صنعاء القديمة

بالصور.. لماذا تعد "صنعاء القديمة" في خطر الإزالة من قائمة التراث العالمي؟!

شذي الحطام – نقلا عن الأرشيف اليمني :

 

باب اليمن، المعلم التاريخي والسياحي الأشهر في مدينة صنعاء القديمة وأقدم أبواب اليمن، عمره أكثر من ألف عام، وهو المدخل الرئيسي لمدينة صنعاء القديمة، ويعد واحداً من سبعة أبواب -بعض الروايات تقول تسعة- لصنعاء القديمة.

كان هذا الباب واحداً من المعالم المهمة التي سهّلت دخول المدينة قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1986، كونها واحدة من أقدم المدن الحية في العالم ولأنها مدينة ذات بعد تاريخي بمميزاتها المعمارية الخاصة، إذ تعتبر صنعاء القديمة من المدن النموذجية للبناء البرجي، مثلها مثل مدينة شبام التاريخية، مع فارق أن شبام بُنيت من الطين بينما بُنيت صنعاء من الحجر إضافة إلى الطين.

قدّم البروفيسور رونالد ليكوك ملفاً تاريخياً معمارياً عن صنعاء القديمة إلى اليونسكو، تضمن جمال المباني وعمرها إضافة إلى العناصر المعمارية التي تشكّل الكتلة الهامة من المدينة والنسيج المعماري الداخلي كتخطيط عام، ما أدى إلى موافقة اليونسكو على ضم المدينة إلى قائمة التراث العالمي وجعلها مقصداً سياحياً للكثيرين. لكن الآن، وبعد ثلاثة عقود، تغيرت المدينة كثيراً بفعل الإهمال، والتجاوزات البنائية، والدمار الذي حل بأجزاء من الأبنية نتيجة الحرب المفتوحة التي تعصف باليمن منذ سنوات، ما أدى إلى وضع اليونسكو المدينة على قائمة الأماكن المهددة بالخطر.

يحمل باب اليمن اليوم الكثير من الملصقات العشوائية التي تشوّه جمال البناء، فضلاً عن الطلاء الملون الذي طمس المعالم الجمالية للبوابة اليمنية الأشهر.

الطراز المعماري

منذ تسجيل صنعاء القديمة في قائمة التراث العالمي وإنشاء “المكتب الفني للحفاظ على صنعاء القديمة”، والذي استُبدل لاحقاً بـ”المكتب التنفيذي” ومن ثم “الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية”، وحتى الآن، لا توجد أي دراسة أصلية نستطيع من خلالها معرفة ماهية المدينة، نسيجها العمراني، مكونات أبنيتها وكيفية تغيّرها خلال مئات السنوات.

أصبحت مدينة صنعاء القديمة عبارة عن استديو ضخم، يضم مجموعة من الصور العملاقة التي تم وضعها على المباني القديمة وعلى المنشآت الحكومية، فضلاً عن طلاءات بألوان مختلفة منثورة هنا وهناك

يرى خبراء أن دراسات كهذه ضرورية جداً عند التعاطي مع تراث ثقافي حساس، مثلما هو الحال في صنعاء القديمة: “إذ علينا أن نفهم كيفية تكوين المدينة وما هي المؤثرات البيئية والاجتماعية والروحانية والسياسية التي شكلت هذا النسيج وأيقوناته المعمارية الملفتة، كما علينا أن ندرك من أين جاءت جذورها وكيف تشكلت الزخارف الموجودة على الواجهات، سواء تلك الرأسية أو الأفقية أو الداخلية، إذ يوجد هناك الكثير من العناصر ذات الدلالات”، يقول المهندس المعماري ومستشار الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية، ياسين غالب، ويضيف من خلال حديثه عن مميزات البناء الصنعاني: “المبنى التقليدي الصنعاني المبني من المواد المتوفرة بيئياً وهو الحجر البازلتي (المسمط والمسامي) المعروفة بالحبشي أو النقمي، وكذلك الأحجار السوداء والياجور، وهي مواد طبيعية من البيئة المحيطة، وهي متجانسة فيما بينها”. يضيف غالب أنّ الكثير من المباني الصنعانية لها تموقع مذهل، فمثلاً دائماً ما تكون المنطقة الشمالية من البناء باردة.

الإهمال سيد الموقف

تعد الميزانية المالية المنخفضة للهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية من أبرز العراقيل التي تواجه عملها، إذ يذكر الأستاذ عقيل النصاري، نائب رئيس الهيئة، أن الميزانية التشغيلية للهيئة منذ العام 2015 لا تتجاوز 270 ألف ريال يمني، أي ما يعادل حوالي ألف دولار أمريكي، في السنة الواحدة.

لا تمتلك الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية في اليمن أي “مخطط حفاظ” على صنعاء القديمة منذ نشأتها حتى اليوم، بسبب صراع المتنفذين في صنعاء، ولأن معظم صناع القرار السياسي في البلاد، على مر العقود الماضية، عطلوا القوانين المتعلقة بمخطط الحفاظ. ومخطط الحفاظ حسب عقيل النصاري يتكون من “مجموعة من الدراسات التي تبيّن مجموع القيم التي يحوز عليها مكوّن ما في أي مدينة، ما يساعد الجهات المعنية على معرفة كيفية الحفاظ على المكان”.

