مرّت أربع سنوات منذ بدأت الإمارات العربية المتحدة وجودها في أرخبيل سقطرى فكيف كانت البداية، وما الذي فعلته خلال السنوات الأربع بالأرخبيل؟!
في نوفمبر/تشرين الثاني2015 تعرض الأرخبيل السقطري إلى اعصارين مدمرين "تشابلا" و"ميغ" وما تزال أثارهما إلى اليوم، على الأرض وفي أذهان السقطريين، لقد قُتل وأصيب عشرات السقطرين كما تعرضت عشرات المنازل للهدم والغرق، وقوارب الصيّد للتحطم.
في ذلك الوقت لم تصل الحرب مع ميليشيا الحوثيين إلى الأرخبيل لكن الطبيعة قامت بعملها. لذلك بينما تعيش اليمن حالة حرب، دعت الحكومة وسكان الجزيرة إلى إغاثة السكان والمحتاجين، تداعت عدة دول مثل سلطنة عُمان والسعودية والإمارات والكويت وقطر إلى جانب باقي المحافظات اليمنية ومنظمة الأمم المتحدة لإرسال المعونات والأدوية إلى الأرخبيل، وبينما غادرت تلك السفن والطائرات ظلت أبوظبي داخل الجزيرة رافضة المغادرة واستمرت في استخدام مساعدة السكان كغطاء لـ"احتلال الجزيرة".
الوجود العسكري
بغطاء أوضاع الجزيرة والكارثة الطبيعية وأوضاع الناس الفقراء، ظلت أبوظبي في الجزيرة، وبحلول العام التالي (2016) كانت الإمارات قد شرعت ببناء قاعدة عسكرية متقدمة ودائمة، وزادت عدد الطائرات العسكرية التي تحمل الجنود والمدرعات وتنقلهم إلى الجزيرة؛ وحتى اليوم ترفض المغادرة!
وساهمت حكومة رئيس الوزراء الأسبق خالد بحاح في الوجود الإماراتي، وبقاءه في الجزيرة دون رادع أو اعتبارات للسيادة، وأهمية الجزيرة بموقعها الاستراتيجي عسكرياً وسياسياً وتأثيرها على خطوط الملاحة التجارية في بحر العرب وقرب مضيق باب المندب. كما لم تضع اعتباراً لبيئة الجزيرة إذ تعتبرواحدة من أهم الجزر التي لا نظير لها على مستوى العالم، وقد صنفتها منظمة اليونسكو عام 2008 ضمن قائمة التراث العالمي الطبيعي، فالجزيرة تتميز بتنوع بيولوجي مدهش، وبها أكثر من 700 نوع من النباتات والطيور والحيوانات التي لا توجد في أي منطقة بالعالم، أهمها على الإطلاق، شجرة دم الأخوين. وكيف يمكن لهذه البيئة الثمينة على الكوكب أن يتم بناء قاعدة عسكرية فيها لتجريف تنوعها!
وعند سؤال الإماراتيين عن سبب وجود قاعدة عسكرية تبعد عن أقرب نقطة اشتباك عسكرية أكثر من ألف كم، لا يستطيعون الرد ويقدمون مبررات غبية عن "التهريب، ومحاولات السيطرة عليها"! كما أنهم رفضوا أن يمر الدعم عبر الحكومة اليمنية والسلطة المحلية في الجزيرة، وأرادوا عسكرة الجزيرة رغماً عن السكان وبساطتهم ومخاوفهم من تحول الجزيرة إلى بؤرة حرب.
ذهبت الإمارات إلى أبعد من قاعدتها العسكرية في الجزيرة بل أصبحت تفاوض باسم الجزيرة وفي ابريل/نيسان 2017 كانت تسريبات تحدثت عن اتفاق بين ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد والرئيس الروسي حول منح قاعدة عسكرية لروسيا في سقطرى تحديداً، بعد أن فشلت موسكو في الحصول على قاعدة في القرن الإفريقي لرفض دولها وجود قوة روسية في ظل وجود قواعد عسكرية لباقي دول العالم- حسب ما أفاد في ذلك الوقت مركز ذا اتلانتك كاونسل للدراسات.
