ترجمة: عربي بوست
بعد أربعة أعوام ونصف من توريط الأمير محمد بن سلمان السعودية بأكثر الحروب كارثية في تاريخها المعاصر، يتطلَّع ولي العهد السعودي إلى شقيقه الأصغر، خالد بن سلمان، كي يخرجه من هناك، فهل يستطيع الأمير خالد تحقيق السلام باليمن؟
وعلى العكس من المرات السابقة، فإن محاولات تحقيق السلام في اليمن التي يشارك بها الأمير خالد تحظى بفرص أفضل هذه المرة، رغم أنها تظل غير مضمونة، بحسب ما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
إنه يقود محادثات رفيعة المستوى
سافر خالد بن سلمان إلى العاصمة العُمانية مسقط الأسبوع الماضي، كي يلتقي السلطان قابوس بن سعيد لتمهيد الأرض أمام مباحثاتٍ رفيعة المستوى مع الحوثيين المدعومين من إيران، وهم الذين انتزعوا السيطرة على القصر الرئاسي اليمني، في يناير/كانون الثاني 2015، ما أجبر الرئيس المدعوم من السعودية عبد ربه منصور هادي على الفرار من العاصمة صنعاء. يُمثِّل اللقاء تتويجاً لأكثر من ثلاث سنوات من المباحثات المباشرة المتكتِّمة للغاية والسرية في معظمها، بين المسؤولين السعوديين والحوثيين.
قال أبوبكر القربي، وهو وزير الخارجية اليمني السابق، إنَّ مهمة الأمير الدبلوماسية في عُمان ترسل «إشارة قوية» على حدوث تحول في سياسة الحرب السعودية، تعكس «التزاماً بتحقيق سلامٍ نهائي شامل… وإدراك بأنَّه لا يوجد حل عسكري للصراع. أعتقد أنَّ الأمير خالد بن سلمان كما آمل قد جاء برؤية جديدة لوضع حدٍّ لحربٍ مكلفة أوجدت حالة كبيرة من عدم الاستقرار في المنطقة».
وحصل الأمير السعودي الشاب على تكليف من أخيه للتفاوض على وضع حدٍّ للحرب، التي بدأت قبل قرابة خمس سنوات، في وقتٍ باتت فيه التكلفة السياسية والعسكرية والإنسانية للصراع غير قابلة للاستمرار أكثر فأكثر، في حين تعزز فيه إيران تعاونها العسكري مع الحوثيين، في حين تبذل الرياض جهداً مضنياً للصمود في صراعها هي نفسها الإقليمي على القوة مع طهران.
ولاقت مساعي إنهاء حرب اليمن زخماً عقب سلسلة من الهجمات على الأراضي السعودية، بما في ذلك هجمات سافرة بالصواريخ وطائرات دون طيار على منشآت النفط السعودية، في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، تسبَّبت في تقليص إنتاج المملكة من النفط الخام مؤقتاً بمقدار النصف، بعدما كشف هشاشة المملكة الغنية بالنفط.
تبنَّى الحوثيون المسؤولية عن الهجمات، لكنَّ السعودية والولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى تقول إنَّ إيران إمَّا شنَّت الهجمات الصغيرة المزعجة أو أمدَّت الحوثيين بالأسلحة والتدريب اللازمين لشنِّها.
لقد أغرقت الحرب اليمن، الذي كان يُعَد بالفعل أفقر البلدان في الشرق الأوسط عند بدء الحرب، وأدخلته تقريباً في جحيم، فبات أكثر من 10 ملايين شخص في خطر المجاعة، وأكثر من 80% من السكان -نحو 21 مليون شخص- بحاجة لمساعدة إنسانية.
السعودية تدفع ثمن حرب اليمن واغتيال خاشقجي
وأدَّى الصراع، إلى جانب إعدام السعودية خارج نطاق القضاء للكاتب بصحيفة The Washington Post جمال خاشقجي، العام الماضي، إلى تمزيق علاقة الرياض مع الكونغرس الأمريكي وتقويض مساعي ولي العهد لتصوير المملكة الخليجية باعتبارها دولة حديثة حيوية قادرة على تطبيق الإصلاحات الثقافية والاقتصادية والدينية التي تصوَّر تطبيقها بحلول العام 2030.
