اتفاق الرياض الأخير هو محاولة من السعوديين والإماراتيين لتحديد مناطق نفوذهما المستقبلية في اليمن.
لم يعد الوضع في البلاد شأناً يتعلق باليمنيين فقد تحوّل إلى نزاع بالوكالة بين القوى الإقليمية.
بموجب الاتفاق ستحافظ السعودية والإمارات على هامش تحرك يتيح لهما التدخل في شؤون اليمن الداخلية.
الاتفاق يُضفي شرعية على الوجود العسكري السعودي-الإماراتي بمناطق يمنية كمحافظة المهرة الخاضعة للسيطرة السعودية.
مواجهات عدن في أغسطس بين الانفصاليين الجنوبيين وحكومة هادي بدت رسما لخريطة السيطرة جنوبا لتمهيد طريق اتفاق الرياض.
* * *
بقلم | أحمد ناجي
مؤخرًا وقّعت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي في اليمن والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو حركة انفصالية، اتفاقاً في العاصمة السعودية الرياض قد يتيح حلولاً لنزع فتيل التشنجات العسكرية في المحافظات الواقعة جنوب اليمن.
ولكنه في الواقع مجرد اتفاق لتقاسم السلطة بين السعودية والإمارات العربية المتحدة من خلال الأطراف التي تتصرف بالوكالة عن كلٍّ من البلدَين. وفي الوقت نفسه، فإن طابعه المبهم يعني أنه يحمل بزور مزيد من الانقسامات بين الأفرقاء اليمنيين، وقد يُشرّع الأبواب أمام نزاعات جديدة.
ليس الاتفاق فقط ثمرة عمليةٍ تفاوضية استمرت شهراً بين الأفرقاء اليمنيين، بل إنه جزءٌ من تفاهم أوسع نطاقاً بين الرياض وأبو ظبي. إنه نتيجة الجهود التي تولاّها نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان الذي أصبح، منذ آذار/مارس الماضي، المسؤول السعودي المكلّف متابعة الملف اليمني.
حتى المواجهة الكبيرة في عدن في آب/أغسطس الماضي بين الانفصاليين الجنوبيين وحكومة هادي بدت وكأن الهدف منها هو إعادة رسم خريطة السيطرة في الجنوب لتمهيد الطريق أمام التوصل إلى اتفاق الرياض.
ولعل ذلك يُفسّر خطة إعادة الانتشار التي نفّذتها الإمارات في الجنوب في ذلك الوقت، والتي اعتمد فيها مايُسمّى بـ"استراتيجية السلام أولاً".
وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على اندلاع النزاع، باتت السعودية والإمارات أكثر اقتناعاً من أي وقت مضى بضرورة انتهاء الحرب اليمنية الباهظة الثمن، ولاسيما على ضوء الانتقادات الدولية المتزايدة لما تسبّب به التحالف العربي من سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف المدنيين، وعلى إثر الهجمات التي شنّها تنظيم أنصار الله المعروف بالحوثيين ضد أهدافٍ سعودية.
وقد دفع ذلك بالدولتَين الشريكتَين في التحالف العربي إلى البحث عن مقاربة جديدة لتنظيم الأمور بين الفصائل المنضوية إلى جانبهما، بما يؤدّي إلى إنشاء مناطق نفوذ منفصلة تابعة لكل من البلدَين.
بموجب اتفاق الرياض، يكون المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات جزءاً من الحكومة الشرعية، في حين تُدمَج قواته المسلّحة في القوات التابعة لوزارتَي الدفاع والداخلية في اليمن. ومن خلال مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي، يتيح الاتفاق للإمارات أن يكون لها رأيٌ داخل الحكومة الجديدة في عدن.
أما السعوديون فسوف يتولّون الإشراف على تنفيذ الاتفاق، سياسياً وميدانياً على السواء. وفي هذا السياق، سوف تسحب الإمارات جنودها من عدن وتُسلّم السيطرة إلى السعودية. فضلاً عن ذلك، سوف يتحمّل السعوديون مسؤولية تفسير مواد الاتفاق في حال وقوع سوء فهم.
يتضمن الاتفاق مرفقات تُغطّي الترتيبات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية. وعلى هذا الأساس، تتمحور جميع الخطوات في الاتفاق حول تقسيم السلطات بين الفريقَين، أي السعودية والإمارات. لكن تمثيل جنوب اليمن وشماله الوارد في الاتفاق يُشكّل إحدى نقاطه الإشكالية.
والسبب هو أن معظم القوى السياسية في اليمن التي تدّعي تمثيل مناطق جغرافية واسعة تفعل ذلك لمجرد أنها تمتلك وسائل التعبئة وتحظى بالدعم من القوى الإقليمية. فجميع هذه القوى لم تُنتخَب بطريقة ديمقراطية لتمثيل الشعب أو المناطق التي تدّعي تمثيلها.
