ترجمة: أبوبكر الفقيه- يمن شباب
سلط معهد أمريكي الضوء على "اتفاق الرياض" بين الحكومة الشرعية والانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، حيث اعتبر الاتفاق فرصة جيدة لخفض التصعيد بين طرفي الصراع اللذان تدعمهما قوات التحالف لمواجهة الحوثيين الذين تدعمهم إيران.
وقال معهد «Middle East Institute» الأمريكي – في تحليل له ترجمة "يمن شباب نت"- يعتبر الطرفان الاتفاق نصراً لهما، إذ وصفه مدير مكتب الرئاسة اليمنية عبد الله العليمي، بأنه "صيغة وطنية احتوت أزمة التمرد"، في حين وصفه نائب رئيس الانتقالي هاني بن بريك بأنه "بوابة الخلاص"، مما يمكن من إعادة التركيز على تهديد الحوثيين.
وذكر التحليل "أن كلا الجانبين لديه نقاط صالحة. فبينما يمكّن الاتفاق الحكومة من استئناف عملياتها من مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة، عدن، الا أنه يقر أيضًا بشرعية الانتقالي كلاعب في الشؤون اليمنية، بما في ذلك الجنوب".
وعن المعوقات قال التحليل "يبدو أن الترتيبات العسكرية والأمنية المحددة في الاتفاق طموحة للغاية بحيث لا يمكن تحقيقها في غضون 90 يومًا، حيث تولي مسؤولية كبيرة على عاتق الرياض".
نص ترجمة التحليل
بعد أكثر من شهرين من المحادثات غير المباشرة بوساطة سعودية بين حكومة الجمهورية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، توصل الطرفان أخيرًا إلى اتفاق في 5 نوفمبر. يهدف الجهد السعودي، الذي توج بتوقيع اتفاق الرياض، إلى حل النزاع داخل الجبهة المدعومة من التحالف وتوحيد الطرفين في الحرب ضد ميليشيات الحوثيين التي تدعمها إيران.
يتضمن الاتفاق، الذي يشمل الترتيبات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وإعادة هيكلة الفروع التنفيذية والعسكرية والأمنية للحكومة اليمنية، ونزع سلاح القوات الموالية للانتقالي جزئياً، ونزع سلاح عدن - وكل ذلك سيتم على مراحل على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة.
لكن حتى في الوقت الذي يوفر فيه الاتفاق فرصة للتراجع عن التصعيد على المدى القصير، يبقى من المحتمل أن يواجه عقبات كبيرة خلال الإطار الزمني للتنفيذ أي مدة 90 يومًا، حيث أن مقدرته على حل كل الأسباب الكامنة وراء المواجهة، بما في ذلك قضية الانفصال مسألة مشكوكاً فيها.
فك شفرات الاشارات
كان حفل التوقيع الرسمي في قصر اليمامة بالرياض غنيًا بالرمزية التي تشير إلى أن الممثلين المحليين سيجدون صعوبة في المضي قدمًا بمشاركة إقليمية أقل. أولاً، من الواضح أن السعوديين هم الآن من يتولى القيادة، كما يوضح دور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الحفل.
على الرغم من أن الرياض زادت من نفوذها وقوتها التفاوضية ومسؤوليتها تجاه الطرفين، إلا أن الاتفاق سيكون اختبارًا صعبًا لنائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، الذي يمسك بملف اليمن.
ثانياً، بدعوة ولي عهد الإمارات العربية المتحدة الأمير محمد بن زايد إلى الحفل، والذي اعتبرته الحكومة اليمنية عدوًا أكثر من كونه شريك وذلك "لرعايته" "التمرد المسلح" و "الميليشيات الموازية للدولة " الخاصة بـ "الانتقالي الجنوبي"، أشارت الرياض إلى أنه برغم أهمية توحيد جبهة التحالف، تظل شراكتها الإستراتيجية مع أبو ظبي تحتل أهمية أكبر بكثير من علاقاتها مع الرئيس عبد ربه منصور هادي.
