بلال ياسين- عربي21
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا، أعده كل من كولام لينتش ولارا سيلغمان وروبي غريمر، تكشف فيه عن الجهود التي تقوم بها السعودية لوقف الحرب المدمرة التي شنها قبل أربعة أعوام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ويكشف التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن شقيقه الصغير الأمير خالد بن سلمان يتولى المهمة من خلال التحضير للقاءات على مستوى عال، في العاصمة العمانية مسقط، مع ممثلي الحركة الحوثية التي سيطرت على العاصمة صنعاء عام 2014.
ويقول الكتّاب إن الأمير خالد سافر الأسبوع الماضي إلى مسقط، واجتمع السلطان قابوس لتهيئة الأجواء للمحادثات مع الحوثيين، الذين سيطروا على القصر الرئاسي في كانون الثاني/ يناير 2015، وأجبروا الرئيس عبد ربه منصور هادي على الفرار إلى عدن، ومنها إلى السعودية.
وتشير المجلة إلى أن لقاء الأسبوع الماضي هو ذروة لقاءات سرية مباشرة بين المسؤولين السعوديين والحوثيين، لافتة إلى أن وزير الخارجية اليمني، السابق أبا بكر القربي، يرى أن المهمة الدبلوماسية للأمير في عمان هي "أقوى إشارة" على تحول في السياسة السعودية، وتعكس "التزاما بتحقيق سلام شامل، واعتقاد بأن لا حل عسكريا للنزاع"، وقال: "أعتقد أن الأمير خالد بن سلمان سيقدم رؤية جديدة لوقف الحرب المكلفة، التي خلقت عدم استقرار في المنطقة".
ويلفت التقرير إلى أن الأمير الشاب كلف من شقيقه ولي العهد بالتفاوض على إنهاء الحرب، التي أدت إلى خلق كارثة إنسانية، وزادت من تعاون إيران العسكري مع الحوثيين، مشيرا إلى أن الجهود لإنهاء الحرب زادت بعد سلسلة من الهجمات على الأراضي السعودية، بما فيها هجوم أيلول/ سبتمبر، الذي أدى إلى وقف نصف إنتاج النفط السعودي.
ويستدرك الكتّاب بأنه رغم إعلان الحوثيين المسؤولية عن الهجمات، إلا أن السعودية والولايات المتحدة والدول الغربية تعتقد أن إيران هي التي نفذت الهجمات مباشرة، أو أنها زودت الحوثيين بالمعدات ودربتهم على الهجمات.
وتذكر المجلة أن الحرب أغرقت أفقر بلد عربي في وضع من الكارثة الإنسانية هي الأسوأ في التاريخ، ووضعت 10 ملايين من سكانه على حافة المجاعة، و80% منهم بحاجة لمساعدة إنسانية، مشيرة إلى أن هذه الحرب أدت، إلى جانب القتل خارج القانون لصحافي "واشنطن بوست" جمال خاشقجي، إلى تقويض علاقة المملكة مع الكونغرس، وشوهت صورة ولي العهد، الذي حاول تصوير نفسه بالمصلح القادر على إخراج بلاده للعالم، وتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية ضمن رؤية 2030، وألقت بظلال من الشك على خططه لطرح شركة "أرامكو" في السوق المالية، والتحضير لقمة العشرين العام المقبل، التي يأمل أن يظهر فيها إنجازاته.
ويجد التقرير أن المهمة الجديدة تمثل امتحانا لقدرة الأمير خالد، الذي عين سفيرا في واشنطن في نيسان/ أبريل 2017، حيث ألقى مقتل خاشقجي بظلاله على فترة عمله القصيرة في واشنطن، وانتقد لطريقته في التعامل مع الجريمة، فوصفت صحيفة "واشنطن بوست" إدارته للأزمة بأنها "حملة ملحمية من الأكاذيب".
وينقل الكتّاب عن السفير الأمريكي السابق جيرالد فيرستاين، قوله عن الأمير خالد بن سلمان، بأنه "جديد نسبيا على اللعبة.. وهو ذكي بشكل معقول، وقريب من شقيقه، وهذا هو مصدر قوته، فيمكنه الحديث نيابة عن والده وشقيقه".