وألقت الحرب بظلالها كذلك على خططه لإطلاق عملية طرح عام أوليّ لشركة أرامكو التي تديرها الحكومة، وهي أكثر شركات النفط ربحية في العالم، ولإظهار صورة تحديثية للسعودية في المناسبات الدبلوماسية رفيعة المستوى، مثل قمة مجموعة العشرين التي ستستضيفها الرياض للمرة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
الأمير الصغير جديدٌ في اللعبة.. وهكذا تصدر قضية خاشقجي
تشكل المبادرة الدبلوماسية اختباراً لخالد بن سلمان، وهو صانع سلام شاب ويفتقر نسبياً إلى الخبرة.
ولقد تم تعيينه سفيراً للسعودية لدى الولايات المتحدة في أبريل/نيسان 2017، حين كان لا يزال في أواخر العشرينيات من عمره.
لكنَّ تعاطيه مع رد الفعل السعودي على اغتيال خاشقجي طغت على فترة عمله في واشنطن. ووصفت صحيفة The Washington Post إنكاره المتكرر، والذي تبيَّن في نهاية المطاف خطؤه، لضلوع السعودية باعتباره «حملة أكاذيب ملحمية».
النصر لن ينسب له.. لماذا وصل إلى هذا المقام الرفيع؟
يقول جيرالد فايرستاين، وهو سفير أمريكي سابق لدى اليمن: «إنَّه جديد نسبياً في اللعبة. هو ذكي بصورة معقولة وذو شخصية جذابة، ومن الواضح أنَّه مقرب جداً لشقيقه الأمير محمد، وأعتقد أنَّ هذا هو سبب وجوده الحقيقي في موقعه، بالإضافة إلى حقيقة أنَّه يتحدث بلسان كلٍّ من والده وشقيقه».
وعُيِّن في شهر فبراير/شباط الماضي نائباً لوزير الدفاع، متولياً مسؤولية إدارة الأولوية الأمنية الأولى بالنسبة للسعودية: الحرب في اليمن.
ووفقاً لأكثر من 12 مراقباً دبلوماسياً ومسؤولاً أمريكياً وأجنبياً وخبيراً تحدثوا لمجلة Foreign Policy الأمريكية من أجل هذه القصة الخبرية، لا بد أن يتوصل الأمير خالد بن سلمان لاتفاق لإخراج السعودية من الحرب المُؤذية لها، فيما سيتم تصوير أي اتفاق باعتباره نصراً سياسياً لشقيقه الأكبر.
وبالفعل حقق أول انتصاراته الدبلوماسية
حقق خالد بن سلمان في وقتٍ سابق من هذا الشهر نوفمبر/تشرين الثاني أول إنجازاته الدبلوماسية، فأشرف على اتفاقٍ لتقاسم السلطة في اليمن يهدف لإنهاء التقاتل بين حكومة هادي المدعومة سعودياً والمجلس الانتقالي الجنوبي الساعي للانفصال المدعوم إماراتياً. ويراهن السعوديون على أنَّ بإمكان الاتفاق إصلاح العلاقات مع الإمارات حتى يمكنهما تركيز انتباههما على التصدي للحوثيين.
يُنظَر إلى خالد بن سلمان، الذي تلقى تدريبه كطيار مقاتل في الولايات المتحدة، بين المسؤولين الأمريكيين باعتباره مشتغلاً رصيناً بالسياسة، يدرك تماماً المعايير الغربية.
وقال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية: «إنَّه في الواقع يُنصِت. ففي حين أنَّ البعض ينتظرون لمجرد رغبتهم في انتظار دورهم للحديث مجدداً، يبدو أنَّه يستوعب ما تقوله له، وفي بعض الأحيان يستمع إليه، بل وربما يُعدِّل تفكيره».
بينما ينظر إليه آخرون باعتباره مبتدئاً في السياسة يكمن نفوذه بالأساس في كونه عضواً بالأسرة السعودية الحاكمة.
وقارن مسؤول خليجي كبير الأمير الشاب بصورة سلبية بأقرانه في الأسرتين الحاكمتين في الأردن والمغرب، ورأى المسؤول أنَّ هؤلاء أكثر مهارة منه في شؤون الحكم والدبلوماسية الدولية.
وأضاف المسؤول: «إنَّه صغير جداً جداً، لكنَّ اسمه يمنحه قوة».