غير أن ما إذا كانت هذه المشاركة ستمهد الطريق للتقارب اليمني الإماراتي لاتزال لم تتضح بعد.
الرسالة الثالثة محلية مفادها أن عدم توقيع الرئيس هادي أو رئيس الوزراء معين عبد الملك سعيد على الاتفاق، يوحي بالكثير حول أهمية الانتقالي الجنوبي. إذ أنه وبدلاً من ذلك، كان نائب رئيس الوزراء سالم الخنبشي، من محافظة حضرموت الشرقية، هو الذي وقّع الاتفاق نيابة عن الحكومة، مما يسلط الضوء على تطلعين متنافسين في الجنوب: وهما الفيدرالية والانفصالية.
انتصار متبادل متصور، ولكن بحثًا عن ايقونة جنوبية
على السطح، يعتبر الطرفان الاتفاق نصرًا. إذ وصفه مدير مكتب الرئاسة اليمنية عبد الله العليمي، بأنه "صيغة وطنية احتوت أزمة التمرد"، في حين وصفها نائب رئيس الانتقالي هاني بن بريك بأنه "بوابة الخلاص"، مما يمكن من إعادة التركيز على تهديد الحوثيين.
كلا الجانبين لديه نقاط صالحة. فبينما يمكّن الاتفاق الحكومة من استئناف عملياتها من مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة، عدن، الا أنه يقر أيضًا بشرعية الانتقالي كلاعب في الشؤون اليمنية، بما في ذلك الجنوب.
على الرغم من انتصاره السياسي، لم يخرج الانتقالي الجنوبي من التصعيد العسكري الأخير أو من اتفاق الرياض باعتباره ايقونةً للشؤون الجنوبية، كما أنه لا يعتبر الحامل القياسي للقضية الانفصالية.
فمن خلال إشراك الحراك الجنوبي ومؤتمر حضرموت والكيانات الجنوبية الأخرى ذات الصلة في حكومة تقاسم السلطة بالمناصفة، تمكن الرئيس هادي مجدداً من الاستجابة لمطالبة الانتقالي بتمثيل الجنوب، ونزَع فتيل المعضلة الجنوبية على المدى القصير، وضمن احتواء خطورة الانتقالي إلى حد ما.
في جوهره، يعد هذا العمل المتوازن بمثابة استراتيجية لتقليل المخاطر إلى الحد الأدنى، والتي تعيد مرة أخرى الى الاذهان السؤال المستمر منذ ثلاثة عقود حول الانفصال: وهو هل يمكن للجهات الفاعلة الجنوبية أن تتوحد خلف قيادة واحدة...؟
إعادة هيكلة الحكومة
اتفاق تقاسم السلطة بين الجنوب والشمال ليس بحد ذاته شيئًا جديدًا. ففي عام 2014، تناول مؤتمر الحوار الوطني المظالم الجنوبية من خلال وضع آلية لتقاسم السلطة مناصفة، لكن ما يعنيه هذا الاتفاق الآن هو انخفاض عدد المعينين من الجنوب في الحكومة من حوالي 70 بالمائة إلى 50 بالمائة في غضون 30 يومًا، وهي خطوة في صالح الشماليين.
لذلك، فإن الهدف الاستراتيجي من اشتباكات أغسطس المسلحة، وبالتالي اتفاقي الرياض، ليس تقاسم السلطة التنفيذية بل إعادة هيكلة الحكومة اليمنية وإضفاء الشرعية على الانتقـالي كلاعب رسمي في الشؤون اليمنية في أعقاب الانسحاب العسكري الإماراتي.
