حسان محمد- المشاهد
خرج فواز من مدرسته بأمانة العاصمة، في وقت مبكر، بقلب منكسر ووجه يكسوه الحزن، فلم يكن يرجو أن يصل إلى موقف يجد فيه نفسه مجبراً على الخروج من بين زملائه في الصف، لعجز أسرته عن دفع رسوم شهرية فرضتها المدرسة على جميع الطلاب، بحجة مشاركة مجتمعية على أولياء الأمور.
فواز ليس بمفرده من تعرض للطرد، فكثير من الطلاب يواجهون المصير نفسه، عندما تعجز أسرهم عن الدفع، وهذا ما يستنكره التربوي عبدالعليم سهيل، الذي يرى أن هذه الإجراءات تقضي على ما تبقى من العملية التعليمية، وتسبب آثاراً نفسية وفرزاً عنصرياً للطالب المطرود.
ويشعر يوسف حنش بالإحباط والغضب لتعرض ابنه للطرد من الامتحان الشهري من إحدى المدارس بمديرية شعوب بالعاصمة صنعاء، بسبب عدم قدرته على الدفع، ويعتبر أن هذا أسلوب غير لائق بتربويي وإدارة مدرسة يفترض أن يكونوا قادة للأجيال وأنموذجاً يحتذى به.
وتعرض نجل حنش، مع 5 طلاب آخرين من صفه، للمهانة والإذلال أمام زملائهم، الأمر الذي أثر على نفسيته، وصار يرفض الذهاب للدراسة واستذكار الدروس، كما يقول لـ”المشاهد”.
ويتفق معه إبراهيم محمد الذي طُرد نجله من الامتحانات من المدرسة ذاتها، حيث يقول لـ”المشاهد”: “طلب ابني مهلة أياماً قلائل لتسليم الرسوم، لكنهم رفضوا، وأخرجوه من بين زملائه، بطريقة لم تراعِ كرامة ونفسية الطالب”.
تذرع بالمعلمين
وتفرض إدارات المدارس في مناطق سيطرة الحوثيين، 1000 ريال شهرياً، على كل طالب، بحجة دفع هذه المبالغ للمعلمين في تلك المدارس، الذين لم يتسلموا رواتبهم للعام الثالث على الدوالي، ومن لم يدفع من الطلاب، يحرم من الامتحانات الشهرية.
لكن سهيل يقول لـ”المشاهد” إن المبالغ تفرض على المدارس ذاتها، وخصوصاً الكبيرة، من قبل جماعة الحوثي التي تأخذ نسبة منها لصالح دعم الجبهات، أما المعلمون الذين يتذرعون بهم، فلا يستفيدون من الرسوم، وفي أحسن الأحوال توزع مبالغ رمزية للمعلمين الذين يقطنون في أماكن بعيدة عن المدرسة، كأجور مواصلات.
ويعمل سهيل في مدرسة بأمانة العاصمة تضم أكثر من 2000 طالب، يدفع كل طالب 1000 ريال شهرياً، لتجني المدرسة ما يزيد على مليوني ريال في الشهر الواحد، وهذا المبلغ يكفي لدفع مبالغ مجزية للمعلمين، بيد أن سهيل يؤكد أن الجماعة تفرض على المدرسة تسليم 500 ألف ريال شهرياً، فيما يذهب معظم المبلغ المتبقي لمدير المدرسة ووكلائه.
تبريرات وزارية
وقال نائب وزير التربية والتعليم بحكومة الحوثي، همدان الشامي، إن الرسوم المفروضة على الطلاب تعد مساهمة مجتمعية أقرها الدستور، وتبنتها مجالس الآباء والأمهات.
وتتعارض تبريرات الشامي مع نصوص القانون العام للتربية والتعليم رقم 45 لسنة1992م، الذي تؤكد مادته الـ8 أن التعليم مجاني في كل مراحله، تكفله الدولة. فيما تلزم المادة الـ9، الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص في التعليم، ومراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تقف عائقاً أمام بعض الأسر للاستفادة من حق أبنائهم في التعليم.
محمد راوح : الحوثيون حولوا الخدمات الرئيسية المجانية إلى مصدر للجبايات، لا يكترثون بتسرب الأطفال من المدارس، ليكونوا فرائس سهلة لحروبهم العبثية.
وينفي محمد راوح، عضو مجلس آباء في إحدى المدارس بأمانة العاصمة، أن مجالس الآباء والأمهات هي التي أقرت الرسوم، مؤكداً أن جماعة الحوثي تضغط على المجالس لتبني عملية دفع الرسوم، حتى تبرئ نفسها أمام الناس، وتظهر أن لا علاقة لها بفرضها.
ويقول راوح لـ”المشاهد” إن أغلب مجالس الآباء يرفضون تحميل الطلاب هذه الرسوم، بخاصة في ظل الأوضاع الراهنة التي أدت إلى تسرب الكثيرين من المدارس، وأن الحوثيين الذين حولوا الخدمات الرئيسية المجانية إلى مصدر للجبايات، لا يكترثون بتسرب الأطفال من المدارس، ليكونوا فرائس سهلة لحروبهم العبثية، حد تعبيره.
ارتفاع نسبة التسرب
وتشير إحصائيات منظمة اليونيسف، إلى أن مليوني طفل خارج المدارس، و3.7 مليون آخرين معرضون لخطر التسرب في العام الدراسي الجاري، معتبرة أن النزاع والفقر والنزوح والهجمات على المدارس، تسببت في حرمان ملايين الأطفال من حقهم في التعليم.
وضاعفت الرسوم التي تم فرضها على الطلاب، من تسرب البعض من مدارسهم، نتيجة عدم قدرة أسرهم على دفع تلك الرسوم.
ويؤكد إعلان حقوق الطفل الصادر في 20 نوفمبر 1959، أن من حق الطفل تلقي التعليم، الذي يجب أن يكون مجانياً وإلزامياً، وأن يتمتع الطفل بالحماية من جمع صور الإهمال والقسوة، ويحاط بالحماية من جميع الممارسات التي قد تدفع إلى أي شكل من أشكال التمييز.