من المنتظر أن تعلن شركة أرامكو السعودية في إطار الطرح الأولي للاكتتاب العام IPO عن سعر طرح أسهمها للتداول في 5 ديسمبر المقبل. فهل يتم هذا الطرح؟ وهل ينجح؟
في عام 2018 صرح الاقتصادي الأمريكي الشهير، نورييل روبيني، بأن الإفلاس ينتظر المملكة العربية السعودية، بعد أن شاهد مشروع الموازنة العامة السعودية لعام 2019، الذي توقع العجز في الموازنة أن يصل إلى 4.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي، على افتراض أن سعر برميل النفط سيظل عند مستوى 80 دولارا أمريكيا للبرميل الواحد.
لكن سعر البرميل في 2019 وصل لمستوى أدنى من ذلك بكثير، عند 64 دولارا للبرميل، في الوقت الذي وصل فيه عجز الموازنة في المملكة في ديسمبر عام 2018 إلى 9.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ولا يبدو أنه سوف ينخفض عن ذلك. على العكس، تتوقع الرياض أن يرتفع عجز الموازنة عام 2020 إلى 187 مليار ريال سعودي (49.86 مليار دولار)، من 131 مليار ريال متوقعة (34.93 مليار دولار) عام 2019.
باختصار، فإن الوضع الاقتصادي في المملكة العربية السعودية يتجه من سيء إلى أسوأ، بالنظر إلى ارتفاع حدة الكساد العالمي، الذي ينبئ بخفض حتمي لأسعار المواد الخام، بما فيها النفط.
إن السعودية دولة غنية، لكن المشكلة في أن جزءا كبيرا من ثرواتها مجمّد عمليا، فالرياض لا تستطيع استخدام جزء ضخم من احتياطياتها، ومن غير المعلوم ما إذا كانت ستتمكن من ذلك يوما.
ذلك أن الرياض لم تتعاف بالكامل من تبعات قضية خاشقجيعلى علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الاتهامات بالتأثير على السياسيين الأمريكيين لا زالت قيد المساءلة. وإذا كان ملف القضية الأوكرانية لا يحقق مآرب الحزب الديمقراطي في إطار محاولاته لعزل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فمن الممكن أن يتوجه الديمقراطيون فيما بعد إلى ملف السعودية. وعلى هذه الخلفية يمكن أن تكلف أي خطوة غير ودية للسعودية، بما في ذلك بيعها للسندات الأمريكية، ثمنا باهظا بالنسبة للمملكة.
بذلك فإن السعودية لا تعجز فحسب عن استخدام احتياطياتها، بل يتعين عليها أيضا رفع مساهمتها في الدين العام الأمريكي تعبيرا عن الولاء لواشنطن. وقد ارتفعت الاستثمارات السعودية في سندات الخزانة الأمريكية في الفترة من سبتمبر 2018 وحتى سبتمبر 2019 من 176.1 مليار دولار إلى 181.5 مليار دولار.
كما يجب أيضا ألا نغفل المشتريات "السياسية" للأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية بمبالغ ضخمة، وتكاليف الحرب في اليمن ودعم الحلفاء.
لقد وضعت هذه الظروف الرياض في خانة اليك، وأصبح عليها أن تبيع أسهمها، لكن حتى هنا تواجهها مصاعب، فالطرح الأولي للاكتتاب العام لأسهم الشركة السعودية الأكبر أرامكو، يطارده الفشل.
لقد قدّرت المملكة العربية السعودية سعر الشركة بتريليوني دولار، وهو ما لم تتفق معه البنوك الأوروبية، التي خفضت من تقدير سعر الشركة إلى أقل من 1.5 تريليون دولار.
وحينما واجهت الرياض هذا الموقف الفاتر من الغرب، أوقفت حملات الدعاية في الغرب وآسيا، وأعلنت أنها ستعرض أسهمها فقط في الخليج وداخل المملكة العربية السعودية. لكن الإمكانيات المالية في الخليج من الصعب أن تكفي للوصول إلى 25 مليار دولار التي تعول عليها الرياض.
وعليه تحولت الاستثمارات في أرامكو السعودية من عملية تجارية إلى قضية سياسية بحتة، تتطلب الحل على مستوى رؤساء الدول.
على الجانب الآخر تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بوضع اقتصادي أفضل كثيرا من السعودية. كما تمتلك أيضا حرية أكبر في الحركة، وتمارس استقلالا أوسع عن الولايات المتحدة الأمريكية. حيث خفضت الإمارات استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية تدريجيا، ليصل من 60 مليار دولار في سبتمبر 2018 إلى 37.3 مليار دولار، أي أنها خفضت استثماراتها بنسبة 38٪ تقريبا!
ويساعد الوضع الراهن، حيث المؤشرات الاقتصادية الرائعة للإمارات، وعلى العكس منها تزايد مصاعب المملكة العربية السعودية، في تحويل موازين القوى في شبه الجزيرة، وهو ما يزداد وضوحا في الملفات السياسية، بما فيها تزايد الدور المستقل والواضح للإمارات في اليمن.
في الوقت نفسه، فإن خفض أسعار النفط، مع الكساد العالمي لا يمكن ألا يطال حتى أغنى الدول في منطقة الخليج، فالنقود الفائضة حاليا لا توجد سوى في البنوك المركزية للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان، وهم يطبعونها بلا حساب.
وكما ظهر في البيانات الصحفية، فإن أبوظبي على استعداد لضخ 1.5 مليار دولار في أرامكو السعودية، لكن من الواضح أن هذه القيمة ليست كافية لإنجاح الطرح الأولي للاكتتاب العام، كما أن التكلفة السياسية لرفع مساهمة الإمارات قد تكون كبيرة.
من الصعب أن نتخيل ألا تكون قضية الاكتتاب العام لأرامكو السعودية قد طرحت على طاولة الحوار أثناء الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى الإمارات. لكن التصريحات الصحفية لم تشر إلى كلمة واحدة بهذا الصدد. وهو ما يشي غالبا بغياب أي نتائج إيجابية لهذا الحوار بالنسبة للسعودية.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف