فاجعة سياسية شهدتها مدينة تعز اليمنية، بمقتل قائد اللواء 35 مدرع العميد عدنان الحمادي، وتلقي بظلالها على المدينة الأكثر تأثراً بالحرب الدائرة منذ سنوات، وسط سيل من التساؤلات تثيرها الحادثة حول الجهة المسؤولة عن الاغتيال، وما يمكن أن يؤول إليه الوضع في المحافظة، على صعيد صراع النفوذ بين التشكيلات العسكرية الموالية للشرعية، والذي وصل في بعض الأحيان إلى اشتباكات مسلحة خلال العامين الماضيين.
وعلى الرغم من الرواية المتداولة حتى مساء الثلاثاء، والتي تتحدث عن مقتل العميد الحمادي برصاص شقيقه الأصغر جلال، إلا أن مصادر محلية شككت بحديث لـ"العربي الجديد"، في الرواية، وأكدت أن الغموض لا يزال يكتنف الملابسات، وسط أنباء عن القبض على مشتبهين بالوقوف وراء العملية.
ويعد الحمادي قائد أول قوة عسكرية نظامية في تعز وقفت في طريق مليشيات جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائها خلال العام 2015، وصمدت قواته في لحظات عصيبة من الحرب الشرسة في المدينة وريفها، الأمر الذي جعل من اغتياله فاجعة بالنسبة لأعداد غير قليلة من اليمنيين ومن أبناء تعز خصوصاً، يرون الحمادي رمزاً عسكرياً للقائد الذي رفض التماهي مع الانقلابيين، وساهمت قواته بفعالية في جبهات متفرقة بالمدينة.
وخلال العامين الأخيرين على الأقل، انقسمت تعز والقوى العسكرية الخاضعة للشرعية إلى مركزين عسكريين، أحدهما يمثله الحمادي من خلال اللواء 35 مدرع، ومثل الشخصية التي تجمع حولها العديد من القوى، بما فيها التنظيم الوحدي الناصري، وحتى جزءا من السلفيين، في حين أن المركز العسكري الآخر يتمثل بمجمل القادة العسكريين المحسوبين على حزب الإصلاح والقوى المتحالفة معها وقائد اللواء 22 ميكا العميد صادق سرحان.
تنتشر قوات الحمادي في المديريات الجنوبية لتعز، حيث منطقة الحجرية، التي ينحدر منها الحمادي، ويمثل رمزها العسكري، ومن أبرز ما أثير حول اللواء، ضم كتائب "أبو العباس" وهو القيادي السلفي عادل فارع، الذي برز في البداية كقائد لـ"الجبهة الشرقية"، ولاحقاً جرى ضم قواته في إطار اللواء 35 مدرع، بالترافق مع حركة الترتيبات الخاصة بدمج المكونات المسلحة التي نشأت بمسمى "المقاومة الشعبية"، واُستوعبت في التشكيلات العسكرية التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية لاحقاً.
وبسبب صراع النفوذ العسكري في تعز، بين القيادات المحسوبة على الإصلاح وتضم قيادة محور تعز، من جهة، والقيادات المحسوبة على القوى الأخرى، على الجانب الآخر، فإن أبرز ما أثارته حادثة اغتيال الحمادي، الربط بين مقتله وأي دور محتمل لرفقاء السلاح بمواجهة الحوثيين، وهذا الجزء بالذات، سارعت بعض وسائل الإعلام المدعومة إماراتياً لإثارته، انطلاقاً من الخلافات المعروفة في مناطق سيطرة الشرعية، في حين رأى آخرون أهمية انتظار نتائج التحقيقات، وخصوصاً أن الحمادي كقائد ورمز عسكري في المحافظة، يمكن أن تُستغل حادثة اغتياله، لتأجيج الوضع المتأزم أصلاً، بمناطق سيطرة الشرعية داخل المحافظة.
وفي السياق ذاته، فإن الحديث عن اللواء 35 مدرع والصراع بين قوى الشرعية، يستحضر الدور الإماراتي، إذ كان خصوم اللواء يتهمونه بتلقي الدعم من أبوظبي على حساب تشكيلات أخرى، محسوبة على "الإصلاح"، ومع ذلك، فإن التصنيف على هذا النحو، يبقى الحلقة الأضعف، في مجمل معطيات الوضع في تعز، التي عانت مختلف التشكيلات العسكرية فيها من خذلان بدعم لاستكمال استعادة السيطرة على المحافظة، من أيدي الحوثيين.
من زاوية أخرى، من المتوقع أن يلقي اغتيال الحمادي بظلاله على خارطة التحالفات وأزمة الخلافات المستعرة بين مكونات الشرعية داخل المحافظة، التي تعد الأكبر يمنياً من حيث عدد السكان، وتشكل نتائج التحقيقات والمعلومات التي ستكشفها الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، عاملاً حاسماً في أي مواقف قد تتخذ في هذا الشأن، وما إذا كانت ستحسم توجيه أصابع الاتهام لأي الأطراف من عدمه.
الجدير بالذكر، أن تعز التي دفعت ولا تزال تدفع الثمن الأقسى للحرب منذ ما يقرب من خمسة أعوام، تنقسم حالياً إلى ثلاثة أجزاء، يقع الأول تحت سيطرة الحوثيين ويشمل أبرز مداخل المدينة ومنطقة "الحوبان" الاستراتيجية، في حين تسيطر قوات الشرعية من اللواء 22 ميكا واللواء 35 مدرع وغيرهما من التشكيلات الأمنية والعسكرية على وسطها ومديرياتها الجنوبية. أما الجزء الثالث فيتمثل بـ"المخا" وحتى باب المندب، وهي المناطق التي يتخذ فيها الوضع العسكري صيغة ثالثة، مرتبطة بمعركة "الساحل الغربي" وحتى أطراف الحديدة.
وتمثل الخلافات بين قوى الشرعية في المناطق غير الخاضعة للحوثيين أحد أبرز عوامل تأخير استعادة باقي مناطق المحافظة، وتمد من عمر معاناة السكان، المتضررين بحصار الحوثيين وبالجبهات المفتوحة للمواجهات، وصولاً إلى الألغام التي تنتشر في مساحات واسعة من المحافظة.