بتضمين المجلس الانتقالي الجنوبي وخفض عدد وزراء الحكومة بما يقرب من الثلث إلى 24 كحد أقصى، سيتقلص نفوذ الإصلاح جزئياً ومن المتوقع أن يتحسن أداء الحكـومة.ولإحداث تغييرات أعمق وإعادة تشكيل التوزيع المحلي للسلطة، سيتم تعيين المحافظين الجدد وقادة الأمن في عدن وأبين والضالع في غضون 30 يومًا، تليها المحافظات الجنوبية الأخرى بعد شهر. من وجهة نظر دولة الإمارات العربية المتحدة، يحول الاتفاق المجلس الانتقالي والفروع التابعة له من "الميليشيات التي تدعمها الإمارات" إلى جهة فاعلة في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية -بحيث تضفي طابعًا رسميًا على يد أبو ظبي داخل حكومة اليمن.
وبالعودة لاتفاق تقاسم السلطة لعام 2011 بين الأحزاب السياسية اليمنية والذي أدى فيما بعد إلى عدم فعالية البيروقراطية والتنافس داخل الحكومة عبر انتقال سياسي سلمي نسبيًا، فإن احتمال تشكيل حكومة فاعلة وموحدة يظل ضعيفًا ما لم يتم معالجة حالة عدم الثقة الحالية بين الأطراف المحلية والإقليمية، وهو أمر غير مرجح أن يحدث.
التحديات العسكرية والأمنية
يبدو أن الترتيبات العسكرية والأمنية المحددة في الاتفاق طموحة للغاية بحيث لا يمكن تحقيقها في غضون 90 يومًا، وتولي مسؤولية كبيرة على عاتق الرياض.
ومن المثير للاهتمام، أن بنود الاتفاق تنقل سلطة أكبر من يد الحكومة إلى راعي الاتفاق، المملكة العربية السعودية، وبالتالي، الى يد التحالف، الذي بموجبه تواصل الإمارات حملتها لمكافحة الإرهاب.
من خلال جمع وتخزين ومركزية استخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة من أيدي الجماعات المسلحة التابعة للانتقالي الجنوبي في عدن وعدم السماح للحكومة بممارسة سيطرة مشروعة على النحو المبين في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، فإن التحالف يعزز الديناميكية الحالية من التبعية بدلا من الشراكة ويقلل من الحكم الذاتي المحدود بالفعل للحكومة اليمنية.
بالنظر إلى أنه من دون تلك الأسلحة المتوسطة والثقيلة لم يكن الانتقالي قد استحوذ على عدن وحقق أهدافها السياسية الحالية، فمن غير المرجح أن تقوم الفروع المسلحة التابعة له بنزع سلاحها بالكامل لأن من المرجح أن يسعى الانتقالي إلى الحفاظ على القدرات العسكرية المستقلة.
فالخداع والاستسلام الرمزي، خاصة إذا تستر التحالف على الحقائق لادعاء النجاح، يمثلان احتمالًا - وله سابقة. ففي 17 أغسطس، أشارت قيادة قوات التحالف العربية المشتركة إلى أن القوات التابعة للانتقالي "بدأت في الانسحاب والعودة إلى المواقع السابقة"، وهو أمر لم يحدث ودحضه بن بريك.
من المرجح أن يكون دمج القوات المدعومة من دولة الإمارات العربية المتحدة والموالية للانتقالي تحت وزارتي الدفاع والداخلية " مسألة مرهقًة " لعدة أسباب. أولاً، يمثل الاندماج الظاهري في القوات اليمنية مكسبًا ماليًا للفروع التابعة للانتقالي لأنه يمنحهم رواتب بينما يشترط احتمالات إعادة التصعيد على قدرة الحكومة على دفع الرواتب بانتظام.
إن الحالة الراهنة للاقتصاد اليمني المتداعي وقدرته المحدودة على توليد الإيرادات تعني أن الاندماج قد يكون عبئاً اقتصادياً كبيراً إذا ما فشلت الدولة في زيادة صادرات النفط إلى أقصى حد وتوجيه عائداتها من المناطق المحررة إلى البنك المركزي اليمني في عدن، بما في ذلك من فرعها في مأرب.