غطاء الإغاثة
وعندما رفضت أبوظبي مغادرة الجزيرة بعد "تشابلا" و"ميغ" تأكد السكان أنهم على موعد مع محاولة "استعمارية" حيث أصبح نشاط الهلال الأحمر الإماراتي وجمعية خليفة الإنسانية إلى نشاط مخابراتي بجمع معلومات عن القبائل وشيوخها، والفقراء ومناطقهم تواجدهم، وبدأت في تقديم خدمات مثل الكهرباء بأسعار مضاعفة تثقل كاهل المواطنين، ثم تقوم بإعفاء بعض من يقومون بمعاونتهم على البقاء. إضافة إلى خدمة الاتصالات في معظم أنحاء الجزيرة حيث أصبحت إماراتية.
بدأت الإمارات في تسيير الرحلات من وإلى الجزيرة دون تأشيرة أو مرور عبر السلطات المحلية، فزادت من تحكمها وسيطرتها. وعمل المندوب الإماراتي -أو ما يصفه السكان ب"الحاكم العسكري"- بحماس من أجل استقطاب عشرات الشخصيات الاجتماعية في أنحاء الجريرة، وقد سهل المال واعتماد مرتبات للشخصيات الموالية من مهمته، ومنح دخول مطلق للسقطريين من أجل العلاج أو الدراسة دون تأشيرة إلى الإمارات.
ومن متارس وخنادق العمل الإغاثي أصبحت أبوظبي صاحبة النفوذ، وتحولت الجزيرة اليمنية إلى إمارة ثامنة تديرها أبوظبي، وأصبح ضابط المخابرات الإماراتي العقيد خلفان المزروعي هو صاحب الكلمة الأخيرة في الجزيرة. وبنى له قصراً في الجزيرة، واستعان بالهنود والبنغال من أجل خدمته وتدمير المحميات والمستوطنات البيئية ونقل تراث الجزيرة وأشجارها وحتى طيورها إلى أبوظبي.
وإلى جانب شراء ولاء الشخصيات الاجتماعية، استخدم المزروعي المال لشراء الأراضي من السكان بأي ثمن مطروح. وكان بعض السكان طمعاً في المال والخروج من دائرة الفقر يقوم ببيع أراضي في الجزيرة. وقام المزروعي بشراء أراضٍ في محمية "دكسم" وتسويرها وفرض حراسة مشددة عليها كما فتح مصنعا للأسماك بلا تنسيق مع الحكومة الشرعية، وهو ما يعد خرقًا للقانون اليمني الذي يمنع بيع أراضي المحمية، فضلًا عن الأعراف المحلية التي تقيد السكان من بيع أراضيهم لغير أبناء الجزيرة.
صحوة الحكومة المتأخرة
عدم وضوح الحكومة والسلطات المحلية السابقة -التي اشترت الإمارات بعض رجالها- وانعدام الشفافية أثار مخاوف في جميع أنحاء سقطرى تجاه خطط الإمارات فيها خاصة في ظل غياب الإعلام داخلها، وعدم قدرة الصحفيين على دخولها.
بعد 2017 كانت الحكومة الجديدة التي يقودها أحمد عبيد بن دغر (تم إقالته لاحقاً) قد بدأت بمواجهة النفوذ الإماراتي في الجزيرة، والحديث مع السعوديين- حسب ما يفيد مصدر حكومي. حيث قررت الحكومة حظر بيع وحجز الأراضي الساحلية على طول سواحل الأرخبيل. بعد أن قام المطورون العقاريون التابعون للإمارات ببناء الأسس لفنادق ومنازل في الجزيرة، ويقوم مقاولون بالتعدي على المحمية الطبيعية في الجزيرة وتدمير البيئة الطبيعية لبناء فنادق وسط تلك المحمية الوطنية. في منحى لاستبدال الطبيعة الساحرة للجزيرة بكُتل الاسمنت ما قد يخرجها من قائمة التراث العالمي، إذ أن التوقعات في حال استمرار البناء بتدمير الجزيرة خلال 10 سنوات-حسب ما أفاد موقع (Verdict) البريطاني عام 2018م.
لكن ما فجر قضية الوجود الإماراتي في الجزيرة كان وصول قوات إماراتية إليها في مايو/أيار2018، تزامنا مع زيارة يؤديها بن دغر للجزيرة. رفض "بن دغر" مغادرة الجزيرة حتى إخراج القوات الإماراتية، وبعثت الحكومة برسالة إلى مجلس الأمن الدولي تطالبه بالتحرك ضد أبوظبي وأكد أن المشكلة مع الإماراتيين تتعلق بسيادة اليمن على جزء من أراضيها وترابها.
