بديع سلطان- المشاهد
لم يكتفِ المسلحون في مدينة عدن (جنوب اليمن)، بالاعتداءات على الأراضي والعقارات الحكومية والخاصة، والمؤسسات والمرافق العامة ودواوين الدولة، بل تعدوها إلى الإرث التاريخي للمدينة وحرمات مراكزها العلمية والبحثية، التي تعرضت للانتهاكات والبسط والتعدي عليها، والتي كان آخرها، الحرق المتعمد لمركز البحوث والتطوير التربوي في مديرية خور مكسر، شرق مدينة عدن، بما في ذلك المكتبة التابعة له، من قبل مسلحين يتبعون عصاباتٍ متخصصة بالسطو على أراضي الدولة والممتلكات العامة، في ظل انتشار فوضى أمنية عارمة في المدينة.
والتهم الحريق الكثير من الكتب والدراسات العلمية وآلاف المراجع والمخطوطات التاريخية التي يعود عمر بعضها إلى مئات السنين.
الهدف من طمس هوية المبنى الذي يسيطر عليه مسلحون؛ هو سهولة التصرف فيه وبيعه، أو تحويله إلى عقار شخصي لاحقاً، كما تم مع قصر عدن التاريخي في مدينة كريتر.
والهدف من طمس هوية المبنى الذي يسيطر عليه مسلحون؛ هو سهولة التصرف فيه وبيعه، أو تحويله إلى عقار شخصي لاحقاً، كما تم مع قصر عدن التاريخي في مدينة كريتر.
وتشهد عدن اعتداءات متكررة على الأملاك العامة والخاصة، منذ العام 2015، في ظل الانفلات الأمني الذي تشهده المدينة.
لماذا تم إحراق مركز البحوث التربوي؟
يشير العديد من الباحثين والتربويين، إلى أن محاولات البسط على مبنى مركز البحوث التربوية، لم تكن وليدة الأوضاع الراهنة، ولكنها تعود إلى ما بعد الحرب الحوثية على عدن، في 2015. مؤكدين أن موقع المبنى جعل الكثيرين من المتنفذين حتى المسؤولين من القيادات الأمنية والعسكرية والمحلية في محافظة عدن، يحاولون الاستيلاء عليه، مستغلين بذلك غياب الدولة وانعدام دور السلطات الأمنية في عدن.
تربويون : تعمّدٍ وسبق إصرار في إحراق الكتب القيمة والمؤلفات في المركز، نظراً لأن عدداً منها يحاكي تاريخ مدينة عدن واليمن عموماً، وإحراقها يخدم أهداف وأجندات بعض الجهات المتصارعة داخل عدن
وكشف التربويون عن تعمّدٍ وسبق إصرار في إحراق الكتب القيمة والمؤلفات في المركز، نظراً لأن عدداً منها يحاكي تاريخ مدينة عدن واليمن عموماً، وإحراقها يخدم أهداف وأجندات بعض الجهات المتصارعة داخل عدن، مشيرين إلى أن مركز البحوث تعرض للسرقة أكثر من مرة، خلال سنوات الحرب الأخيرة، وإحراق المكتبة واحد من الفصول الأخيرة في مسيرة استهداف مركز البحوث والتطوير التربوي؛ في إطار محاولات بعض الجماعات المسلحة للسيطرة عليه.
وتم السطو على جزء من المركز بالفعل سابقاً، وبلغ بهم الأمر تدمير جزء من المركز، وسرقة حتى الكابلات الكهربائية.
وقال مدير مركز البحوث والتطوير التربوي في عدن، عبدالغني أحمد الشوذبي، لـ”المشاهد” إن حادثة الإحراق التي شهدها المركز، الأسبوع الماضي، لم تكن الأولى، إذ تعرض المبنى لعملية إحراق في وقت سابق، كان الغرض منها نهب محتوياته والتمهيد للبسط عليه، مشيراً إلى أن نافذين يسعون لنهب محتويات المركز والسطو على أرضيته.
يذكر أن مركز البحوث والتطوير التربوي بعدن، كيان علمي بحثي، يتبع وزارة التربية والتعليم؛ ويهتم بإعداد المناهج والمقررات الدراسية في مختلف المراحل الدراسية.
كما يهتم بإعداد الرسائل العلمية والبحثية في الدراسات العليا في المجالات التربوية والتعليمية، وتنفيذ بحوث ميدانية لتطوير المضمون التعليمي، ويعد أول مركز بحثي من نوعه في منطقة الجزيرة العربية والخليج.
ويمتد تاريخه إلى قرابة نصف قرن من الزمان، حيث تأسس عام 1975، ويحتوي آلاف الكتب والمراجع النادرة في مختلف التخصصات العلمية، بالإضافة إلى مخطوطات تاريخية.
