عهد ياسين
يعتبر الشاي العدني سمة من سمات مدينة عدن التي عرفت الشاي بطقوسه الاجتماعية المحيطة بشربه طيلة القرنين الماضيين. وعدن كغيرها من المدن البحرية القديمة في العالم تتميز بالطقوس الثقافية الراسخة والعادات الثرية و المتنوعة نتيجة تفاعلها مع فضاء البحر المفتوح على قارات و أمم مختلفة .في أفريقيا و آسيا وحتى أوروبا ومن هنا تنوع المأكولات والمشروبات في مدينة عدن.
وفي هذه المدينة الساحلية الواقعة في الجنوب الغربي للجزيرة العربية تنتشر مئات المقاهي التي تُعطر الأحياء بالروائح الزكية وتزين الأزقة والشوارع بروح الشعب الحية. تتزاحم المقاهي، الحديث منها والقديم، في مديريات عدن الثمان كريتر و المعلى و التواهي و خور مكسر والبريقة و المنصورة و .الشيخ عثمان و دار سعد وتتميز كل واحدة من هذه المقاطعات الحضرية في عدن بطابعها المعيشي الخاص وبهويتها المكانية المميزة.
وتبلغ عدد مقاهي كريتر، طبقا لمكتب بلديتها، أكثر من 40 مقهى ونقطة بيع شاي. و تقدَّر إحصائية غير رسمية العدد الإجمالي لعدد مقاهي عدن ككل بأكثر من 350 مقهى ونقطة بيع شاي. ويزيد عدد أكشاك بيع الشاي عن المطاعم العادية وذلك كونه المشروب الحار المفضل الذي يتناوله أبناء عدن بشكل يومي.
الصورة بإذن من رحمن طه
ثلاثة أكواب من الشاي هو الحد الأدنى لتناوله يومياً حسب “الحاج علي أحمد”؛ أي في الصباح ومع حلول الظهيرة وفترة ما بعد العصر. غير أن البعض يذهب إلى أن ما يشربه في اليوم والليلة حوالي 5 أكواب من الشاي و يصل سعر الكوب الواحد إلى 50 ريالا يمنيا؛ أي أن قيمة 5 أكواب من الشاي تساوي دولاراً .أمريكيا واحداً
العم علي أحمد وهو من سكان حافة الطويلة بالمدينة القديمة يذهب إلى أن عشقه للشاي مرتبط بذكرياته الخاصة المتعلقة بأصدقاء زمن الشباب الذين كان يلتقي بهم على منضدة مقهى عبدان القديم بـ(حي الطويلة) أقدم أحياء عدن. و يقول العم علي: ” إن عددا كبيرا من مرتادي المقهى يتجاذبون أطراف الحديث باستمرار في شؤون الحياة المختلفة وخاصة تلك المتعلقة بالسياسة والثقافة والأدب والدين والفنون والموسيقى. وتعتبر هذه المقاهي محطة لالتقاء الأصدقاء وتبادل الهموم الشخصية والمشاكل المجتمعية وسرد ذكريات الماضي والزمن الجميل و بطبيعة الحال لا يغيب الحديث عن الزمن الحاضر وهمومه”.
وتجدر الإشارة إلى أن الشاي أتى إلى عدن من الهند عن طريق الهنود الوافدين إلى المدينة مع بداية القرن التاسع عشر و أشار بعض المؤرخين إلى .أن سكان المدينة تهافتوا عليه بعد أن عرفوه، وسرعان ما أصبح مشروبهم اليومي وللشاي العدني أسماء متعددة. وهي حسب المؤرخ العدني بلال غلام ” الشاي النُّص الذي يكون فيه اللبن زائد والشاي الجرو أي الرزين الذي يكون فيه اللبن ناقص والشاي العصلمي نسبة إلى التسمية التركية؛ أي العثماني ويعرف هذا الأخير عند سكان عدن بالأحمر الخفيف الذي يتم إعداده عن “.طريق غلي الشاي والماء معا فقط ويقول غلام أيضا “غير أن الشاي المعروف لدى عامة الناس هو الشاي الملبن الذي يتم إعداده عن طريق غلي الشاي ومن ثم يضاف إليه اللبن ليغليا معا على نار هادئة ، من ثم يضاف إليهما الحوائج المخلوطة؛ وهي جوز وهيل و قليل من الزنجبيل لمن أراد وذلك حسب الطريقة الهندية. و هناك طريقتان شائعتان لإعداده تختلفان باختلاف الأداة: أحدهما الغلي على الفحم (فوق المربخ ) والتي كانت تستخدم قديما، أو على نار البوتاجاز كما شاع في الأزمان الحديثة”.
و يتابع غلام “ويكمن السر وراء النكهة الطيبة للشاي في شيئين هما : أولا: فترة غليان براد الشاي التي يتقنها أهل عدن القدماء الذين عاشوا في القرن التاسع عشر والعشرين ، والتي تحتاج إلى خبرة طويلة. ثانيا: جودة مادة الشاي نفسها. وقديما كان أفضل أنواع الشاي في عدن عصب ولا نفسها.