جُنّ جنون الإماراتيين بسبب الموقف الحكومي الذي لم يتوقعوه، وتحدثت ابتسام الكُتبي القريبة من المخابرات الإماراتية لتلفزيون بي بي سي في ذلك الوقت متسائلة: ما الذي جاء بالحكومة اليمنية إلى سقطرى! وكأن الجزيرة إماراتية والحكومة اليمنية اعتدت على سيادة أبوظبي.
تدخلت السعودية بوساطة، تضمن مغادرة القوات والآليات الإماراتية الجديدة، وإرسال قوات إلى الجزيرة وبناء قاعدة عسكرية موازية قُرب مطار الجزيرة الدولي، ويعتقد السكان أن الرياض تريد موطئ قدم مماثل للإمارات في الجزيرة ما يزيد المخاوف من احتقان متزايد وسط موجة من الاستقطاب التي قد تؤدي إلى احتراب على الجزيرة.
في ابريل/ نيسان 2018 تم تعيين رمزي محروس محافظاً للأرخبيل، وظهر نشيطاً واعياً لمخططات أبوظبي في الجزيرة، وبدأ تقليم أظافرها بعزل الموالين لها من مناصب حكومية، ما أثار حفيظة الإمارات وغضبها ضده وضد الحكومة الشرعية.
محاولات الانقلاب
وحاولت أبوظبي الانقلاب أكثر من مرة على السلطة المحلية، وعرقلة جهودها في إدارة المحافظة، وتصاعد التوتر منذ مطلع عام 2019م.
وكان أخر محاولتين في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، حيث تمرد مدير الأمن التابع للإمارات علي الرجدهي على قرار إقالته، ولم تُحل إلا بتدخل سعودي وتهديد المحافظ محروس بتدخل الجيش في الجزيرة ضد التمرد حيث استعان "الرجدهي" بميليشيا الحزام الأمني، فتم إنهاء هذا الانقلاب بتراجع الرجدهي بالقوة.
وأعقبه قيام المحافظ بإصدار قرار يمنع فيه دخول أي جنسيات أخرى إلى الجزيرة دون الحصول على تأشيره دخول من السلطة المحلية، وحاولت أبوظبي تجاوز القرار لكن السلطة المحلية تصدت بقوة وأجبرت الطائرة الإماراتية على المغادرة. كما ألزمت السلطات المحلية السفن الإماراتية بالتفتيش عبر قوات الأمن في ميناء الجزيرة.
وفشلت محاولة إماراتية لإسقاط السلطة المحلية في الجزيرة بعد اعتصام دام أياماً أمام مبنى المحافظة، وتحت الضغط انسحبت عناصر المجلس الانتقالي الجنوبي بخيامهم من أمام المبنى.
ولمنع مغادرة وفود من الجزيرة إلى الإمارات كممثلين عن السلطة المحلية، أصدر محروس تعميماً يمنع من السفر خارج الدولة لأي تمثيل باسم السلطة المحلية إلا بإذن من المحافظ لـ"جميع الفرق الفنية والأندية الرياضية والشعراء" وجميع من يتعلق صفته بالدولة.
كما وجه المحافظ مطار سقطرى بعدم السماح بالسفر من يحمل "جواز مؤقت غير المرضى بصورة استثنائية".
والتف السكان حول السلطة المحلية ضد الإمارات وخرجوا في تظاهرات عدة مرات ضد أبوظبي ونفوذه وطالبوا بطردها من الجزيرة، واعتبروها "قوة احتلال".
ومثل شيخ مشايخ سقطرى عيسى بن ياقوت السقطري حجر عثرة مجتمعية ضد الإمارات في الجزيرة بالتفاف شيوخ القبائل وقام بزيارته للولايات المتحدة وإطلاع أعضاء الكونجرس على ما ترتكبه ابوظبي في الجزيرة.
خاتمة
في النهاية يتضح أن الإمارات بدأت تواجدها بمبرر دعم السكان والوقوف معهم لكنها على العكس من الدعم قامت باحتلال القرى والمناطق، وجرفت الأرض وصادرة معيشة المواطنين. ومع ذلك فإن الوجود الإماراتي -ومثله السعودي-في الجزيرة محكوم بالزوال مهما دفع من أموال، ومهما حاول عسكرة الجزيرة، فالجزيرة لأبنائها وليس لأحد أخر وعليها أخذ العبرة ممن حاول قبلها من الأمريكيين والبرتغاليين والانجليز وبقت فقط طموحات نهايتها واضحة ومعروفة.