الناسور الولادي

نبذها زوجها، واعتزلت المجتمع.. قصة فتاة يمنية مع "الناسور الولادي"!

أمرية المريطي- المشاهد

دمر الناسور الولادي (عدم القدرة على السيطرة على التبول والتبرز)، صحتها، وألزمها الصمت لسنوات، خجلت أن تبوح بحقيقة مرضها، وظلت سجينة غرفة بمنزل ولدها عندما نبذها زوجها وتركها تصارع ويلات المرض والفقر.
وعانت زينب المؤذن (35 عاماً) التي أصيبت بالناسور بعد تعسر ولادتها بطفلها الأول، من آلام المخاض 3 أيام، بسبب عدم وجود سيارة تنقلها من محلة عرعرة في قرية العدو بمديرية الطويلة محافظة المحويت، إلى أقرب مركز صحي بالمديرية ذاتها.
وبدأت معاناة زينب حين حملت بعد زواج طال 10 سنوات، وخلال فترة حملها لم تذهب إلى أي مركز صحي للاطمئنان على حالتها، بسبب عدم وجود مركز صحي في القرية، إضافة إلى عدم امتلاكها المال الذي يمكنها من الوصول إلى أقرب مركز، وقلة وعيها بأهمية متابعة الحمل.
وتفتقر منطقة محلة عرعرة للخدمات الصحية، ناهيك عن وعورة الطريق، حيث يصعب وصول أية سيارات إليها، ولكي تصل زينب أو مريض آخر إلى أقرب مركز صحي، ينبغي عليه السير على الأقدام لمسافة أكثر من 5 كيلومترات، أو انتظار سيارة قد لا تصل.
وتقول زنيب لـ” المشاهد” : “بقيت أعاني من ألم الولادة 3 أيام متتالية، بسبب عدم وجود مركز صحي في القرية، ولعدم وجود سيارة لنقلي إلى أقرب مركز في مركز المديرية”.
وتابعت: “عند وصولي إلى المركز، وبعد الفحص، تم إبلاغي أن الطفل قد مات، ويجب إخراجه، وتم القيام بعملية شفط للطفل، أدت إلى انفجار الرحم، وإصابتي بالناسور”.

ما هو الناسور الولادي؟

يعرف الناسور الولادي بأنه ناتج عن ولادة متعسرة لفترات طويلة بدون تدخّل طبي عاجل في الوقت المناسب، حيث إن الضغط المتواصل من رأس الجنين على عظام حوض الأم، يضر بالأنسجة الرخوة، ويخلق ثقباً أو ناسوراً بين المهبل والمثانة وبين المهبل والمستقيم (الجزء الأخير من الأمعاء الغليظة، يمتد حتى فتحة الشرج). وهذا الضغط الشديد والمتواصل على الأنسجة يمنع تدفق الدم إليها، ويصيبها بضرر بالغ، ويحدث ثقباً فيها، ويسبب تآكلها مع مرور الوقت.

الدكتورة بلقيس الجيلاني : السبب الرئيس لحدوث الناسور الولادي هو الولادة المتعسرة، نتيجة عدم وجود مراكز صحية، تضم كوادر صحية مؤهلة، وكذا صعوبة الوصول إلى المراكز الصحية، بالإضافة إلى قلة وعي الناس، وجهلهم بأهمية الرعاية الصحية للمرأة الحامل ومتابعة الحمل أولاً بأول. 

وفي النهاية تنزلق الأنسجة الميتة، مسببة ناسوراً يسرّب البول أو البراز باستمرار عن طريق المهبل.
وتؤكد رئيس وحدة الناسور بمستشفى الثورة العام بالعاصمة صنعاء، الدكتورة بلقيس الجيلاني، أن السبب الرئيس لحدوث الناسور الولادي هو الولادة المتعسرة، نتيجة عدم وجود مراكز صحية، تضم كوادر صحية مؤهلة، وكذا صعوبة الوصول إلى المراكز الصحية، بالإضافة إلى قلة وعي الناس، وجهلهم بأهمية الرعاية الصحية للمرأة الحامل ومتابعة الحمل أولاً بأول.
وتضيف الجيلاني لـ” المشاهد” أن ناسور الولادة نوعان، الأول يحصل في المنطقة الواقعة بين المثانة والمهبل، والثاني يحصل في الأنسجة بين المستقيم والمهبل، لافتة إلى أن أغلب الحالات التى تصل إلى المستشفى، يكون فيها الناسور بالمستقيم، وأغلبها تأتي من القرى في محافظات كـ”عمران والحديدة والمحويت”.