الصورة بإذن من رحمن طه
وعن أهمية نوعية الماء من أجل إعداد شاي طيب في الأزمنة الماضية يقول غلام: “كان الوارد العدني، خلال فترة الاستعمار البريطاني، يجلب الماء المقطَّر ويموِّن مقاهي عدن من مصنع الفارسي للثلج والذي كان يقع في منطقة البمباء في أطراف ساحل صيره ، ليضيف نكهة خاصة للشاهي “.العدني. وكان لنوعية الحليب أيضا أهمية خاصة؛ فقد كان يجلب اللبن من زرائب البقر التي كان يتملكها بعض أهالي عدن هذا وكان عدد من عشاق الشاي العدني ورواده قد أقاموا بمنتصف شهر مايو من من العام الماضي 2016 على مدى يومين مهرجانا للشاي العدني استعرض القائمون عليه تاريخ الشاي العدني الأصيل ؛ أي مراحل تطوره منذ دخوله إلى المدينة، وقصص عشق المجتمع العدني للشاي على مدى عشرات السنين”.
وفي ساحة منارة عدن التاريخية التي تقع على ناصية المدينة القديمة (كريتر) أقام المنظمون المهرجان بحضور لافت لمواطنين قدموا من حافات( حواري) المدينة. ويعد هذا المهرجان الأول من نوعه من حيث ظرافته و اهتمامه بهذا المكون الثقافي للمدينة. وفي المهرجان أجريت مسابقة ثقافية بخصوص الشاي وما يتعلق به من ارتباطات ثقافية. وكانت جوائز الفائزين أكوابا من الشاي. وزع الشاي على الحاضرين ورافق ذلك عزف على آلة .العود ورقص أداه بعض الحاضرين تقول داليدا سالم منظمة المهرجان: ” تمتاز بعض المدن بعادات وتقاليد هي جوانب من هويتها الثقافية المميزة و تسعى إلى تخليدها وتجديدها لتجعلها مواكبة للحاضر. كما تسعى إلى ايصالها إلى مستويات عالمية لتصير رمزا يدل عليها، فمثلا نجد أن ايطاليا تشتهر بالبيتزا ، و اليابان بالسوشي .وهكذا.. وتشتهر مدينة عدن بطبخات معينة كالصيادية وكذلك اشتهرت عدن بالشاهي وعن تنظيم الحفل أردفت داليدا : ” أتت فكرة الاحتفال بيوم الشاهي العدني لتخليد هذا اليوم كذكرى يتم الاحتفال بها سنويا داخل اليمن وخارجها، وذلك من أجل الحفاظ على السمات الثقافية الخاصة بمدينة عدن و ايداعها في ذاكرة التاريخ، والمرجو أن تبرز عدن كاسم ينضم إلى صفوف المدن المتمسكة والمحافظة على إرثها وحضارتها وتاريخها”.
الصورة بإذن من رحمن طه
وتشكل المقاهي الجديدة الأغلبية العظمى بعدن؛ إلا أن المقاهي القديمة لها مذاق خاص عند روادها القدامى فثمة مقاهي ماتزال شاهدة على الموروث الثقافي لمدينة عشقت الشاي وربطت به منتدياتها الثقافية وجدالاتها السياسية. ومن تلك المقاهي مقهى الحاج “شوكة الصومالي” الذي كان في شارع الزعفران، ومقهى “زكو” و”الغبري” بشارع الميدان ، ومقهى ” فارع” الذي كان في شارع حسن علي وانتقل إلى الزعفران في بداية الثمانينيات، وكذلك مقهى “الصومالي” في المعلا، ومقهى “الدبعي” في التواهي ، ومقهى “الشجرة” في الشيخ عثمان”.
و ظهرت بعدها في ستينات القرن الماضي مقاهي عديدة مثل مقهى ” سيلان ” في شارع السبيل ، ومقهى ” سكران” في شارع الشيخ عبدالله وغيرها من المقاهي التي ظهرت فيما بعد. وتحتفظ مقاهي عدن القديمة برونقها وملامحها القديمة، فما تتناوله أيادي الرواد هو ” الجودة الأصلية” للشاي الذي لم يتغير على مر السنين. و اليوم لا يقتصر تناول الشاي وربطه بالنقاشات العامة على كبار السن في المقاهي القديمة فحسب، وإنما يشمل الأمر الشباب الذين يلتقون لاحتساء شاي السكران والشجرة وغيرها. ويصاحب ذلك أحاديث حول الحياة اليومية وهمومها والسياسة والتاريخ والدين. وبذلك فالمقاهي في عدن ليست فضاءات لتحقيق عادة استهلاكية لمشروب معين، بل هي حدث تتحدد فيه علاقات الناس وطبقاتهم وطبيعة همومهم”.