وهذا ينطبق على الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي والفصائل في حكومة هادي، بما في ذلك حزب الإصلاح. في الواقع، يحصر الاتفاق تطلعات اليمنيين بأحزاب لاتحظى بالضرورة بدعم شعبي واسع في المناطق الخاضعة إلى سيطرتها.
والخطأ الآخر في الاتفاق هو عدم اعتماده مقاربة شاملة، شأنه في ذلك شأن جميع الاتفاقات التي وُقِّعت في أعقاب اندلاع الانتفاضة ضد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في العام 2011. فاتفاق الرياض يتجاهل فصائل عدّة، منها الفصائل الجنوبية غير المنضوية إلى جانب المجلس الانتقالي الجنوبي.
ونمط الإقصاء هذا كان واضحاً أيضاً في مبادرة مجلس التعاون الخليجي في تشرين الأول/أكتوبر 2011 واتفاق السلم والشراكة في أيلول/سبتمبر 2014، واتفاق ستوكهولم في كانون الأول/ديسمبر 2018، وهذه المقاربة يكون مصيرها عادةً الإخفاق ثم اندلاع حرب.
فضلاً عن ذلك، من شأن الاتفاق أن يولّد، من خلال تجاهله بعض الأفرقاء، انقسامات لاتنتهي بين الأطراف التي شاركت فيه.
على الجبهة السياسية، يتعلق الاتفاق بالنخب السياسية الراهنة التي حصلت على إذنٍ لإدارة شؤون البلاد لفترة زمنية غير معلومة. بيد أن هذه النخب فقدت شرعيتها لأن عدداً كبيراً من أفرادها لايزال في منصبه بعد انقضاء ولايته.
والحال أن معظم اليمنيين يعتبرون، خلال الأعوام الخمسة الأخيرة منذ بدء النزاع، أنهم غير ممثَّلين من المجموعات السياسية في السلطة. فعدد كبير من النشطاء السياسيين والمدنيين يُبدي نفوراً متزايداً من الخوض في مضمار السياسة، نظراً إلى عدم اقتناعه بمنافع مثل هذا الانخراط. وهذا قد يؤدّي إلى احتجاج شعبي حاشد.
ومن شوائب الاتفاق أيضاً أنه يُبقي اليمن تحت وصاية القوى الإقليمية، كونه يُجرّد الدولة تماماً من السيادة. تُسلّط مقالات عدّة الضوء على الإشراف السعودي على الحكومة الجديدة التي ستبصر النور نتيجةً لاتفاق الرياض.
هذا فضلاً عن أن الاتفاق يُضفي شرعية على الوجود العسكري السعودي-الإماراتي في مناطق يمنية، ومنها محافظة المهرة الواقعة في أقصى الشرق والخاضعة إلى السيطرة السعودية.
وهذا يعني أن السعودية والإمارات سوف تحافظان على هامش التحرك الذي يتيح لهما التدخل في الشؤون اليمنية الداخلية.
في حين كانت الأنظار موجّهة إلى اتفاق الرياض، كان ممثّلو الحوثيين في السعودية وسلطنة عُمان يتفاوضون على اتفاق سلام مع السعوديين من دون مشاركة حكومة هادي. ومن شأن هذا الاتفاق أن يمنح الحوثيين اعترافاً بهم في موقع السلطة السياسية الأساسية في الشمال، مقابل توقّفهم عن شن هجمات على السعودية.
ولكن اتفاق الرياض لايأتي مطلقاً على ذكر تلك المفاوضات، باستثناء الإشارة إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي سيكون ممثَّلاً في محادثات السلام المقبلة بين التحالف الجديد المؤلَّف من هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي من جهة، والحوثيين من جهة أخرى.
بعد مرور خمس سنوات على اندلاع الحرب في اليمن، لم يعد الوضع في البلاد شأناً يتعلق باليمنيين فقط. فقد تحوّل إلى نزاع بالوكالة بين القوى الإقليمية.
وما يمكن استخلاصه من اتفاق الرياض هو أنه عندما عجز التحالف العربي عن إلغاء مفاعيل الانقلاب العسكري الحوثي في الشمال، لجأت السعودية والإمارات إلى خطة بديلة عبر التسبب بأزمة سياسية وعسكرية في جنوب اليمن.
وقد أتاح ذلك للدولتَين أن تتحوّلا إلى جهتَين راعيتين للسلام بين وكلائهما، فاحتفظتا بتأثيرهما من خلال الفصائل المنضوية إلى جانبهما على الأرض.
* أحمد ناجي باحث غير مقيم بمركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت
المصدر | مركز كارنيغي للشرق الأوسط