ولكن مشكلته تورطه في حملة الإنكارات المحمومة
غير أنَّ سمعة خالد في واشنطن تلطَّخت بسبب ما أفادت به بعض التقارير بشأن اتصالاته مع خاشقجي في الفترة التي سبقت قتل الأخير داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وفي الأسابيع التالية لاختفاء خاشقجي، شنَّ خالد حملة إنكارات محمومة تنفي أي علاقة للحكومة السعودية باختفاء الصحفي، وكلها ادعاءات اتضح عدم صدقها حين ظهرت تفاصيل عملية القتل الوحشية في القنصلية السعودية في إسطنبول.
وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ آنذاك، السيناتور الجمهوري بوب كوركر، إنَّ السفير السعودي الشاب «ليس له أي مصداقية» بعد هذه الحادثة.
وغادر خالد منصبه في فبراير/شباط الماضي، وسط غضبٍ في الكونغرس لم ينقض بعد.
لكنَّ دوره في الإشراف على رد السفارة السعودية في واشنطن على مقتل خاشقجي لم يؤثر على سُمعته في السعودية أو حتى في بعض دوائر واشنطن، إذ واصل كبار مسؤولي إدارة ترامب، بمن فيهم وزير الخارجية مايك بومبيو، الالتقاء بخالد هذا العام.
هل هو مُجهَّز للقيادة؟.. قصته مع الإف 15
نشأ خالد في ظل شقيقه الأكبر، الذي عيَّنه والده الملك سلمان ولياً للعهد، في يونيو/حزيران 2017. لكنَّه سلك مساراً مختلفاً للغاية عن الأمير الأكبر: تحصَّل على درجة البكالوريوس في علوم الطيران من كلية الملك فيصل الجوية قبل الانضمام لسلاح الجو الملكي السعودي. وتدرَّب على قيادة طائرة مقاتلة عسكرية في الولايات المتحدة، وقاد في نهاية المطاف مقاتلات F-15 أمريكية الصنع ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وفي الحرب في اليمن قبل أن تجبره إصابة في الظهر على توديع قمرة القيادة.
ومنذ صعود شقيقه في السلطة، يُجهَّز خالد ليضطلع بدور في القيادة. وبعد إنهاء مسيرته في الطيران، عُيِّن مستشاراً مدنياً كبيراً في وزارة الدفاع السعودية.
وفي عام 2016، انتقل إلى واشنطن للعمل بالسفارة الملكية والدراسة بجامعة جورج تاون. وبعد تعيينه سفيراً لدى الولايات المتحدة، وهو واحد من أهم المناصب الدبلوماسية في المملكة الخليجية، جلب معه فخامة نشأته الملكية إلى واشنطن، فانتقل إلى قصرٍ مترف بقيمة 12 مليون دولار خارج المدينة، وأفادت تقارير بأنَّ نفقاته خلال عامه الأول في المنصب بلغت 8 ملايين دولار.
وهذا موقفه من حرب اليمن
كان خالد، حين كان سفيراً، مسؤولاً عن كل تفاعلات السعودية مع الولايات المتحدة، لكنَّه كان يُركِّز بصفة خاصة على سياسة الرياض في اليمن.
وحين تولى منصبه نائباً لوزير الدفاع في وقتٍ سابق من هذا العام، أصبحت الحرب أولويته الأولى.
وقال أحد كبار مسؤولي إدارة ترامب إنَّ خالد كان «متقبِّلاً» للمخاوف التي أثارها المشرعون الأمريكيون بشأن التدخل العسكري الأمريكي في مناقشاته مع المسؤولين الأمريكيين حول الحرب المثيرة للجدل. لكنَّه جادل بأنَّ وجود أنصار الله (الحوثيين) على الحدود يُمثِّل «تهديداً وجودياً»، وأنَّه «أولوية الرياض رقم 1 و2 و3».
وقال المسؤول إنَّ مساعدة الولايات المتحدة في مهمتها لمكافحة تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية حلَّت دوماً في المرتبة الرابعة من الأولويات.
وأثار الكونغرس، على مدار السنوات العديدة الماضية، اعتراضاتٍ متكررة على المشاركة الأمريكية في الحرب باليمن، بما في ذلك بيع الصواريخ دقيقة التوجيه للسعوديين والإماراتيين وتقديم الولايات المتحدة لعمليات إعادة التزود بالوقود في الجو دعماً للتحالف.
وأدَّى هذا إلى سلسلة من المواجهات البارزة بين البيت الأبيض من جهة، وهو المُحجِم عن التنازل عن أي إمكانية لدعم السعودية ومواجهة إيران، ومجموعة من مشرِّعي الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي غاضبة بشدة من دور السعودية في اليمن ومن قتل خاشقجي. ووفقاً للمسؤول بالإدارة، أوقفت الولايات المتحدة المساعدة المتمثلة في عمليات إعادة التزويد بالوقود للتحالف الذي تقوده السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لكنَّها لا تزال تقدم دعماً استخباراتياً محدوداً إلى جانب المشورة بشأن كيفية تجنُّب سقوط الضحايا المدنيين.
إنه مصمّم على هذا القرار بصرف النظر عن ضغوط الكونغرس
وقال المسؤول الكبير بإدارة ترامب إنَّ خالد أقل اكتراثاً بالتأثير الذي يتركه على الأرض تصويت الكونغرس على سحب الدعم الأمريكي المتبقي، الذي قد يكون ضئيلاً للغاية، مقارنةً باكتراثه بالرسالة السياسية التي سيرسلها ذلك.
قال المسؤول: «أي تصويت من الحزبين يتمتع بالأغلبية اللازمة لتحصينه من الفيتو الرئاسي الذي يمكن أن يستخدمه ترامب يحمل تهديداً بقطع الدعم الأمريكي للسعوديين، ويرسل رسالة سياسية بأنَّ السعوديين يفعلون شيئاً خاطئاً».
لكنَّ المسؤول شدَّد على أنَّ خالد أوضح دائماً للمسؤولين الأمريكيين أنَّه حتى لو سحبت واشنطن دعمها للحرب في اليمن، لن تُوقِف الرياض حملتها، لأنَّ «هذا هو التهديد الأكبر».
بعدما تجاهلت الانتقادات الدولية، لماذا قررت السعودية البحث عن السلام الآن؟
تمكَّنت السعودية طيلة سنوات من تحمّل موجات الانتقاد الدولي لتعاملها مع الحرب في اليمن، بما في ذلك حملتها الجوية هناك، والقصف العشوائي لأهداف مدنية، وفرض حصار على البلاد تسبب في تأجيج الأزمة الإنسانية.
لكنَّ المراقبين الدبلوماسيين يقولون إنَّ المملكة لم تبدأ الدفع بنشاطٍ في اتجاه السلام إلا بعد الهجوم الأخير على احتياطيات النفط السعودية.
كشف الهجوم ضعف المملكة المتنامي الناتج عن حربٍ جوية لم تتسبب حتى وقتٍ قريب إلا في تكاليف بشرية محدودة على المواطنين السعوديين.
لكنَّ موقف الرياض بات ضعيفاً بعد قرار شريكتها العسكرية الرئيسية، الإمارات، سحب قواتها وعقد سلام مع الحوثيين وداعميهم الإيرانيين.
وسحب السودان –الذي قدَّم نحو 40 ألف جندي في حملة اليمن- مؤخراً بضعة آلاف من القوات من اليمن، معظمهم أفراد في قوات الدعم السريع شبه العسكرية.
وكان عضوٌ آخر بالتحالف، المغرب، قد سحب بالفعل قواته من اليمن في وقتٍ سابق هذا العام.
وأظهر الحوثيون، بدعمٍ من إيران، قدرة متزايدة على النجاح في نقل الحرب إلى العاصمة وحقول النفط السعودية، فشنَّوا هجوماً صاروخياً على مطارٍ دولي بالرياض في مارس/آذار 2018.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، استُخدِمَت طائرات بدون طيار لإخراج منشأتي أبقيق وهجرة خريص التابعتين لشركة أرامكو من الخدمة، ما بعث بموجات صدمات في أوساط أسواق النفط العالمية وقلَّص مؤقتاً إنتاج المملكة النفطي بمقدار النصف.
وتبنّى الحوثيون مسؤولية الهجوم، ولو أنَّ المسؤولين الأمريكيين والسعوديين يعتقدون أنَّ الهجوم قَدِمَ من شمال السعودية وجاء مباشرةً من إيران.
لقد صدمهم موقف ترامب
اختارت إدارة ترامب بعد الهجوم عدم استخدام القوة العسكرية للرد على التهديدات الإيرانية ضد حلفائها الخليجيين. ووفقاً لبعض الخبراء، فاجأ هذا بعض المسؤولين السعوديين وأزعجهم.
وقال فايرستاين، السفير السابق لدى اليمن: «حقيقة أنَّ الولايات المتحدة لم ترد بقوة على أيٍّ من تلك الاستفزازات الأمر الذي يبعث للسعوديين والإماراتيين بإشارات تفيد بانَّهم لا يمكنهم حقاً الاعتماد على الولايات المتحدة لضمان أمنهم، وبالتالي يحتاجون لإيجاد سبيل لتهدئة التوترات في اليمن».
