وأضاف رضائي أن قوات حرس الحدود الإيرانية عقدت اجتماعات كثيرة مع نظيرتها الإماراتية، وتوصلت إلى اتفاقات جيدة للغاية ثنائياً وإقليمياً، حسب الوكالة الإيرانية الرسمية للأنباء.
ومؤخراً، طوت الإمارات صفحة خلافها الحدودي مع إيرانبإبرامهما اتفاقاً للتعاون الحدودي، في أواخر يوليو/تموز 2019، نصّ على عقد اجتماعات كل ستة أشهر، وسط توتر أمني في الخليج ونذر حرب وتحشيد عسكري أمريكي على أرض السعودية حليفة أبوظبي.
ورغم الخلافات السياسية السابقة التي أظهرتها الإمارات وصورت إيران عدواً قاطعت بسببه جارتها قطر، فإن العلاقات الاقتصادية لم تنقطع بين البلدين، حيث تظهر لغة الأرقام أن الإمارات تتصدر قائمة الدول العربية من حيث التبادل التجاري مع طهران، بقيمة 13 مليار دولار تقريباً.
وتستحوذ دبي وحدها على نحو 90% من إجمالي حجم التبادل التجاري الإماراتي مع إيران، وبينما بلغت الصادرات الإيرانية إلى الإمارات نحو خمسة مليارات دولار، وصلت الصادرات الإماراتية لإيران إلى نحو سبعة مليارات دولار.
وبحسب المصادر الرسمية الإيرانية، فإن الإمارات هي أكثر دول العالم تصديراً لإيران، إذ تشكل صادراتها نحو 30% من واردات إيران.
غزل صريح للحوثيين
ولكن اللافت أكثر تصريحات الوزير الإماراتي تجاه الحوثيين.
فقد أكد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، الأحد، أنّ للمتمردين الحوثيين دوراً في مستقبل اليمن، معرباً عن تفاؤله بأن يتحول اتفاق السلام بين الحكومة والانفصاليين الجنوبيين إلى نقطة انطلاق لحل شامل، وفقاً لما نقلته فرانس برس، الأحد.
وجاءت تصريحات قرقاش في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس، في أجواء من التهدئة في البلد الغارق في الحرب، منذ أن أعلن المتمردون وقف هجماتهم ضد السعودية في سبتمبر/أيلول الماضي في أعقاب تبنيهم ضربات ضد منشآت شركة أرامكو.
ودعا الوزير الإماراتي إلى البناء على «حالة الزخم» الحالية للتوصل إلى حل سياسي.
وأوضح أن «هذا الاتفاق يجب أن يأخذ في الاعتبار التطلعات المشروعة لجميع شرائح المجتمع اليمني، وبما في ذلك الحوثيين».
وأضاف: «لقد ألحقت الميليشيات الحوثية الدمار في البلاد، لكنها جزء من المجتمع اليمني وسيكون لها دور في مستقبلها».
ويقاتل المتمردون الحوثيون الحكومة المعترف بها دولياً وحلفاءها منذ أكثر من خمس سنوات في نزاع دفع البلاد إلى حافة المجاعة مع تفاقمه في 2015 حين تدخلت السعودية على رأس تحالف عسكري لوقف تمدد المتمردين المدعومين من إيران.
هل التهدئة مع الحوثيين تتم بالاتفاق مع السعودية؟
وكان مسؤول سعودي أعلن الأربعاء الماضي عن «قناة مفتوحة» بين المملكة ومتمردي اليمن منذ 2016 لدعم إحلال السلام في اليمن.
ومع أن هذا يشير إلى أن التقارب الإماراتي مع إيران والحوثيين هو بالتنسيق مع السعودية، إلا أنه من خلال تجربة الإمارات السابقة، فقد يكون العكس ما حدث، أي أن الإمارات تخلت عن دورها في التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن وبدأت تغازل الإيرانيين والحوثيين الأمر الذي جعل السعودية مضطرة إلى أن تحذو حذوها.
واتهم مسؤولون يمنيون الإمارات، التي تدعم فصائل يمنية مسلحة، بامتلاك أجندة خاصة في اليمن، بعيداً عن أهداف التحالف المعلنة، وهو ما تنفيه أبوظبي، وتقول إنها ملتزمة بأهداف التحالف، وهي: دعم الشرعية، مواجهة انقلاب الحوثيين واستعادة الدولة اليمنية.
ومؤخراً عقد اتفاق بين الحكومة اليمنية الشرعية المدعومة من السعودية وبين الانفصاليين المدعومين من الإمارات.
واعتبر قرقاش، الذي تشارك بلاده في قيادة التحالف العسكري باليمن، أن اتفاقاً تم التوصل إليه الأسبوع الماضي بين الحكومة ومجموعة نافذة من الانفصاليين الجنوبيين، يمكن أن يدفع البلاد نحو الحل الشامل.
وتبدو هذه الجهود كلها في إطار محاولة السعودية والإمارات للخروج من المستنقع اليمني الذي لم تحقق فيه الدولتان تقدماً يذكر باستثناء السيطرة الإماراتية على عدن عاصمة الجنوب.
وانحرفت الدولتان بعيداً تماماً عن هدفهما الرئيسي، إذ تقاتل حلفاءهما أي قوات الشرعية اليمنية والانفصاليين في عدن عاصمة جنوب اليمن، فيما أظهر فشل معركة الحديدة أن إضعاف الحوثيين المسيطرين على شمال البلاد الأكثر وعورة أمر شديد الصعوبة رغم فقدان الحوثيين لحليفهم القديم على عبدالله صالح الذي قتلوه بعدما حاول الانقلاب عليهم.
استعراض قوة من قبل الحوثيين
وجاءت تصريحات قرقاش غداة تجمّع حاشد نظمّه المتمردون الحوثيون بمناسبة مولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وقد جذب مئات الآلاف من الأشخاص في العاصمة صنعاء. وكان الحشد هذا العام أكبر من العام السابق، بحسب مصور وكالة فرانس برس.
وخاطب زعيم المتمردين عبدالملك الحوثي الحشود عبر رسالة مصورة تم عرضها على شاشة كبيرة، بينما هتف الكثيرون بشعارات مؤيّدة له.
وأوقعت الحرب في اليمن حوالي 10 آلاف قتيل وأكثر من 56 ألف جريح منذ 2015 بحسب منظمة الصحة العالمية. ويعتبر مسؤولون في المجال الانساني أن الحصيلة أعلى بكثير.
تسوية سياسية محتملة
خلال الفترة الماضية كان المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث قد قام بجولة إقليمية التقى خلالها مسؤولين سعوديين وحوثيين من بينهم زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، حيث ناقش معهم التحضيرات لتسوية سياسية شاملة.
وبحسب ما نقلت الجزيرة عن مصدر في مكتب غريفيث فإن الهجوم الأخير على شركة أرامكو السعودية منتصف سبتمبر/أيلول الماضي كان دليلاً للمجتمع الدولي والإقليم على ضرورة الحل السياسي في اليمن، ووقف المزيد من التصعيد.
وأشار إلى أن تفاصيل التسوية السياسية الشاملة التي يحضّر لها المبعوث الأممي تتعلق بتشكيل حكومة مبنية على الشراكة الشاملة لجميع الأطراف والأحزاب السياسية.
وقال: «التسوية تنص على أن يكون للحكومة الحق في امتلاك السلاح في مقابل انسحاب الميليشيات وسحب أسلحتها تدريجياً من خلال عملية تشرف عليها الأمم المتحدة، ووقف الهجمات على دول الجوار وتهديد الملاحة الدولية».
وبحسب مكتب المبعوث فإن غريفيث يبحث مع الأطراف بصورة حثيثة للتوصل إلى اتفاق.