إذن، علام تستند الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية في عملها منذ ثلاثة وثلاثين عاماً؟

لم تمتلك الهيئة قانوناً من أجل الحفاظ على المدن التاريخية إلا في العام 2013 وذلك بعد أن تم عرقلة تشريع القانون في مجلس النواب لأكثر من اثني عشر عاماً، ولم يتم إقرار القانون إلا بعد خضوعه إلى الكثير من التشوهات من قبل نافذين في البرلمان ووزارة الثقافة آنذاك.

أي أن سبعة وعشرين عاماً -منذ أدرجت صنعاء على قائمة التراث العالمي وحتى عام 2013- من العمل داخل المدينة القديمة كان يتم بصفة غير قانونية، ما أدى إلى ولادة الكثير من المخالفات والخروقات والتشوهات داخل المدينة.

صدر القانون في العام 2013 دون لائحة تشمل أي توصيف وظيفي دقيق لشغل المناصب الفنيّة ومنهجيّة العمل داخل الهيئة، ودون وجود أي رؤية أو استراتيجية واضحة.

يرى ياسين غالب، المهندس المعماري والمستشار الفني للهيئة، أن القانون هو تشريع جامد لا يصح العمل وفقه بشكل مباشر، بل يحتاج إلى لائحة تساعد على تطبيقه، إذ إن اللائحة مهمة جداً لتفكيك نصوص القانون وجعله فعالاً بشكل أكبر: “دون اللائحة لا يمكن تطبيق النص الجامد أو النصوص العمومية”.

صنعاء القديمة في خطر

من ضمن شروط بقاء المدن القديمة على قائمة التراث العالمي، منع استحداث مبانٍ جديدة فوق المباني القديمة، كيلا يؤثر ذلك سلباً على النسيج المعماري، وفي حالات الترميم، يُمنع استخدام الإسمنت أو الحديد، من أجل الحفاظ على الطراز المعماري، لكن ما يحدث في صنعاء القديمة هو العكس تماماً، إذ استطعنا رصد أكثر من ثلاثين مبنى مخالفاً، في أحياء الأبهر، الدار الجديد، حارة معاذ، حارة سباء، حي الفليحي، الزمر وبستان الطاووس.

إقرأ أيضاً  حضرموت: رفع الجاهزية القصوى لمواجهة إعصار ( كيار )

بعض المباني شُيدت بالإسمنت والحديد وبعض المباني مستحدثة فوق البناء القديم. بعض الأبنية هُدمت بشكل كامل وأُعيد إعمارها بطراز جديد، وشُيدت طوابق إضافية في أبنية أخرى، وصل أحدها إلى إحدى عشر طابقاً. كل هذه مخالفات واضحة وصريحة وسط المدينة القديمة في ظل غياب شبه تام للجهات المعنية بالحفاظ.

يقسم الأستاذ جميل شمسان، مدير الدائرة الفنية في وزارة الثقافة والرئيس السابق لهيئة الحفاظ على المدن التاريخية، المخالفات المرتكبة داخل المدينة القديمة إلى ثلاثة أقسام، وفق الشكل الموضح في الصورة.

يرى المهندس غالب ياسين المخالفات من منظور مواز لشمسان، فيقول لنا: “بعض المخالفات عند البسطاء تكون ببساطة إمكانياتهم، المشكلة في المخالفات تكمن لدى الجهات التي تدّعي أنها تحافظ على المدينة”. ويضيف السيد شمسان: “التجاوزات التي تحدث من قبل مكاتب الدولة والنافذين أدت إلى تسهيل المخالفات والتجاوزات من قبل المواطنين”.

غياب معنى “الحفاظ” عند مؤسسات الدولة

يختلف جميع من قابلناهم في الطرح لكنهم متفقون، بشكل أو بآخر، على أن الفساد الكبير يكمن بين أجهزة الدولة، تلك التي لا تعي المعنى الحقيقي للحفاظ على المدن القديمة والتاريخية، فيرى عقيل النصاري أن توعية موظفي الدولة والمتنفذين واجبة، ويؤكد ياسين غالب أن الدولة، والقيادة بشكل عام، ليست مؤهلة في هذا الجانب.

ويختصر جميل شمسان المشكلة بقوله: “عندما يهم رجال أمن من حراس المنشآت بإيقاف مخالفة ما، ويجدون المخالف مسؤولاً كبيراً في الدولة ومن يحرسه هم الشرطة العسكرية، يؤدي هذا إلى عدم قدرتهم على تنفيذ أي عملية إزالة أو إيقاف للمخالفة”.

