كشف معتقل يمني تعرض للسجن لعدة أشهر في مطار الريان بحضرموت عن صنوف من التعذيب الذي طاله وآخرين على يد ضباط إماراتيين داخل زنازين المطار الذي تشرف عليه قوات من دولة الإمارات العربية المتحدة، وحولته لمعتقل منذ العام 2016.
وتحدث المعتقل لـ"الموقع بوست" بعد أيام من إطلاق سراحه مشترطا عدم التطرق لما يكشف هويته خوفا على حياته وملاحقته من جديد، موضحا أن القوات الإماراتية عندما أفرجت عنه أبلغته بأنه سيظل تحت مراقبتها، وحذرته من مغبة الحديث عما تعرض له للصحافة.
وتطرق المعتقل الذي ينتمي لإحدى المحافظات التي تتواجد فيها القوات الإماراتية لتفاصيل عن وسائل التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون أثناء التحقيق معهم من قبل الضباط الإماراتيين، والتهم الموجهة لهم، وظروف السجن، وأوضاع السجناء.
ومن وسائل التعذيب التي كشفها تسليط الكلاب البوليسية على المعتقلين، ونزع الأظافر، والاغتصاب الجنسي، وإدخال أدوات في مؤخرات بعض المعتقلين، والتعذيب باستخدام الكهرباء، والسجن الانفرادي، والاعتداء البدني، والحرمان من الزيارة.
وتشارك دولة الإمارات العربية المتحدة في التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن منذ مارس 2015، لمواجهة جماعة الحوثي ودعم الحكومة الشرعية، وتواجدت قواتها في محافظة حضرموت في العام 2016 عقب خروج تنظيم القاعدة من مدينة المكلا عاصمة المحافظة.
ومنذ تواجدها في مدينة المكلا أحكمت الإمارات قبضتها على المدينة من خلال قواتها المتواجدة هناك، واتخذت من مطار الريان قاعدة عسكرية لها، وحولته إلى معتقل يضم المئات من المعتقلين الذين اعتقلتهم طوال الفترة الماضية بذرائع عديدة، وترفض تلك القوات مغادرة المطار، وإعادة تشغيله أمام الرحلات المدنية.
بداية الاعتقال
ويحكي المعتقل الذي طلب حجب اسمه أن اعتقاله كان في شهر أكتوبر من العام 2018 من قبل جهاز الاستخبارات العسكرية التابع لقيادة المنطقة العسكرية الثانية في مدينة المكلا، والذي احتجزه لمدة أربعة أيام في سجن محلي بدون استجوابه أو توضيح أسباب اعتقاله، ثم أحاله إلى مطار الريان الخاضع لقبضة القوات الإماراتية.
في مطار الريان جرى وضع المعتقل -وفق روايته- في سجن انفرادي لمدة ستة أيام، بدون مباشرة أي تحقيق معه من قبل العاملين في السجن، وفي منتصف الليل من يومه السادس اقتاده المحققون إلى غرفة للتحقيق معه بعد وضع قطعة قماش على كامل وجهه ورأسه.
باشر التحقيق معه أحد الضباط، وأبلغه بأنه متهم بالانتماء لتنظيم القاعدة والعمل معها، ويحكي المعتقل لـ"الموقع بوست" بأنه تفاجأ بتلك التهمة، ورد على المحقق بنفي صلته بالقاعدة، مؤكدا بأنه عمل في حضرموت خلال سيطرتها على المدينة، كأي مواطن آخر، لكنه لم يرتبط بأي علاقة معها، شارحا أحواله الشخصية كرجل كبير في السن، ولديه عائلة.
ويشير المعتقل إلى أنه تعرف على هوية المحقق من خلال لهجته أثناء التحقيق معه، وأدرك أنه ضابط إماراتي الجنسية، ويتواجد إلى جانبه مجموعة من اليمنيين الذين استطاع تمييزهم أيضا من لهجاتهم المحلية، ثم تيقن من ذلك خلال المدة التي قضاها داخل السجن.
ويواصل حديثه قائلا إن المحقق الإماراتي طلب منه في بداية التحقيق الاعتراف بالانتماء لتنظيم القاعدة، والتوقيع على محضر اعتراف بأنه عضو في التنظيم، وأنه ارتكب أعمالا إرهابية مقابل تخفيف السجن عليه، ما لم فسيتعرض للتعذيب الذي يدفعه للاعتراف بالقوة.