وقال المسؤول الكبير في إدارة ترامب إنَّ عدم رد الولايات المتحدة على هجوم أرامكو، إلى جانب حملة الضغط الأقصى التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تسبَّبا في زيادة الضغط على الرياض لإنهاء حرب الوكالة في اليمن.
وأضاف أنَّ المسؤولين السعوديين اتخذوا خطوات في الأسابيع الأخيرة للتواصل مع الإيرانيين مباشرة لمحاولة تخفيض التوترات.
وقال المسؤول: «هدفهم الأساسي الآن هو تخفيض مشاركتهم باليمن، ودفع الحوثيين لوقف كونهم قوة وكيلة لطهران بصورةٍ ما، حتى يمكنهم التعامل مباشرةً مع إيران».
وأضاف المسؤول أنَّ السعوديين حسبوا أنَّ الرياض، وليست واشنطن، هي مَن ستتحمل عبء حملة ترامب الاقتصادية ضد طهران.
القناة الخلفية التي كان السعوديون متحفظين عليها
منذ بدء الحرب، كانت السعودية مترددة في الانخراط مباشرةً في مباحثات مع الحوثيين، لكنَّها نزلت على رغبة سلسلة من وسطاء الأمم المتحدة في إقامة مباحثات بين الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والحوثيين.
دعمت السعودية إلى حدٍّ كبير في أبريل/نيسان 2015 قراراًلمجلس الأمن الدولي يعترف بالرئيس عبدربه منصور هادي باعتباره الرئيس الشرعي لليمن ويطالب الحوثيين بالتخلي عن الأراضي التي سيطروا عليها وتسليم أي أسلحة استولوا عليها خلال السيطرة على صنعاء.
لكنَّ القربي، وزير الخارجية اليمني الأسبق، قال إنَّه بمرور الوقت، بات «واضحاً، ليس فقط للسعوديين بل وحتى للأعضاء الخمسة دائمي العضوية بمجلس الأمن الدولي، أنَّ القرار رقم 2216 كان غير واقعي… وغير قابل للتطبيق».
وفي غضون ذلك، أقام السعوديون بهدوء قناة خلفية سرية للتواصل مباشرةً مع الحوثيين حين ظهرت الحاجة لذلك.
محادثات واتساب مع الحوثيين
فتح السفير السعودي لدى اليمن محمد الجابر نقاشاتٍ مع كبير مفاوضي الحوثيين محمد عبدالسلام على هامش مباحثات السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة في الكويت عام 2016.
أدت تلك المباحثات إلى اتفاقٍ لوقف الأعمال العدائية وإقامة التهدئة والتنسيق بمدينة ظهران الجنوب السعودية، حيث كان الحوثيون والمسؤولون اليمنيون سيراقبون الامتثال لوقف العدائيات.
لكنَّ هذا التفاهم سرعان ما انتهى بعدما شن الحوثيون هجوماً صاروخياً على منشآت في يناير/كانون الثاني 2017، ما جمَّد القناة الدبلوماسية عملياً.
في غضون ذلك، استمرت الولايات المتحدة وبريطانيا في الضغط على السعوديين والحوثيين لإعادة فتح مباحثات في ظل استمرار الحرب وتدهور الأزمة الإنسانية. ووفقاً لثلاثة مصادر دبلوماسية تحدثت عن تفاصيل الاتصالات، كان السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل آرون، ينقل الرسائل ذهاباً وإياباً بين السعوديين والحوثيين.
واستمر خالد بن علي الحميدان، رئيس الاستخبارات العام السعودية، في تبادل رسائل الواتساب مع كبير المفاوضين الحوثيين محمد عبدالسلام.
مسقط قاعدة التفاوض غير الرسمية
ووفقاً لمصدر دبلوماسي، سافر في سبتمبر/أيلول الماضي نائب وزير خارجية الحوثيين بحكم الأمر الواقع حسين العزي براً إلى العاصمة العُمانية مسقط، التي استُخدِمَت باعتبارها قاعدةً دبلوماسية غير رسمية للحوثيين.
ويضيف المصدر أن الحكومة البريطانية في هذه الأثناء ساعدت على ترتيب رحلة طيران إلى العاصمة الأردنية عمَّان، وهناك التقى العزي مع نائب الحميدان. ورفضت الحكومتان البريطانية والسعودية التعليق على طلباتٍ للتعليق على المسألة.