وتنوه المجلة إلى أن الأمير عين في شباط/ فبراير نائبا لوزير الدفاع، وكلف بمهمة إدارة الحرب في اليمن، مشيرة إلى أنه مكلف بمهمة إخراج البلاد من هذه الحرب، لكن بطريقة تظهر أي اتفاق سياسي على أنه انتصار لشقيقه الأكبر.
ويفيد التقرير بأن الأمير حقق أول إنجاز دبلوماسي له عندما رعت السعودية اتفاقا أنهى المواجهات بين قوات هادي والقوات التي تدعمها الإمارات، التي تدعم انفصال الجنوب عن الشمال، مشيرا إلى أن السعودية تراهن على هذا الاتفاق بصفته حلا للمشكلات مع الإمارات التي خفضت من وجودها العسكري في اليمن بشكل يمنح الرياض الفرصة للتركيز على الحوثيين.
ويشير الكتّاب إلى أن المسؤولين الأمريكيين يرون أن خالد، الذي تلقى تدريبه بصفته طيارا، رجل يعرف بالمعايير الغربية، ويقول مسؤول أمريكي بارز إنه "يستمع.. في الوقت الذي يعني فيه الاستماع للبعض بأنه انتظار للحديث، وهو يأخذ في عين الاعتبار ما تقوله، ويستخدمه، وربما يعدل من موقفه"، فيما يرى آخرون أنه مبتدئ في السياسة، وينبع تأثيره من كونه عضوا في العائلة السعودية المالكة، فقال مسؤول خليجي إن الأمير "شاب لكن ما يقويه هو اسمه".
وتستدرك المجلة بأن سمعة الأمير خالد في واشنطن تلطخت بسبب ما كشف عن اتصالاته مع جمال خاشقجي في الأسابيع التي سبقت مقتله في القنصلية السعودية في إسطنبول، فبعد اختفاء الصحافي شن الأمير حملة نفى فيها بشدة علاقة السعودية بمقتل خاشقجي، وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ في ذلك الوقت، بوب كوركر، إن السفير الشاب "لا يملك أي ذرة من المصداقية"، وغادر الأمير منصبه في شباط/ فبراير هذا العام، وسط زوبعة من الغضب لم تهدأ بعد، مشيرة إلى أن دوره في إدارة ملف خاشقجي في واشنطن لم يؤثر على سمعته في السعودية، فيما واصل مسؤولون في إدارة دونالد ترامب مقابلته، مثل وزير الخارجية مايك بومبيو.
ويلفت التقرير إلى أنه على خلاف شقيقه، الذي عين وليا للعهد في حزيران/ يونيو، فإن الأمير خالد سلك طريقا مختلفا، فحصل على شهادة في الطيران من أكاديمية الملك فيصل الجوية، وتدرب على قيادة المقاتلات في الولايات المتحدة، وقاد أف-15 في الحرب ضد تنظيم الدولة واليمن، قبل أن تجبره إصابة في الظهر على مغادرة قمرة القيادة، مشيرا إلى أنه بعد مغادرته سلاح الجو السعودي عمل مستشارا مدنيا لوزارة الدفاع، ثم سفيرا في واشنطن، حيث أنفق 8 ملايين دولار في العام الأول من عمله في السفارة.
ويستدرك الكتّاب بأنه رغم مسؤوليته عن العلاقات السعودية الأمريكية بشكل عام، إلا أن تركيزه كان على الحرب في اليمن، التي أصبحت شاغله الأول بعد تعيينه نائبا لوزير الدفاع، ورغم تقبله للمخاوف التي كان يثيرها المشرعون الأمريكيون، إلا أنه تحدث عن وجود حزب الله على الحدود السعودية، باعتباره تهديدا وجوديا، وقال إن مواجهته تأتي في المرتبة الأولى والثانية والثالثة، فيما يأتي التعاون مع الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم القاعدة في المرتبة الرابعة.
وتقول المجلة إن الأمير خالد ليس قلقا من القرارات التي تصدر عن الكونغرس بقدر اهتمامه بالرسالة السياسية التي ترسلها إلى المسؤولين السياسيين، فخلال السنوات الماضية عبر الكونغرس عن معارضته للتورط الأمريكي في اليمن، بما في ذلك بيع الصواريخ الموجهة بدقة للسعودية والإمارات، وهو ما قاد إلى سلسلة من المواجهات رفيعة المستوى بين الكونغرس والبيت الأبيض، الذي تردد بالتخلي عن دعم السعودية في مواجهتها مع إيران، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة أوقفت تزويد الطيران السعودي بالوقود عام 2018، مع أن التعاون الأمني مستمر.