وترتبط التسوية السياسية المحتملة بمرحلة انتقالية قبل الدخول في انتخابات رئاسية وبرلمانية، حسبما تقول عضوة فريق الحكومة المشارك في المشاورات السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة والأمينة المساعدة للتنظيم الناصري رنا غانم.
ووفق حديث غانم للجزيرة نت، فإن التسوية التي تسبق المرحلة الانتقالية تشمل ترتيبات أمنية وعسكرية على الأرض، يعقبها تشكيل حكومة شراكة واتفاق على إقرار الأقاليم والدستور، وهي تفاصيل رحبت بها جميع الأطراف، ما جعل غريفيث متفائلاً.
وأشارت إلى أن «التوصل إلى اتفاق بات أقرب من أي وقت مضى لأسباب عدة من بينها أن هناك تغييرات كبيرة في المنطقة منذ اتفاق السويد (الموقع بين الأطراف اليمنية منتصف ديسمبر/كانون الأول 2018) تتعلق بالوضعين العسكري والسياسي، كما أن الإقليم بات مرهقاً من حرب اليمن».
شروط الحوثيين
رغم التفاؤل الذي يبديه الإماراتيون ومسؤولو الأمم المتحدة فإن الأمر قد لايكون بالسهولة التي يتحدثون عنها.
إذ إن الحوثيين لا يريد دوراً في مستقبل اليمن فقط كما يقول قرقاش، ولكن يريدون مستقبل اليمن كله.
على الأغلب سوف يكون هدف الحوثيين إقامة دولة نظام حكمها يشبه لبنان والعراق، دولة فيها شراكة سياسية مع حلفاء الخليج والغرب، بينما القوة العسكرية الحقيقية بيدهم بحيث يكونون هم الحكام الفعليون الذين يضعون الخطوط الحمراء، بينما لا يتحملون مسؤولية إطعام بلاد اليمن التي أصبحت على شفا مجاعة.
يجيد إيران وحلفاؤها هذا الدور، وقد يكون هناك اختلاف في التفاصيل في اليمن.
فهل يقبل الإماراتيون والسعوديون بهذا المشروع الذين سيصبحون في الأغلب في حالة إقامته مجرد ممولين لليمن الذي يقوده الحوثيون؟
رغم أن الأمير محمد سلمان حاول التمرد على هذا النموذج عبر احتجازه لرئيس وزراء لبنان سعد الحريري ووقف الدور التاريخي للسعودية في مساعدة لبنان بعدما أصبح يرى أن أصبحت بلداً معادياً نتيجة سيطرة حزب الله عليه.
ولكن في اليمن قد يضطر لفعل العكس، فالحوثيون لديهم نقطة قوة مقارنة بحزب الله بإنهم يهددون أمن السعودية ذاتها، ففي لبنان يرهن حزب الله حلفاء السعودية، أما في اليمن فالحوثيون يرهنون أمن السعودية ذاتها الذين يهددونه بصواريخهم.
وبالتالي فأي تسوية لن تؤدي في الأغلب إلى شراكة، فالتسوية عقب الحروب لا تقوم على العدالة بل على نتائج المعارك على الأرض.
واليوم الحوثيون مسيطرون على أغلب اليمن الشمالي وصواريخهم تهدد السعودية والإمارات وتحالف دعم الشرعية مفكك بين حكومة شرعية ضعيفة تتواجد في جنوب يريد الحراك الجنوبي الانفصال به عن باقي البلاد.
وبالتالي فعلياً هناك ثلاثة أطراف في البلاد الحوثيون وأنصار الشرعية والانفصاليون الجنوبيون، الأمر الذي سيجعل موقف الحوثيين أقوى في أي تسوية.
وما يزيد الطين بلة بالنسبة للسعوديين والحكومة الشرعية، أن التجربة تشي في ملفي إيران واليمن على السواء بأن الإمارات شريك لا يعتمد عليه، وأن لهفتها للتخلص من المأزق حتى لو على حساب حلفائها ستقوي الموقف التفاوضي للحوثيين.