وبعد فترة وجيزة من قمة عمّان، في العشرين من سبتمبر/أيلول، أعلن الحوثيون أنَّهم سيوقفون كل الهجمات العابرة للحدود ضد السعودية، وتعهَّدوا بتحويله إلى وقفٍ دائم إذا ما أوقف السعوديون الغارات الجوية.
لم يوافق السعوديون على وقف الغارات، لكنَّهم قلصوا عدد الهجمات الجوية على الأهداف الحوثية.
وواصل الحوثيون من جانبهم تصعيد الهجمات على المصالح السعودية. فعلى سبيل المثال، استولت قوات الحوثيين مؤخراً على سفينة سعودية، إلى جانب سفينتين أخريين، في البحر الأحمر.
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، ظل الحوثيون والسعوديون على تواصل متصل عبر مكالمات الفيديو على مدار الشهرين الماضيين.
وذكر التقرير أنَّ الجانبين يناقشان احتمالية إعادة فتح الحديدة الميناء اليمني الرئيسي في صنعاء، وإقامة مناطق عازلة بين مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن والحدود السعودية، والسعي للحصول على التزام حوثي بالنأي بأنفسهم عن إيران.
وها هو الوفد المصاحب للأمير يدخل في مفاوضات مع الحوثيين
وقال مصدران دبلوماسيان إنَّ مسؤولين سعوديين وحوثيين رفيعين عقدوا مباحثات مباشرة في مسقط على هامش لقاء خالد بن سلمان مع سلطان عُمان.
رحَّب حلفاء السعودية بمساعي التواصل هذه التي تقوم بها، وهم الذين سئموا خوض حربٍ بلا نهاية ويشعرون أنَّ الوقت حان لإبرام صفقة مع الحوثيين.
ويقول فيليب ناصيف، من منظمة هيومن رايتس ووتش: «وصلوا إلى هذه المرحلة؛ لأنَّ السعوديين والإماراتيين يواجهون سلسلة من العقبات غير المتوقعة في التدخل باليمن… بما في ذلك الحقيقة البسيطة بأنَّه لم يحدث تقدم عسكري لتغيير الوضع القائم لصالحهم«.
وصرَّح أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، مؤخراً للصحفيين بأحد المؤتمرات السياسية في أبوظبي، بأنَّ أي اتفاق «لابدَّ أن يأخذ في الاعتبار التطلعات المشروعة لكل أطراف المجتمع اليمني. ميليشيات الحوثي عاثت فساداً في البلاد، لكنَّها جزء من المجتمع اليمني وسيكون لها دور في مستقبله».
ولكن هذه المفاوضات أزعجت الحكومة الشرعية.. فهل يستطيع الأمير خالد تحقيق السلام باليمن؟
أزعجت القناة الخلفية بعض المسؤولين في الحكومة اليمنية المدعومة سعودياً، والذين جرى إبقاؤهم بعيدين عن المباحثات بدرجةٍ كبيرة.
وهمَّش هذه الاتصالات كذلك الوسيط الأممي، مارتن غريفيث، ولو أنَّ غريفيث دعم إلى حدٍّ كبير العملية على أساس أنَّها قد تساعد في إعطاء زخم لجهود وساطته.
قال مصدر يمني كبير: «أُخرِجَت الحكومة اليمنية من الصورة، وفي رأيي هذا خطيرٌ جداً»، مضيفاً أنَّه كان من المهم الحفاظ على دور الأمم المتحدة باعتبارها الوسيط الأساسي. وتابع: «إن لم تقُم بكل شيء بالشراكة مع الحكومة اليمنية، سينتهي بك المطاف منزلقاً بصورة أعمق وأعمق في الصراع«.
وأردف: «أي محاولة لإخراج عملية الأمم المتحدة عن مسارها… ستنتهي بقفزنا جميعاً إلى الهاوية».
ولا يزال المسؤولون الأمريكيون أكثر تفاؤلاً بشأن آفاق السلام. لكنَّهم غير مستعدين لتوقع إحراز نصرٍ دبلوماسي.
وقال المسؤول الكبير بالإدارة الأمريكية: «لا أحد يرغب في المبالغة بالتفاؤل، لكنني أعتقد أنَّ كل مَن أعرفهم يقولون إنَّ الأمر يسير بالاتجاه الصحيح».