الجداريات في اليمن

"فن الشارع" في اليمن.. الجمال القادم من أتون المعارك

"فن الشارع" ظاهرة برزت مع تزايد المعاناة لدى المواطنين في اليمن، واتخذت أشكالا عدة كالغناء والموسيقى والرسم على الجدران والفن الساخر.

 

مثّل ذلك الفن شكلا من أشكال التعبير عن المعاناة، ومثّل للبعض مصدرا مساعدا للتسويق لمنتجاتهم، بعد أن قرروا امتهان وممارسة بعض الأعمال جراء فقدان الكثيرين لوظائفهم، بسبب ظروف الحرب.

 

وكما كان الشارع ساحة للثورة والتعبير عن المطالب منذ اندلاع الاحتجاجات والمظاهرات في اليمن، فقد كان أيضا ساحة للفن والتعبير عن المعاناة والظروف الاقتصادية الخانقة.

 

يتميز فن الشارع بعفويته وإيصال الرسالة بشكل مباشر، كما يتسم بألا قوانين في الشارع، ولا بروتوكولات، ولا جولات أو تصفيات.، وقد اتخذ من الجولات والتقاطعات المرورية مسرحا، واتخذ من الجدران معرضا مفتوحا بلا أبواب ولا سقُف.

 

وعادة ما يلقى فن الشارع تفاعلا من قبل المجتمع، ربما لأنه الأكثر صدقا وعفوية، ولا يخدم طرفا معينا، كما لا ترعاه جهة معينة، بل نابع من رحم المعاناة.

 

امتهن بعض فناني الشارع الغناء وأظهروا قدرا كبيرا من الإبداع، وكانت هيئاتهم تعبيرا وافيا عن حجم المعاناة التي يواجهونها، فهذا فنان لم يجد حتى ثمن آلة موسيقية يعزف عليها، بل قام بصنع آلته بيده.

 

بائع الماء

 

في الفترات السابقة انتشر مقطع غنائي لبائع الماء الطفل اليمني عمرو أحمد وهو يؤدي إحدى الأغاني الشعبية، لاقت الأغنية انتشارا واسعا، وإعجابا من قبل متابعين في عدد من الدول العربية.

 

ورغم أن الطفل لم يؤد الأغنية بطريقة احترافية وفق المعايير الفنية، إلا أن الكثيرين أبدوا إعجابهم به وتعاطفهم معه، ويبدو أن شعورا غامرا ببراءة الطفل وظروفه الاقتصادية التي دفعته لبيع الماء للمارة ثم الغناء للزبائن كحافز للشراء منه، قد وقف خلف ذلك الإعجاب الواسع والتعاطف الشديد معه.

 

قال كثيرون: إن مكان هذا الطفل هو المدرسة لا الشوارع والجولات، غير أن الطفل أجاب بأنه يدرس في الصباح، ويذهب لمساعدة أمه مساء في بيع زجاجات الماء، لتأمين جزء من المصاريف والنفقات، ليكشف بهذه العبارة جزءا من المعاناة التي يحياها كثير من أطفال اليمن.

 

الفن الساخر

 

الفن الساخر أحد فنون الشارع التي ارتبطت بالحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، غير أنها كانت أشد ارتباطا بالحالة الاقتصادية، على اعتبار أن الحالة المعيشية تمس العامة، ويكتوي بنارها المواطن البسيط، وقد تنامت ظاهرة الفن الساخر في الشوارع والطرقات والجولات، وبرزت على شكل كلمات بسيطة ملحّنة أو أغاني محرفة.

 

لوحظ أن التندر والسخرية برز كظاهرة بشكل واسع في اليمن مع اتساع دائرة الفقر، ولعل تنامي تلك الظاهرة الشعبية تعود لكثرة القيود التي تفرضها الأنظمة الحاكمة، والعقوبات التي تلوح بها في حال تم تنظيم احتجاجات عامة على الأوضاع الراهنة.

 

السخرية عند بعض الفنانين غريزة لا يمكن التحكم بها أو السيطرة عليها، كما أن الفن الساخر بطبيعة الحال، متمرد في دوافعه وفي طبيعة ما يقدمه من  انتقادات.

 

"ليس الغرض الأول من السخرية إضحاك العامة، وهي إن كانت تفعل، إلا أن القصد منها خلق وتشكيل حالة وعي لدى العامة تجاه قضايا سياسية حساسة انتهجتها الأنظمة، أو اجتماعية درج الناس على ممارستها"، حسبما يقول الأديب الناقد الدكتور عبد الرحمن قحطان.