ويورد التقرير عن مسؤول بارز في إدارة ترامب، قوله إن خالد ابن سلمان يعرف أن قطع الدعم الأمريكي لا يعني أن بلاده ستوقف الحرب في اليمن؛ لأنها تمثل "التهديد الأكبر".
وينوه الكتّاب إلى أن السعودية استطاعت تجاوز الشجب الدولي بسبب الحرب في اليمن، بما في ذلك القصف العشوائي للأهداف المدنية، والحصار الذي أدى إلى أزمة إنسانية، إلا أنها بدأت في البحث عن الدبلوماسية وبشكل قوي بعد هجمات أيلول/ سبتمبر.
وتفيد المجلة بأن الهجوم كشف عن مكامن ضعف السعودية، بالإضافة إلى أن وضعها لم يعد محتملا بعد قرار الإمارات سحب قواتها من اليمن، والبحث عن طرق للسلام مع الحوثيين وداعميهم الإيرانيين، مشيرة إلى أن السودان، الذي وفر 40 ألف مقاتل للحرب في اليمن، سحب آلافا من قواته ومقاتلي الدعم السريع هناك، كما سحب المغرب قواته في بداية العام الحالي.
ويشير التقرير إلى أن الحوثيين أثبتوا بدعم إيراني قدرتهم على نقل الحرب إلى داخل السعودية باستهداف العاصمة والحقول النفطية والمطارات في عام 2018، لافتا إلى بعد الهجوم على بقيق وخريص في أيلول/ سبتمبر، الذي اتهمت فيه إيران، انتظرت الرياض ردا أمريكيا، إلا أن إدارة ترامب استبدعت الحل العسكري، وأرسلت تعزيزات عسكرية.
وينقل الكتّاب نقلا عن السفير السابق في اليمن فيرستاين، قوله معلقا على الموقف الأمريكي: "حقيقة أن أمريكا لم ترد وبقوة على أي من الاستفزازات أعطت إشارة للسعوديين والإماراتيين بأن عليهما عدم الاعتماد على أمريكا لضمان أمنهما، وعليهما البحث طرق لتخفيف التوتر".
وتورد المجلة عن مسؤول أمريكي بارز، قوله إن عدم رد أمريكا على هجمات "أرامكو"، بالإضافة إلى حملة الضغط القصوى على إيران، زادا من الضغوط على السعودية لإنهاء الحرب في اليمن، بل إن السعوديين حاولوا في الأسابيع الأخيرة الوصول إلى الإيرانيين مباشرة لتخفيف التوتر.
وأضاف المسؤول للمجلة أن الهدف الرئيسي من الاتصالات هو تخفيف التدخل الإيراني في اليمن، ومنع تحول الحوثيين إلى حرب وكالة أخرى، ومن هنا تواصلوا مع إيران مباشرة، وتابع المسؤول قائلا إن السعوديين توصلوا بعد هجمات "أرامكو" إلى أنهم هم الذين سيعانون من أضرار استراتيجية ترامب، وليس إيران.
وبحسب التقرير، فإن السعودية كانت مترددة في التفاوض مباشرة مع الحوثيين، تاركة الأمر لعدد من مبعوثي الأمم المتحدة للتوسط بين الحكومة اليمنية التي تدعمها السعودية والحوثيين، في الوقت الذي دعمت فيه السعودية قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في نيسان/ أبريل 2015، الذي يعترف بحكومة هادي، ويطالب الحوثيين بالتخلي عن المناطق التي سيطروا عليها، وتسليم السلاح الذي اخذوه أثناء السيطرة على صنعاء.
وينقل الكتّاب عن القربي، قوله إنه مع مرور الوقت بدا واضحا "ليس فقط للسعوديين، بل للدول الخمس دائمة العضوية، أن هذا القرار (قرار 2216) يعد غير واقعي ولا يمكن تطبيقه".
وتقول المجلة إن السعوديين أنشأوا في الوقت ذاته خط اتصال سري للتواصل مع الحوثيين مباشرة في حال استدعت الحاجة، فالتقى السفير السعودي في اليمن محمد الجابر مع المفاوض الرئيسي للحوثيين محمد عبد السلام على هامش المؤتمر الذي عقد برعاية الأمم المتحدة عام 2016 في الكويت، وأدى اللقاء إلى اتفاق على إنهاء الأعمال العدائية، وإنشاء لجنة خفض التوتر والتنسيق على الحدود السعودية الجنوبية.