تفاقم المرض نتيجة الحرب

تؤكد الدكتورة الجيلاني أن الظروف الاقتصادية المتمثلة في انقطاع الرواتب جراء استمرار الحرب، أسهمت في زيادة حالات الناسور وزيادة عدد وفيات الأمهات، نتيجة قلة الرعاية الصحية لهن، واهتمام رب الأسرة بتوفير قوت اليوم الضروري، وإغفال صحة المرأة.
ويمكن الوقاية من الناسور الولادي من خلال الرعاية الصحية للأم الحامل، متابعتها في أقرب مركز صحي يضم كادراً مؤهلاً، والمباعدة بين الولادة.
لكن زينب، خلال فترة حملها، كغيرها من النساء اللاتي يعشن في القرية، ظلت بدون رعاية طبية، إضافة إلى قيامها بأعمال جلب الماء والحطب على رأسها، ومساعدة زوجها في حرث حقول آخرين في القرية، كي يتمكنوا من إيجاد قوت يومهم.

عمليات جراحية مجانية

10 سنوات قضتها زينب مع زوجها، لم تشفع لها، إذ نبذها فور علمه بمرضها، وتزوج غيرها، وأخبرها بأنها “لم تعد تنفع أن تكون زوجة أو أماً”، ما ضاعف من حالتها النفسية، لكن والدتها تحملت مسؤولية رعايتها.
وتقول والدة زينب إن ابنتها دخلت في حالة نفسية صعبة، نتيجة مرضها الذي أخفته عن إخوانها، لخجلها منه.
واستمرت زينب في عزلتها دون أن تعلم أنها يمكن أن تشفى من المرض بعد إجراء عملية جراحية لها.
الحالة النفسية لزينب دفعت والدتها للبحث بخجل عما إذا كان هناك علاج لابنتها، ليخبرها أحد أقربائها في العاصمة صنعاء، أن هناك علاجاً لها، ويقدم مجاناً، خصوصاً بعد أن أكدت لها زينب رغبتها بالعلاج، قائلة: “أرغب في العلاج لنفسي أولاً، لكي أعيش كباقي النساء”.
ووفقاً لبيانات رسمية من جمعية القابلات اليمنيات، فقد تم إجراء 82 عملية من 2012 إلى 2014، وفي 2017 تم إجراء 28 عملية. فيما تم إجراء 44 عملية في 2018، و23 عملية عام 2019، ويتم التحضير لإجراء عمليات أخرى نهاية العام الجاري.
وتحتاج عملية الناسور إلى جراحين مدربين ومهرة.

وفقاً لبيانات رسمية من جمعية القابلات اليمنيات، فقد تم إجراء 82 عملية من 2012 إلى 2014، وفي 2017 تم إجراء 28 عملية. فيما تم إجراء 44 عملية في 2018، و23 عملية عام 2019، ويتم التحضير لإجراء عمليات أخرى نهاية العام الجاري. 

العودة للحياة الطبيعية

وتأسس مشروع وحدة الناسور في 2010، بهدف تدريب وتأهيل الكوادر الصحية على يد خبير دولي لإجراء تلك العمليات الجراحية التي بدأت منذ 2015 الى 2014، بحسب مختصة الصحة الإنجابية بصندوق الأمم المتحدة للسكان، الدكتورة أفراح ثابت، مشيرة إلى أنه تم علاج حالات سنوياً ما يعادل 50 و80 حالة.
وتقول نائبة رئيس وحدة الناسور، الدكتورة خولة اللوزي لـ” المشاهد” ، إلى أن الوحدة التي أنشأها صندوق الأمم المتحدة للسكان، تقوم بإجراء عمليات مجانية للمصابات بالناسور الولادي، وكذا تقديم الدواء والدعم النفسي لهن قبل وبعد إجراء العملية مجاناً، ويتم أيضاً متابعة كل حالة مدة 3 أشهر بعد العملية.
وتفيد الدكتورة اللوزي أن الحالة النفسية لمريضة الناسور تكون سيئة للغاية ومحطمة، خصوصاً بعد تخلي أغلب الأزواج عن زوجاتهم. لكن يتم تجاوز المرض من خلال تقديم الدعم النفسي لهن، وطمأنة المريضات بأن العلاج ممكن. وهو ما تم مع زينب التي أجرت العملية، وتماثلت للشفاء قبل أن تعود لحياتها الطبيعية.

وبعد عودة زينب إلى حياتها الطبيعية تظل تساؤلات لمريضات أخريات هل يمكن أن نشفى من مرض يصعب البوح به؟