ويوضح بأنه رد على المحققين بأنه لم يرتكب جرما يدفعه للاعتراف، وجدد كلامه بعدم وجود صلة تربطه بالقاعدة، وعدم انتمائه للتنظيم أو العمل معه، ويضيف: "في تلك اللحظة وأنا مغمض العينين تفاجأت بصب ماء ساخن على كامل جسدي حتى فقدتُ الوعي بشكل تام، ثم صبوا ماء باردا حتى صحوتُ واستعدتُ وعيي، وعادوا مجددا لمطالبتي بالاعتراف".
فظاعات التحقيق
وأشار إلى أن التحقيق مع المعتقلين يبدأ عند الساعة الواحدة ليلا، ويستمر حتى أذان الفجر، ويكون المعتقل حينها مغمض العينين، وعند الانتهاء يجري إعادة كل معتقل إلى مكانه، سواء في الزنزانة الانفرادية، أو الغرف الجماعية.
وذكر بأنه تعرض للضرب والجلد بالأسلاك في كل أنحاء جسده، والركل بالأقدام من قبل المحققين، ووجهت له الشتائم والألفاظ النابية خلال ساعات التحقيق معه، والتي كانت تشكل امتهانا لكرامته، واحتقارا لشخصيته، وإذلاله نفسيا.
وأمام إصراره على نفي التهم الموجهة له، ورفضه الاعتراف والإقرار بما لم يرتكبه، كشف المعتقل أنه تعرض في إحدى الليالي للتعذيب بالكهرباء التي جرى توصيلها بجسمه لمدة عشر دقائق كما يفيد، وبينما كان يصرخ ويتلوى من الألم الناتج عن تعذيبه بالكهرباء كان المحققون معه يطالبونه مجددا بالاعتراف أنه عضو في تنظيم القاعدة.
وإمعانا في دفعه للاعتراف تواصلت أساليب التعذيب التي تعرض لها خلال فترة التحقيق معه، وفي حزن يحكي المعتقل أن المحققين نزعوا أظافر أصابع يديه العشر، وأقدامه أيضا، في مشهد وحشي اختلط فيه الألم والدم والصراخ والبكاء، لكن دون أي رحمة من السجان.
ويضيف المعتقل بأنه تعرض في إحدى الليالي لما وصفه بالتعذيب الأشد فظاعة وفتكا، وقال بأنه أخرج من غرفة التحقيق مغمض العينين إلى غرفة أخرى، وتفاجأ بإطلاق مجموعة من الكلاب البوليسية قدر عددها من أربعة إلى ستة، والتي هاجمته بوحشية، ومزقت ثيابه، ونهشت في جسده، وأحدثت جروحا كبيرة في جسمه الذي تعرض لنزيف دموي، جراء هجمات الكلاب.
وأكد بأن التحقيق معه استمر على نفس الأسلوب والمعاملة لأكثر من خمسة وثلاثين يوما متواصلة، ومع كل طريقة تعذيب وحشية كانوا يكررون نفس الطلب بالاعتراف، ويرد عليهم بنفس الجواب بعدم وجود جرم ارتكبه، ونفي علاقته بتنظيم القاعدة.
عقب ذلك أودع في زنزانة انفرادية لمدة شهرين، وهي عبارة عن غرفة ضيقة تقع في طابق أرضي، قدر بأن مساحتها تصل إلى متر طول، ومتر ونصف المتر عرضا، وكان يحصل على وجبتين في اليوم، إحداها في الصباح، والأخرى في المساء، مع كأس واحد من الماء يقدم له عند الظهر، أما الصلاة فكانت ممنوعة عليه، وعلى بقية السجناء، من قبل القائمين على السجن.
بعد مرور شهرين على سجنه الانفرادي، يقول المعتقل إن إدارة السجن نقلته إلى غرفة جماعية (يطلق عليها عنبر) يتواجد فيها ما يقارب 36 سجينا كلهم يمنيون، ووجهت لهم من قبل المحققين نفس التهمة، وهي الانتماء لتنظيم القاعدة.
في السجن الجماعي
كان الخروج من الزنزانة الانفرادية لهذا المعتقل بمثابة الولادة من جديد، كما يصف ذلك، وأتاح تواجده مع آخرين في السجن الجماعي التعرف إلى سجناء آخرين، والاستماع إلى ظروف سجنهم، وما تعرضوا له داخل زنازين مطار الريان.
ويكشف المعتقل عن أشخاص جرى اعتقالهم وسجنهم من الطرق العامة لمجرد الاشتباه بانتمائهم لتنظيم القاعدة، ومرت على بعضهم شهور عديدة دون الإفراج عنهم، أو إحالتهم للجهات القضائية المختصة.