ومع ذلك، يمثل هذا أيضًا فرصة لدولة الإمارات العربية المتحدة لإظهار حسن النية، وإعادة بناء صورتها كشريك، وتمهيد الطريق للتقارب. فبالنظر إلى أن أبو ظبي مولت الانتقالي وحلفائه، قد تفضل تخفيض العبء الاقتصادي لليمن من خلال توجيه هذه المخصصات إلى البنك المركزي اليمني في عدن لدفع رواتب القوات المدمجة حديثًا.
ثانياً، يعتمد النجاح الكامل للتكامل على ثلاثة معايير: إلى أي مدى تتحقق الرياض من تأثير أبو ظبي، راعي الانتقالي؛ وهل ستواصل الإمارات تمويل الانتقالي الجنوبي؟ وكيف سيتم دمج الالوية العسكرية والأمنية.
إذا ما انخرط الأمير خالد بن سلمان مع قيادة الانتقالي لتقليص رعاية أبوظبي لهم وضمان إعادة توجيه الدعم المالي والعسكري الاماراتي من الانتقالي وتحويله إلى حكومة الجمهورية اليمنية، فستكون فرص تبلور الاندماج مرتفعة.
طريقة التكامل ستكون حاسمة رغم ذلك. بحيث إذا تم دمج القوات الموالية للانتقالي ضمن الأفواج العسكرية والأمنية الوطنية في اليمن كوحدات وليس كأفراد، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة تصعيد مماثلة لتلك التي جرت في عام 1994، عندما اندلعت حرب أهلية بين القوات الشمالية والجنوبية.
تفاصيل كيفية سير عملية الاندماج غير واضحة، وفي النهاية سيكون ذلك وفقًا لتقدير السعوديين، في حالة وجود نزاع. مسألة ما إذا كان الاعتقاد بأن اتفاق الرياض يمثل نصراً للجانبين سيظل قائما، يبقى سؤالًا للمستقبل. قد تختبر قضية عدن إرادة السعوديين وبناء الثقة داخل اليمن خلال الأسابيع القليلة الأولى.
التالي هو الحوثيين
من خلال إبرام اتفاق الرياض بعد مرور عام تقريبًا على اتفاق استكهولم، عمدت حكومة الجمهورية اليمنية إلى تطبيع ما كانت تعتبره ذات يوم انقلابًا.. وذلك لتعزيز موقعها في المحافظات الجنوبية وعلاج الشراكات المكسورة قبل محادثات سلام مستقبلية على مستوى البلاد مع الحوثيين. ومع عودة رئيس الوزراء إلى عدن بحلول 13 نوفمبر، فإن فكرة أن صنعاء هي التالية غير محتملة على الجبهة العسكرية، باستثناء اندلاع ثورة شعبية في المحافظات الشمالية مثل ثورة الستينيات.
[إقرا ايضا.. تقرير أمريكي: اتفاق الرياض "خطوة صغيرة" نحو السلام ومن المحتمل أن يسعى الحوثيون لتقويضه]
بالنسبة للحوثيين، يضع هذا الاتفاق الأساس للتوقعات. فإذا تمكن الانتقالي من تحقيق ذلك كثيرًا عن طريق الاستيلاء على عدن، فإن مطالب الحوثيين ستجبر الحكومة على تقديم تنازلات ضخمة تتجاوز بكثير قرار مجلس الأمن 2216.
وعلى الرغم من كل العقبات، فإن اتفاق الرياض يفتح نافذة فرصة لاتفاق سلام على مستوى البلاد، خاصة وأن السعوديين يعيدون تنشيط محادثاتهم الغير مباشرة مع الحوثيين، فيما يزيد المجتمع الدولي من دعمه لمبعوث الأمم المتحدة الخاص لإنهاء الحرب، كما لم يحقق أي من الحكومة أو الحوثيين نصرًا عسكريًا مباشرًا.