التقارب السعودي – الحوثي.. الرابح، والخاسر الأكبر!

دى غريبا، بالنسبة لأغلب اليمنيين، التقدم السريع في الانفتاح والعلاقة بين مليشيات الحوثي والمملكة العربية السعودية، التي تدخلت في اليمن منذ مارس/آذار 2015، لاستعادة الدولة وإنهاء انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية.
 
فما حدث هو العكس. حيث بات من الممكن اليوم ملاحظة حدوث تغييرات في العلاقة بين الطرفين، اللذين خاضا محادثات سرية كثيرة سابقا، عبر وسطاء دوليين بينهم وعلى رأسهم الأمريكان، قبل أن تصل مؤخرا إلى شكل مفاوضات مباشرة بين الطرفين في سلطنة عمان.
 
وعلى الرغم من إدراك المملكة حجم الخطر الذي تشكله تلك المليشيات على أمنها، إلا أن ثمار ذلك التقارب المفاجئ ظهرت نتائجه منذ نحو شهرين، منذ توقفت هجمات الحوثيين ضد المملكة وفي الحدود بين البلدين، في مقابل توقف الهجمات الجوية السعودية، والتحالف بشكل عام، على مواقع الحوثيين في اليمن.
 
والأسبوع الماضي، ترسخت أكثر بعد موافقة التحالف على تسيير رحلات جوية، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، لنقل المرضى من صنعاء إلى الدول التي يمكن أن يتلقوا فيها العلاج المناسب لحالاتهم، حسب وصف الإعلان الصادر بهذا الخصوص. فضلا عن إطلاق السعودية سراح زهاء 200 أسير حوثي، وصلوا اليوم صنعاء الأسبوع الماضي، وهم يرددون صرخة الحوثيين المعروفة.
 
وأرجع مراقبون دوليون، ضمن أخبار وتقارير صحفية نشرت مؤخرا، هذا التقارب بعد تضرر المصالح الاقتصادية السعودية نتيجة القصف الجوي الذي طال مخازن نفط تابعة لشركة أرامكو السعودية عبر سرب طائرات مسيرة مع عدد من الصواريخ الصغيرة منتصف سبتمبر الماضي. وهو الهجوم الذي اتهمت بتنفيذه إيران، وتبناه حلفائها في اليمن: الحوثيون.
 

البحث عن مَخرج

في ضوء ذلك رأى المحلل السياسي عبدالباقي شمسان، أستاذ العلوم السياسية، أن مقايضة ذلك العدد من الأسرى دون مقابل، لا من قوات الشرعية أو الجيش السعودي، يدل على أن الرياض تسعى إلى إيجاد مخرجا مناسبا لها من حرب اليمن.
 
وقال شمسان، ضمن حديثه مع "يمن شباب نت"، أن الرياض تقوم بذلك، بعد أن أوجدت واقعا يخدم مصالحها الاستراتيجية. إذ عملت على إضعاف البلاد، بالتعاون مع الإمارات، وتهيئتها لأن تكون دولتين وربما عدة كيانات، فيحقق ذلك ما تسعيان إليه مع أمريكا ودول أوروبية أخرى مؤثرة.
 
وعن دلالة ذلك، يعتقد شمسان أنه يمهد للرأي العام الخطوات القادمة، وإثبات حسن نية الجانب السعودي في مسار السلام. كما يمنح الحوثيين مسوغات لإعلان مفاوضات مع الرياض، ستكون بين الطرفين بعيدا عن الشرعية، وتستجيب لمصالحهما فقط وليس لتطلعات الشعب.
 
ونوه شمسان إلى تحقيق الحوثيين كثير من المكاسب من إطلاق سراح أسرى منهم دون مقابل. فذلك يعني أن السعودية تهدف  إلى كسب ودهم، ثم الذهاب إلى عملية سلام معهم، كسلطة أمر واقع في الجغرافية اليمنية، تدير حياة المواطنين في جغرافيا صنعاء، وما حولها ومواقع سلطتهم، خاصة مع صمودهم في مواجهة التحالف خمس سنوات.
 

إهدار الفرص

ومع اندلاع عديد من الثورات في المنطقة العربية ضد وكلاء إيران في العراق ولبنان، وإمكانية استغلال ذلك لصالح المملكة، ضد وكلاء إيران في اليمن، يرى شمسان أن ذلك لو تزامن مع محاولة تفجير الوضع في صنعاء وتحرك الجيش، كان يمكن أن يخدم الشرعية والتحالف، بعد أن أصبحت طهران مستهدفة من الداخل ومشغولة بشأنها، وبالتالي يمكن الاستفراد بها، لكن ما حدث هو العكس، فقد أهدت الرياض الحوثيين قوة جديدة، برغم انخفاض معنويات أّذرع إيران.
 
واعتبر شمسان فتح مطار صنعاء تأكيدا على أن الرياض هي من تملك مفتاحه، متوقعا أن يتم- على المدى القريب أو المتوسط- إعلان مفاوضات مباشرة بين الجانبين، وقد يرد الحوثي بخطوات إعلان حسن نوايا للجانب السعودي، وأن يمهد نزول طائرة في المطار لمرحلة لاحقة تتمثل بإعادة إعماله في حال نجاح المفاوضات.
 
وخلص إلى أن السعودية والإمارات نجحتا في تحقيق أهدافهما، المتمثلة في إضعاف السلطة وتجزئة اليمن جغرافيا ومجتمعيا ومذهبيا. 
 

السلام بعيد المنال

بينما يعتقد الإعلامي عبدالله دوبلة أن خطوتي فتح المطار وإطلاق سراح الأسرى، يأتي في إطار المسار التفاوضي غير المعلن بين السعودية والحوثيين في سلطنة عُمان بوساطة مسقط وبريطانيا.
 
وتهدف المملكة، كما يضيف دوبلة لـ"يمن شباب نت"، من تلك الإجراءات إلى تحييد الحوثيين في صراعها مع إيران وتهدئه الجبهة اليمنية؛ لكنه يعتقد أن التوصل إلى اتفاق شامل ما يزال بعيد المنال، ولن يكون في متناول الرياض في الوقت الراهن.
 
وقال إن السؤال هو: "هل يقوم الحوثيون بتهدئة الجبهة في ظل اتفاق جزئي وليس شامل؟"، ليجيب: "لا أظن أن تلك الجماعة ستقبل بذلك، فهم يعتقدون أن الرياض في أضعف حالاتها، ويضغطون من  أجل اتفاق شامل".
 
وبرغم التقدم الحاصل بين الحوثيين والسعودية، إلا أن بعض جبهات القتال داخليا، لا زالت تشتعل بين وقت وآخر في بعض المحافظات، كالضالع وتعز والحديدة، وهو ما يؤكد أن الحال قد يبقى على ما هو عليه.
 
 فالمحادثات تلك، كما تؤكد المؤشرات الأولية ووفقا لحديث المراقبين، مرتبطة بالجانبين فقط، ولا يبدو أنها ستتوصل إلى إنهاء الحرب وفرض سلام دائم في اليمن.