احتجاجات سابقة لم يُلق لها بال
وذكّر الشوذبي، بدعوات ومطالبات الوقفة الاحتجاجية، التي نفذها موظفو مركز البحوث، أمام مبنى الأمانة العامة لمجلس الوزراء في العاصمة المؤقتة عدن، والتي تمثلت مطالبها بحماية المركز، الذي يعد أول مركز بحثي في الجزيرة العربية، حد تعبيره.
وكان موظفو مركز البحوث والتطوير التربوي في عدن، نظموا وقفة احتجاجية أمام مقر مجلس الوزراء في مديرية خور مكسر، للمطالبة بوقف عمليات السطو والنهب التي يتعرض لها المركز.
وندد المحتجون بما يتعرض له المركز من تدمير ممنهج يهدف إلى توقف نشاطه العلمي والبحثي، والسطو على الأرضية المحيطة به، ونهب وسرقة محتوياته ومعداته وأجهزته، من قبل نافذين يعملون تحت حماية وتواطؤ الجهات الأمنية، مؤكدين على أنه تم إحراق قسم التوثيق الذي يحتوي على بحوث علمية ودراسات كثيرة في عدة مجالات، الأمر الذي يعتبر خسارة كبيرة للمسيرة العلمية في العاصمة المؤقتة عدن.
وناشدوا جميع الإعلاميين والناشطين ومنظمات المجتمع المدني، الدفاع عن مبنى مركز البحوث، والضغط على الجهات المعنية بحماية الممتلكات العامة والخاصة، لضبط المتورطين في نهب ممتلكات المركز والسطو على المساحة المحيطة به.
ودعا الشوذبي منظمات المجتمع المدني والإعلاميين والناشطين، إلى حماية مبنى المركز الذي يتعرض للبسط والاعتداءات المتكررة.
ردود فعل غاضبة
ولاقت الحادثة ردود فعل رافضة ومنددة من قبل ناشطين وباحثين وإعلاميين، في داخل اليمن وخارجه، نددوا بالواقعة، وطالبوا بإجراءات حازمة تجاه المتورطين.
ورفضوا صمت بعض الإعلاميين الجنوبيين ممن لم يتفاعلوا مع الحادثة، كونها تمس العلم والتراث والثقافة فقط، وليست قضية سياسية، كون مركز البحوث لا يمتلك أي ارتباطات سياسية أو علاقات بأطراف الصراع في عدن.
وقالت الناشطة صفاء عامر، في تغريدةٍ على حسابها في “تويتر”، إن الباسط أحرق وأتلف الكتب الموجودة في مركز البحوث التربوية، فهو لا يهمه تاريخ أو أرشيف أو إرث أو ثقافة، بل يهمه كيف يسيطر على هذا المبنى، لكي يقوم بتأجير المحلات والشقق.
وتحسرت صفاء على الوضع الذي وصلت إليه البلاد، في ظل وجود أشخاص يعملون على تدمير حضارتنا وتراثنا بلا حسيب وبلا رقيب.
وتساءلت: هل سمع أحدكم بأي إعلامي من إعلاميي المجلس الانتقالي، يشجب، يندد، يستنكر، أو حتى يعرج على الخبر، من باب أن المركز كان يحوي تراثنا الجنوبي؟
وأشارت الناشطة ذكرى المصفري الصبيحي، إلى احتواء المركز كتباً تاريخية عمرها مئات السنين، ودراسات عظيمة تم حرقها لأنها تتحدث عن دهاليز الثقافة اليمنية وعلاقتها بعدن والجنوب عموماً.
وقالت، في منشور على “فيسبوك”، إن هذا الفعل يعد جريمةً بكل معنى الكلمة، وجريمة أخرى تضاف إلى سجل جرائم من وصفتهم بـ”بغاة عدن”.
ودعت المصفري من سمتهم “محبي عدن”، إلى توثيق هذه الجرائم؛ بهدف نشرها لدى المنظمات الحقوقية في الخارج؛ وتعرية ما يقوم به المسيطرون على عدن، والذين يحرقون الأخضر واليابس بفعل أوامر من الخارج، دون وعي، حد تعبيرها.
وأضافت: “دعوا العالم يرَ كيف يتم حرق تاريخ عدن وكتبها التراثية ودراسات وأبحاث مفكريها وأساتدتها ومثقفيها من أبناء عدن واليمن”.
وتابعت: “هذه الأبحاث تم جمعها مند زمن طويل، عبر شرفاء اليمن، وهناك كتب توارثها أهالي عدن، وقدموها هدايا لمركز البحوث، ليتم الاستفادة منها، وعرضها على الأجيال”، لافتةً إلى أن العالم يدفع ثرواته للحصول على كتب تاريخية، ويجمعها، بينما نحن في عدن يتم حرقها والخلاص منها وبكل سهولة.