عابد عمر- المشاهد
خصصت جماعة الحوثي، مؤخراً، أرقاماً هاتفية لتلقي شكاوى المواطنين حول قضايا فساد حدثت لهم من الجهات الحكومية الواقعة تحت سيطرتهم بصنعاء، باعتبارها خطوة أولى لمكافحة الفساد.
ودشنت بعض الجهات العمل بها من خلال إدارة خدمات الجمهور ووحدة الشكاوى فيها، حيث عممت أرقاماً على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وأرسلت رسائل نصية إلى هواتف المواطنين، عبر شركات الاتصالات الوطنية المختلفة.
الأحداث الأخيرة التي يشهدها لبنان والعراق، من احتجاجات ومظاهرات شعبية ضد فساد حكومتيهما، دفعت الحوثيين إلى القيام بخطوة استباقية لمكافحة الفساد، ظناً منهم أنها ستمنع تكرار حدوث احتجاجات ومظاهرات ضدهم، مشابهة لما يحدث في لبنان والعراق، رغم عدم فاعليتها في مكافحة الفساد الذي تمارسه الجماعة في أجهزة الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، على مدى 5 سنوات.
أرقام لا تستقبل المكالمات
وفشلت هذه الخطوة منذ الوهلة الأولى، إذ اتصل الكثير من المواطنين عبر تلك الأرقام، لكي يوصلوا شكاواهم عن حالات الفساد والتعسفات والرشاوى والابتزاز وتحصيل إتاوات مخالفة للقانون، التي مورست بحقهم من جهات عديدة، حيث لم ترد على مكالماتهم الواردة لإدارات خدمات الجمهور ووحدات الشكاوى، منهم فارس الجبري، صاحب محل بهارات بصنعاء، الذي حاول الاتصال عدة مرات إلى أمانة العاصمة، من خلال الأرقام الخاصة بها (01449177 أو 778240382)، للإبلاغ عن تعرضه للابتزاز والتهديد من أناس يدعون أنهم يعملون في صندوق النظافة في ديوان أمانة العاصمة، غير أنه لم يجب أحد على مكالماته، بحسب ما أفاد الجبري لـ”المشاهد”، مؤكداً أن تلك الأرقام لا جدوى منها في مكافحة الفساد، وهي عبارة عن عملية تخدير للمواطنين، ولعب بعقولهم وعواطفهم.
واتصل سعيد راوح، مالك عقارات وأراضٍ بصنعاء، هو الآخر، بأرقام وزارة الداخلية، لكي يقدم شكواه إليها، على خلفية واقعة سطو على أرضه، دون وجه حق، من قبل أطقم مسلحة تابعة للحوثيين، الأسبوع الفائت، ادعوا أنهم من وزارة الداخلية، جاؤوا تنفيذاً لتوجيهات عليا في الوزارة، للبسط على الأرض، والبدء في البناء عليها، غير أن الأرقام التي وضعتها الوزارة مشغولة، وتارة خارج نطاق التغطية، وطوراً آخر مغلقة، كما أوضح راوح لـ”المشاهد”، مضيفاً أن الحوثيين ليسوا جادين في مكافحة الفساد الذي بات لا يُحتمل، لأنهم يعتبرون الحرب القائمة في البلاد فرصة للفيد وتكوين اقتصادات خاصة بهم على حساب الشعب اليمني الذي اكتوى بسعير نارهم.
استشراء الفساد
وانتشر الفساد المالي والإداري، بشكل كبير، في المؤسسات الحكومية، منذ انقلاب جماعة الحوثي، في 21 سبتمبر 2014، حيث أحكمت قبضتها على موارد الدولة، وصارت تتصرف بها كملكية خاصة، واستغلت نفوذها المسلح في السطو والنهب لممتلكات وأراضي المواطنين، والاستحواذ على الوظيفة العامة، وفرض الجبايات على القطاعات الخاصة بمجملها، دون مراعاة للقوانين واللوائح النافذة.
وبحسب ناصر باقزقوز، وزير السياحة السابق في حكومة صنعاء، فإن الدعوة التي أطلقها رئيس ما يعرف بـ”المجلس السياسي الأعلى” مهدي المشاط، لمواجهة الفساد، لن تجد طريقها للنجاح، طالما الرجل الأخطبوط يعمل في مكتب عبدالملك الحوثي، زعيم الجماعة، وهو رأس الفساد، والمتحكم بكل الأمور، كما قال في صفحته على “فيسبوك”.
وكشف باقزقوز قضية فساد واحدة من جملة قضايا عدة تمارسها جماعة الحوثي بصنعاء، والمتمثلة في محافظ البنك المركزي بصنعاء رشيد أبو لحوم، المعين حديثاً من قبل الحوثيين، والذي يتقاضى شهرياً 30 مليون ريال، بمعدل مليون في اليوم، في حين موظفو الدولة بلا مرتبات لـ5 سنوات، مشيراً إلى أن أبو لحوم أول ما تم تعيينه محافظاً للبنك، رفض الجلوس على كرسي سلفه، وطلب تغيير ديكور المكتب وتأثيثه بأكثر من 25 مليون ريال.
فقدان الثقة بمحاربة الفساد
واعتبر ناشطون سياسيون وحقوقيون، تدشين الحوثيين خدمة الأرقام في الجهات الحكومية، لتلقي شكاوى المواطنين، مهزلة واستهتاراً ونوعاً من المراوغة التي لا تنطلي على أحد، منهم عادل الفسيل، الناشط السياسي، الذي قال لـ”المشاهد”، إن تدشين الحوثيين حملة مكافحة الفساد، من خلال نشر الأرقام للمواطنين للإبلاغ عن فسادهم، مهزلة كبرى واستهزاء باليمنيين، إذ لا يمكن تصديق أن من اغتصب السلطة واستحوذ على مقدرات الدولة لصالحه الخاص، يمكن أن يكافح الفساد.
ويقول الناشط الحقوقي المحامي سامي عبدالكريم، لـ”المشاهد”، إن إنشاء جماعة الحوثي ما يسمى “اللجنة الإشرافية العليا لتصحيح الاختلالات في كشوفات المرتبات”، مخالف قانوناً، وهو اختلال إداري بحد ذاته، لافتاً إلى أن مكافحة الفساد تتطلب قراراً سياسياً وإرادة قوية وصارمة لتجفيف منابع الفساد وتقييم الاعوجاج أينما وجد، وليس بتدشين أرقام للمواطنين للاتصال على الفاسد ذاته ليبلغه عن فساده!