يقول لنا إياد أحمد، مدير وحدة البحث في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان: “إن الحديث عن بنية تحتية معنية بالتراث ضعيفة جداً، البنية التحتية للدولة التي يفترض أنها تولي بالغ الاهتمام بالآثار والتراث اليمني هي ضعيفة أساساً، والحرب ضاعفت هذه المشكلة بشكل كبير”.

من ضمن شروط بقاء المدن القديمة على قائمة التراث العالمي، منع استحداث مبانٍ جديدة فوق المباني القديمة، كيلا يؤثر ذلك سلباً على النسيج المعماري، وفي حالات الترميم، يُمنع استخدام الإسمنت أو الحديد، من أجل الحفاظ على الطراز المعماري، لكن ما يحدث في صنعاء القديمة هو العكس تماماً

لا تمتلك الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية في اليمن أي “مخطط حفاظ” على صنعاء القديمة منذ نشأتها حتى اليوم، بسبب صراع المتنفذين في صنعاء، ولأن معظم صناع القرار السياسي في البلاد، على مر العقود الماضية، عطلوا القوانين المتعلقة بمخطط الحفاظ

مخالفات داخلية وقصف خارجي

أصبحت مدينة صنعاء القديمة عبارة عن استديو ضخم، يضم مجموعة من الصور العملاقة التي تم وضعها على المباني القديمة وعلى المنشآت الحكومية، فضلاً عن طلاءات بألوان مختلفة منثورة هنا وهناك.

يعبر إياد أحمد عن استيائه مما حدث لصنعاء القديمة فيقول لنا: “لقد لحق بتجانس صنعاء اللوني والتصميمي الكثير من العبث، صور كبيرة علقت على أسوار المدينة وعلى بيوتها وعلى بواباتها، وهذا تهديد كبير يعرّض صنعاء للضرر”.

بالإضافة إلى ذلك، فقد تعرضت صنعاء القديمة لاستهداف مروع قامت به طائرات التحالف العربي بقيادة السعودية، فقد استهدفت مباني المدينة القديمة بثلاث غارات جوية، الأمر الذي دفع بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو، إلى نشر بيان يذكّر بوجود صنعاء القديمة في قائمة التراث العالمي وأنها الآن مدينة مهددة.

تعرضت صنعاء القديمة لاستهداف مروع قامت به طائرات التحالف العربي بقيادة السعودية، فقد استهدفت مباني المدينة القديمة بثلاث غارات جوية 

بسبب كل هذه التجاوزات، وبسبب استمرار وتيرة الحرب بين الأطراف التي لا تهتم بنداءات الحفاظ على المدينة القديمة، سجلت صنعاء القديمة، واحدة من أبرز المعالم التاريخية في اليمن، ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالدمار والإتلاف.

لكن، ورغم وجود اليمن في هذه القائمة إلا أن عقيل النصاري يرى أن صنعاء لا تعاني من أي تهديد أو خطر من إزالتها من قائمة التراث العالمي، رغم كل المخالفات، وذلك لأن اليونسكو لم تقم بشطب أي مدينة تاريخية من القائمة قبل الآن، ويقول لنا خلال لقائنا به، إن الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية تقدمت بطلب ضم المدينة إلى قائمة الخطر، “كي يلتفت العالم إلى العدوان الذي يهدد صنعاء القديمة”.

المالك يفعل في ملكه ما يشاء

يرى بعض أصحاب البيوت في صنعاء القديمة، ممن قابلناهم، أنهم غير مجبرين على الالتزام بنمط حفاظ معين لمنازلهم في المدينة التاريخية، طالما لا توجد جهة تقدم لهم خدمات الإصلاح والترميم والصيانة الدورية.

وخلال تجوالنا في المدينة القديمة لاحظنا وجود الكثير من الأبنية العشوائية والمحلات التجارية التي افتتحت في المنازل. عزا البعض الأمر إلى اقتداء سكان المدينة بالتجار الكبار الذين افتتحوا مولات في السوق الكبير، وهو ما كان محرّماً في السابق، لأنه يشكل خطراً كبيراً على هوية هذه المدينة المتفردة، وقد حمل البعض المسؤولية للسلطات بشكل مباشر.

مشكلة بناء محلات في المنازل هي إضعاف أساسيات البناء أو تقليل المساحات الحاملة للأوزان، ما يتسبب في حدوث تشققات في الأبنية، وهذا ما يعرضها للدمار في أي لحظة، لكن رغم ذلك ما تنفك المخالفات تزداد باطراد، يوماً إثر يوم.

قال لنا أحد السكان، والذي فضل عدم ذكر اسمه، إن البيت الذي يسكن فيه كان بيت جده، وهذا هو الجيل الثالث من عائلته التي تعيش في هذا البيت منذ سبعين سنة: “تأتي السيول، يأتي الصيف فالشتاء فالصيف ولا أحد يهتم بأحوالنا. نشكو أحوالنا للهيئة فلا تهتم، نقول لهم بيوتنا تحتاج إلى ترميم، المياه تدخل بيوتنا، لكن لا أحد يهتم بنا، وحين نصلح بيوتنا بأنفسنا يأتون إلينا ويقولون: أنتم مخالفون”.