وأكد بأن الزيارات للسجناء ممنوعة من قبل إدارة السجن، التي ترد على بعض أقارب السجناء عند التردد على السجن للسؤال عن ذويهم بعد اختفائهم بعدم وجودهم داخل السجن، رغم وجودهم في الداخل، وقال إن أسرته لم تعلم شيئا عن اعتقاله ومصيره، وظلت تتردد على السجن من وقت لآخر، وبعد مرور شهرين على سجنه أخبرت إدارة السجن ذويه بوجوده في السجن، وسمحت لهم بزيارته.
ويسرد المعتقل في حديثه لـ"الموقع بوست" العديد من أساليب وقصص التعذيب التي تعرض لها سجناء داخل مطار الريان من قبل القوات الإماراتية التي تسيطر عليه، وهي جزء من القوات التي تعمل في اليمن بغرض مكافحة الإرهاب بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفقا لتقارير إعلامية وأمنية تحدثت عن علاقة التعاون بين الدولتين.
ويكشف المعتقل عن سجناء باتت أجسادهم تعاني من الجراح والتقيحات المستمرة جراء نهش الكلاب البوليسية لأجسادهم أثناء التحقيق، وآخرون سقطت أسنانهم، وأشخاص تعرضت أياديهم أو أذرعهم للكسر، وكل ذلك بسبب الضرب والركل الذي تعرضوا له أثناء التحقيق معهم بهدف انتزاع اعترافات منهم بأنهم أعضاء في تنظيم القاعدة.
وقال إن جميع المعتقلين تعرضوا للضرب بأسلاك الكهرباء، وصب الماء البارد والساخن على أجسادهم، مشيرا إلى أسلوب تعذيب آخر بواسطة الكهرباء، حيث يجري تركيب السلك الكهربائي في أصابع يد السجين، ثم يتم تشغيل الكهرباء، فتقذف بالسجين وترميه إلى مكان آخر، ناهيك عن كمية الألم الذي تتسبب به للشخص.
وهناك تعذيب من خلال ربط الأقدام على سطح الغرفة، ويكون رأس السجين للأسفل، وأحيانا يتم ربط الأيدي والأرجل مع بعض ويعلق السجين على سقف الزنزانة، ويستمر الوضع بالسجين على هذا الحال لساعات، ويطالب خلالها بالاعتراف من جديد.
ويكشف المعتقل عن تعرض معتقلين للاغتصاب الجنسي من قبل الجنود والمحققين في السجن، وتعرض آخرين لإدخال أدوات في دبرهم كزجاجات البيبسي لإكراههم على الاعتراف.
ويتحدث عن وجود العديد من السجناء الذين يقضون فترات طويلة داخل السجن، بدون تهم مثبتة وجهت لهم، ويذكر بأن القائمين على السجن يقدمون في السجن الجماعي ثلاثة وجبات للسجناء، أما الماء فيقدمونه من وقت لآخر، ويضيف شارحا الوضع الذي يعيشه المعتقلون: "إذا أردت أن تقضي حاجتك في دورة المياه يتم السماح لك مرة واحدة خلال أربعة وعشرين ساعة، وبعض السجناء اضطر للتبول فوق نفسه في ذات المكان الذي ينام داخل الزنزانة بسبب عدم قدرته على التحمل، وبعض الأوقات يقدمون سطلا (وعاء) ويرغمون من يريد الدخول للحمام على التبول بداخله أمام بقية السجناء، ويمنعون الخروج لدورة المياه بشكل تام".
نظام مغيب وسلطة مهمشة
ويشير المعتقل في حديثه وشهادته إلى غياب أي دور للأجهزة الرسمية في حضرموت تجاه تلك الممارسات، سواء القضاء والنيابة أو السلطة المحلية، موضحا بأن الجميع لا يستطيعون الحديث عما يجري داخل معتقل مطار الريان، بينما يتحكم الضباط الإماراتيون بكل شيء داخل السجن، ويرفضون الإفراج عن سجناء لم يرتكبوا أي جناية، ولا توجد عليهم أي قضية واضحة، بالرغم أن القضاء في المحافظة عاد للعمل كالمحاكم، لكن الإماراتيين لم يقدموهم لأي جهة قضائية أو محكمة، وفق تعبيره.
ويوضح بأن المسؤول الإماراتي هو من ينهي ويأمر ويحكم بنفسه وبمزاجه، وصار هو القضاء والمحكمة والنيابة وكل شيء، يدخل من يريد السجن ويفرج عمن يريد.
ويضيف: "كنا نقول لهم أن هنا (في اليمن) دولة وقانون وقضاء، وكان ردهم علينا: لايوجد شيء لكم هنا لا دولة ولا قضاء ونحن القضاء والنيابة، وليس لكم شيء نهائيا".
