لماذا لم يسقط جدار برلين في العالم العربي؟
الشعوب العربية ما تزال تحاول تهشيم جدار قهرها وظلمها وقمعها وبالتأكيد ستتمكن من ذلك.
نشأت جدران جديدة من الخرسانة والأسلاك الشائكة، على حدود اليونان وهنغاريا ومقدونيا وتركيا أضعاف جدار برلين.
أنهى سقوط الجدار حربا باردة تتهدد البشرية بالفناء وحلف وارسو ومنظومة موسكو العسكرية والأنظمة الشيوعية بأوروبا.
* * *
احتفلت وسائل الإعلام في العالم، وخصوصا في أوروبا، أول أمس السبت، بذكرى مرور 30 عاما على سقوط جدار برلين، وناقشت الصحف في افتتاحياتها، وكذلك في التقارير المرفقة، أهمّية الحدث عالميّا.
لقد شكّل اندفاع آلاف الألمان في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1989 لتحطيم ما اعتبروه «جدار العار» الذي قسّم الأمة، وأدى إلى مقتل المئات ممن حاولوا اجتيازه، إعلاناً لنهاية العالم الذي تشكّل في نهاية الحرب العالمية الثانية.
فقد تبع ذلك سقوط تودور جيفكوف، الزعيم الشيوعي في بلغاريا، والثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا، والسقوط العنيف لدكتاتور رومانيو تشاوشسكو، وكان سقوط الاتحاد السوفييتي نفسه وتفككه بعد سنتين من ذلك الذروة الكبرى في ذلك الزلزال الكبير الذي أعاد تركيب الجغرافيا السياسية لأوروبا والعالم.
وأنهى، في حركة واحدة، الحرب الباردة التي كانت تتهدد البشرية بالفناء، وحلف وارسو، المنظومة العسكرية التابعة لموسكو، والأنظمة الشيوعية في أوروبا.
بطريقة تعكس الخوف من «الحليف» السابق في الكرملين، انضمّت كل دول حلف وارسو السابقة إلى حلف شمال الأطلسي، وقبل أغلبها (باستثناء صربيا وألبانيا) في الاتحاد الأوروبي، وشهد معظم هذه الدول، خلال المرحلة الأولى لطلاقها مع «المعسكر الاشتراكي»، فترة ازدهار اقتصادي كبير.
لكنّ «الفوات» الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بين شرق وغرب أوروبا ظل فاعلا، وتحوّل مع انبعاث مظاهر الفاشيّة الجديدة إلى ردّة سياسية وقانونية في هنغاريا وبولندا، ووجدت القوميّة المتطرفة الممزوجة بالمحافظة الاجتماعية والدينية حلفاء لها داخل أوروبا الغربية.
فشهدنا صعود «الرابطة» الإيطالية، و«البديل» الألماني، و«الجبهة الوطنية» الفرنسية، و«البركسيت» البريطانية، حلفاً جديدا يعيد كوابيس العنصريّة والتطرّف اليميني التي ظن العالم أنه دفنها بإسقاط الجدار.
ونشأت جدران جديدة، من الكونكريت والأسلاك الشائكة، على حدود اليونان وهنغاريا ومقدونيا وتركيا، أطول بكثير من جدار برلين.
أيّا كانت النتائج اللاحقة، فمن شبه المؤكد أن صفحة الأنظمة الدكتاتورية في أوروبا قد طويت إلى غير رجعة، ورغم التحديات الكبيرة التي يمثّلها صعود اليمين المتطرّف، فإن الخيارات فيها ليست بين الدكتاتورية والديمقراطية فالمعركة الكبرى في هذا المجال قد حسمت هنا.
كان تقسيم ألمانيا ونشوء المنظومة الشيوعية نتيجة لنهاية الحرب العالمية الثانية، وكانت حصّة العالم العربيّ منها نكبة الفلسطينيين التي مثّلها قرار الأمم المتحدة الاعتراف بإسرائيل، وشارك في الموافقة عليه قطبا الحرب الباردة: أمريكا والاتحاد السوفييتي (الذي كان الأول والأكثر حماسا للاعتراف).
لم تقم المنظومة العربية (+ إسرائيل) بصدّ آثار الموجة الديمقراطية التي نتجت فحسب، بل أدخلت الشعوب العربية في نفق مسدود، فاحتل العراق الكويت بعد عام من سقوط الجدار وبدأت مرحلة تهشم هائلة في المنطقة، ونجحت أول محاولة توريث رئيس عربي الحكم لابنه باستلام بشار الأسد السلطة عام 2000.
وحاول كل من حسني مبارك، في مصر، وعلي صالح، في اليمن، ومعمر القذافي، الأمر نفسه، بالتناظر مع استمرار الدكتاتورية السياسية ونهب الثروة العامة وقمع الحريات على أشكالها إلى أن انفجر الوضع العربيّ بأكمله عام 2011.
فأطاح بالقذافي وصالح ومبارك وزين العابدين بن علي وعبد العزيز بوتفليقة وعمر البشير، لكن محاولات الأنظمة لمنع التغيير، الذي طال أجله، ما زالت مستمرة.
الشعوب العربية، بهذا المعنى، ما تزال تحاول تهشيم جدار قهرها وظلمها وقمعها وهي بالتأكيد ستتمكن من ذلك.