 

مضيفا: "اتساع فضاءات الأدب الساخر في اليمن اليوم يأتي بسبب توالي الأحداث، وخروج النقد السياسي من دوائر الممنوع والمحظور".

 

وتابع قحطان: "الأدب الساخر يندرج تحت لافتة الكوميديا السوداء التي تعكس الأوجاع السياسية والاجتماعية، في لغة تبدو طريفة ومحايدة، لكنها في حقيقة الأمر متمردة، وتحمل من قيم الرفض الشيء الكثير".

 

جداريات الحرب

 

كان الرسم على الجدران إحدى الوسائل الفنية في التعبير عن المعاناة وأهوال الحرب، وعن الأمل والأحلام، في بلد طحنتها الحرب منذ أكثر من 5 أعوام، وكان الرسام مراد سبيع قد دشن حملة بعنوان "الجدران تتذكر وجوههم" رسم فيها أكثر من 100 وجه من وجوه المختفين قسريا.

 

ونظم شباب رسامون عدة معارض في الهواء الطلق، رسموا فيها صورا تعبر عن أهوال الحرب ومعاناة المواطنين، وجداريات تعبر عن سوء التغذية عند الأطفال، والمجاعة وانتشار الأوبئة.

 

غير أن الرسوم على الجدران عادة ما تتعرض للطمس، من قبل الجماعات أو العناصر التي تتعرض للانتقاد، وكانت جماعة الحوثي في اليمن قد طمست صورا وجداريات أدانتهم بشكل غير مباشر وحملتهم مسؤولية تلك المعاناة،  كطمس صور أطفال مبتوري الأطراف جراء زراعة الألغام، وجماعة الحوثي هي الطرف الوحيد الذي يزرع الألغام في الأرياف والمدن اليمنية.

 

غير أن الفنانين اليمنيين عادة ما يتوقفون إثر تهديدات يتلقونها من قبل جماعة الحوثي، بمحاولة توجيههم سياسيا، في تنفيذ جداريات تدين الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها.

 

تهديد الفنانين

 

يجد فنان الشارع نفسه أحيانا في مواجهة بعض الشرائح المجتمعية الذي تؤطره وتصنفه لصالح طرف سياسي معين، ولا تنظر لحالته الإبداعية، لهذا فإن عددا من الفنانين قرروا اتخاذ الحياد عند تناول ظاهرة سياسية أو اقتصادية، على شاكلة (يلعن أبوك يا فقر) دون تحديد (الحرامية) الذين تسببوا بذلك (الفقر) وأكلوا أموال الشعوب.

 

بعضهم يجعلون أنفسهم بمنأى عن تناول تلك المعاناة بشكل مباشر، ويميلون لتناول قضايا اجتماعية أو قضايا دينية، فهذا الشاب اليمني هارون التميمي الذي اشتهر بغنائه في الشارع، وكان أبرز قصيدة مغناة له (سُعيده من عرف ربي سُعيده)، غير أن الانفلات الأمني تسبب بمقتله على يد أحد عناصر ميلشيا الحوثي، الذي اقتحم مدرسة أثناء أداء الامتحانات كان هارون حارسا فيها.

 

ومع ذلك القرار بالحياد وعدم تناول أطراف سياسية إلا أن الفنانين يواجهون صعوبات في محاولة توجيه فنهم ضد طرف سياسي معين، الأمر الذي يتسبب بفقدانه ميزة الصدق والعفوية.

 

ونجح الحوثيون في توجيه بعض من فناني الشارع، واستغلوا فنهم في محاولة خلق وعي معين، لدى المجتمع، فهذا أحد فناني الشارع يغني (عبدربه هرب ..من صنعاء للرياض... راح يبيع الوطن.. إلخ) وهو الأمر الذي ينسجم والفكرة التي تريد جماعة الحوثي ترسخيها في وعي المواطن اليمني.

 

وعبرت الفنانة ميساء العبسي التي شاركت في فعالية للرسم على الجدران عن تلك الصعوبات بقولها: "لم أكن قد أتممت جداريتي.. ومنعونا من الرسم وطمسوا الجداريات رغم وجود تصريح".

 

وقالت الناشطة اليمنية وميض شاكر، في تدوينة على فيسبوك: إن مسلحي الجماعة (الحوثي) أجبرت الفنانين على العودة إلى منازلهم، رغم حصولهم على ترخيص مسبق من الأجهزة الرسمية الخاضعة للجماعة في صنعاء.

 

وزعمت أن الحوثيين طلبوا من المشاركين في الفعالية الفنية توجيه الرسومات ضد الحكومة اليمنية "الشرعية" والتحالف الداعم لها، وخيروهم بين ذلك أو العودة إلى منازلهم.