ويستدرك التقرير بأن هذا الاتفاق تجمد بعد قيام الحوثيين بتوجيه ضربات صاروخية لمنشآت في الجنوب عام 2017، وفي الوقت ذاته واصلت الولايات المتحدة وبريطانيا جهودهما لإقناع السعوديين بالتحاور مع الحوثيين مع استمرار الحرب والكارثة الإنسانية التي خلقتها.
ويورد الكتّاب نقلا عن ثلاثة مصادر دبلوماسية، قولها إن السفير البريطاني في اليمن مايكل آرون قام بنقل الرسائل بين السعوديين والحوثيين، فيما تبادل مدير الاستخبارات السعودية خالد بن علي الحميدان رسائل "واتساب" مع المفاوض الحوثي عبد السلام، وفي أيلول/ سبتمبر قام وزير خارجية الحوثيين حسين العزي بالسفر برا إلى العاصمة العمانية مسقط، التي تحولت إلى قاعدة دبلوماسية غير رسمية للحوثيين، بحسب مصدر دبلوماسي.
وتلفت المجلة إلى أن الحكومة البريطانية ساعدت على ترتيب رحلة إلى العاصمة الأردنية عمان، حيث التقى العزي بنائب الحميدان هناك، ولم تعلق لا الحكومة البريطانية أو السعودية على هذه الأخبار، مشيرة إلى أنه بعد لقاء عمان في 20 أيلول/ سبتمبر، أعلن الحوثيون عن وقف الهجمات الحدودية ضد السعودية، ووعدوا بأن يكون هذا الأمر دائما لو أوقفت السعودية الغارات الجوية ضد الأهداف الحوثية.
ويستدرك التقرير بأن الحوثيين استمروا في تنفيذ هجمات ضد المصالح السعودية، مثل السيطرة على سفينة سعودية إلى جانب سفينتين في البحر الأحمر، وبحسب تقرير لوكالة أنباء "أسوشيتد برس" فإن الحوثيين والسعوديين كانوا على اتصال مستمر عبر الفيديو خلال الأشهر الماضية، وبحسب تقرير الوكالة، فإن الطرفين ناقشا إمكانية فتح ميناء صنعاء، وإنشاء منطقة عازلة بين المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والحدود السعودية، والتزام من جماعة الحوثي بالابتعاد عن إيران.
وينقل الكتّاب عن مصدرين دبلوماسيين، قولهما إن مسؤولين سعوديين وحوثيين بارزين عقدوا اجتماعات وجها لوجه على هامش لقاء الأمير خالد مع السلطان قابوس، مشيرين إلى أن حلفاء السعودية رحبوا بمحاولات التقارب مع الحوثيين في الحرب التي باتت بلا نهاية، ويشعرون أن الوقت قد حان لعقد صفقة مع الحوثيين.
وتورد المجلة نقلا عن فيليب ناصيف من "أمنستي إنترناشونال"، قوله: "وصلوا إلى هذه النقطة لأن السعوديين والاماراتيين واجهوا سلسلة من العقبات، بما فيها الحقيقة البسيطة المتمثلة بعدم وجود تقدم عسكري لتغيير الوضع القائم".
وينقل التقرير عن وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، قوله في مؤتمر سياسي، إن أي اتفاق "يجب أن يأخذ في عين الاعتبار طموحات أطراف المجتمع اليمني كلها، بما فيها الحوثيون"، وأضاف: "لقد ألحق الحوثيون الدمار الكبير في البلد، لكنهم جزء من المجتمع اليمني، وسيكون لهم دور في المستقبل".
ويقول الكتّاب إن اللقاءات السرية أزعجت الذين لهم علاقة بالملف اليمني الذين شعروا أنه تم تهميشهم، وحتى المبعوث الأممي مارتن غريفثس، الذي دعم التقارب ليعطي زخما لجهوده.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى قول مسؤول يمني بارز: "بحسب رأيي، فإن الحكومة اليمنية أخرجت من الصورة، وهذا أمر خطير"، ودعا للحفاظ على دور الأمم المتحدة، وقال إن "أي محاولة لإفشال عملية الأمم المتحدة ستنتهي إلى الهاوية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)