وقال بأن الضابط الإماراتي الذي يبدو في الثلاثينيات من العمر هو الحاكم الفعلي في ساحل حضرموت، وهو من يدير المحافظة، بينما المحافظ وقيادة المنطقة العسكرية والاستخبارات العسكرية ليس لهم أي نفوذ أو صلاحية أمام هذا الضابط الذي يصدر التوجيهات للجميع ويتحكم بهم، وهو ذاته من يدير المحافظة والموانئ والعمل التجاري الوارد للمحافظة وفقا لمزاجه الشخصي.
انتهاكات أخرى
ويشير المعتقل إلى أن الانتهاكات التي تمارسها القوات الإماراتية في حضرموت لا تتعلق فقط بما يجري من تعذيب وإخفاء قسري وتقييد للحريات داخل سجن مطار الريان، بل إن تلك القوات تسببت في حرمان المواطنين من أرزاقهم ودخلهم، على حد قوله، مستشهدا بمنع القوات الإماراتية للصيادين في منطقة شحيط التي تبعد أربعة كيلومترات من مطار الريان من ممارسة الصيد الذي يعتبر مصدر دخلهم اليومي، بحجة أن المنطقة مجاورة للمطار ولاينبغي لأحد التواجد فيها.
وذكر بأن رعاة الأغنام والمواشي في المنطقة القريبة من المطار جرى منعهم من الرعي والتواجد هناك، بمبرر الخطورة الأمنية، موضحا بأن بعض الرعاة تعرضوا للاعتقال وأدخلوا السجن بسبب رعي مواشيهم، رغم أنهم لا يشكلون أي خطورة، وتعودوا في السابق على التواجد هناك.
ويكشف بأن أحد الخطباء في المنطقة تناول في خطبته في عيد الفطر الأخير لما يتعرض له الصيادون، وبمجرد نزوله من المنبر جاءت أطقم تابعة للإماراتيين وأخذته إلى السجن في مطار الريان، وتعرض للتعذيب البشع علي يدهم، بسبب حديثه عن وضع الصيادين، وتطرقه لمعاناتهم وما يتعرضون له.
ويحكي المعتقل أن القوات الإماراتية منعت الاستيراد للبضائع عبر الميناء في المكلا، وتتذرع بأن الميناء مفرغا لمصلحة التحالف، وكشف عن احتجازها لبضائع بعض التجار في الميناء لأيام قد تصل لعشرين يوما، ثم يبلغون التجار بأن يذهبوا إلى ميناء الحديدة لإفراغ بضاعتهم، وهذا الأمر ولد معاناة كبيرة للتجار بسبب ارتفاع الكلفة العالية للذهاب إلى ميناء الحديدة لتفريغ البضائع، وانعكاس ذلك على أسعار السلع لاحقا.
وأكد في سياق حديثه بأن مطار الريان بات معتقلا بشعا وتمارس داخله انتهاكات غير طبيعية، وخارجه انتهاكات غير معهودة، ومن ذلك تعرض طالبات الجامعة اللواتي يتوجهن من مدينة الشحر إلى المكلا للتفتيش في الذهاب والإياب دون احترام لخصوصيتهن ولا للعادات والقاليد.
وأوضح بأن الاعتقالات في حضرموت من قبل القوات الإماراتية طالت نساء أيضا لأسباب غير معروفة، وأدخلن السجن في مطار الريان، ووصل الوضع وفق حديثه لدرجة ممارسة الدعارة من قبل الضباط الإماراتيين مع بنات وأولاد في المكلا وتم جلبهم من قبل المتعاونين معهم من اليمنيين، مقدرا أن عدد المعتقلين في السجن يصل إلى ثلاثة آلاف معتقل.
قصة الخروج
وعن قصة خروجه من السجن أفاد المعتقل بأن ذلك جاء في ظل عدم توقعه بعد المعاناة التي عاشها داخل السجن، وذكر أن ذويه ترددوا على إدارة السجن، وأبلغوه أنهم حصلوا على موافقة بإطلاق سراحه شريطة إحضار شخص معروف يوقع على ورقة كفالة تؤكد معرفته به، موضحا بأن الضباط الإماراتيين أبلغوه عند خروجه بأنه تحت الرقابة، وسيراقبون كل تحركاته.
وأشار إلى وجود سجناء يتم إطلاق سراحهم من وقت لآخر، لكن عددهم قليل جدا قياسا بالعدد الكبير للسجناء داخل المطار، داعيا منظمات حقوق الإنسان إلى التفاعل مع قضاياهم وما يتعرضون له.