عدنان الحمادي

بكاه اليمنيون.. من الذي قتل حارس البُن؟!

كتب: وضاح الجليل

انتهج العميد عدنان الحمادي، مسيرة الأبطال، فأخرجوا رواية موته كرجل باهت؛ يعيش خلافات مالية أسرية تؤدي إلى قتله.
ثمة سؤال يقف على كل منعطف من منعطفات التاريخ اليمني الحديث، هو سؤال الاغتيالات، لماذا يتعايش اليمنيون مع الاغتيالات كأنها حتمية لا مفر منها؟! والمقصود بالتعايش هنا هو ذلك السلوك الذي لا يؤدي إلى الكشف عن مرتكبيها والمستفيدين منها وملابساتها وسيناريوهاتها، وكيف لا يتفقون على صيغة للتعامل معها؟!
يشير تاريخ الاغتيالات في اليمن إلى أنها جزء من حروبهم الطويلة، وهي الحروب التي لا تتوقف حتى في لحظات الاستقرار المزعومة؛ فإن الاغتيالات تكون هي شكل الحرب القائمة وأسلوبها المعتمد، فالنظام السياسي الاجتماعي الذي حكم اليمن اعتاش على الاغتيالات، فحولها إلى منهج حكم، وبالتالي أصبحت جزءاً من الحياة، لدرجة أنه لم يحدث حتى الآن أن تم التعامل مع قضية اغتيال واحدة بما يحقق العدالة، سواء كان ذلك التعامل قانونياً أو سياسياً أو اجتماعياً.
لكن حادثة اغتيال العميد عدنان الحمادي تأخذ طابعاً مختلفاً هذه المرة؛ وهذه المرة يمكن القول إنه تم اغتيال مشروع بأكمله في شخص واحد. صحيح أن هذه الجملة استخدمت كثيراً في التاريخ اليمني؛ إلا أنها في حالة الحمادي تتجاوز المجاز، لتصبح حقيقة ماثلة.

تاريخ الاغتيالات في اليمن إلى أنها جزء من حروبهم الطويلة، وهي الحروب التي لا تتوقف حتى في لحظات الاستقرار المزعومة؛ فإن الاغتيالات تكون هي شكل الحرب القائمة وأسلوبها المعتمد، فالنظام السياسي الاجتماعي الذي حكم اليمن اعتاش على الاغتيالات، فحولها إلى منهج حكم، وبالتالي أصبحت جزءاً من الحياة، لدرجة أنه لم يحدث حتى الآن أن تم التعامل مع قضية اغتيال واحدة بما يحقق العدالة، سواء كان ذلك التعامل قانونياً أو سياسياً أو اجتماعياً. 


ما يميز العميد عدنان الحمادي ليس فقط شجاعته، ولا تصديه للحوثي وصالح في وقت كان الجميع قد سلم بالهزيمة، ولا أنه توجه إلى ريف تعز لتأسيس قوات عسكرية وطنية تدافع عن الدولة ضد الانقلاب بإمكانيات بسيطة وأدوات قليلة؛ لكن بإدراك عميق بجلال المهمة وعظمة الحدث وتعقيد اللحظة؛ ثم نجح في ذلك.
مع الوقت، أصبح الحمادي عامل توازن داخل تعز وريفها، فهو وإن لجأ إلى مسقط رأسه لبدء هذا المشروع؛ إلا أنه لم يذهب هناك بدوافع مناطقية أو جهوية، وتشهد خطاباته والحوارات الصحفية والمتلفزة التي أجريت معه، طوال فترة نشاطه العسكري الموالي للدولة والجمهورية، أنه كان يتطلع إلى أفق وطني صَعُب حتى على الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية المختلفة أن تتجسده؛ إضافة إلى أن منطقة الحجرية التي ينتمي إليها الحمادي، تحوي الكثير من التعقيدات، وتتميز بتعدد الانتماءات السياسية وتداخل جميع الأطراف فيها، بما في ذلك أحد قطبي الانقلاب، وهو جناح الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي يملك مؤيدين كُثُراً في المنطقة، وتقودهم شخصيات اجتماعية وسياسية صاحبة نفوذ وتأثير كبيرين، ولديهم الخبرات والإمكانيات، وأيضاً خطوط التواصل مع مدبري الانقلاب ومخططيه؛ وكانت مدينة التربة مركز المنطقة، شهدت مواجهات بين مجاميع مسلحة هدفت إلى اختبار المنطقة من أجل سيناريو السيطرة عليها وجعلها طريقاً باتجاه المحافظات الجنوبية التي كانت مسرحاً للحرب وقتها؛ ومتظاهرين من أبناء المنطقة خرجوا لمواجهة تلك المجاميع، وإعلان رفض مشروع جماعة الحوثي والحرب، هذا إلى جانب أن المنطقة تمتلئ بالكثير من الأسر التي يعمل الحوثي على استقطابها بمشروعه السلالي، ويحاول تمويلها بالمال والسلاح، وتحظى هي بالوجاهة الاجتماعية الكافية للتأثير. وقد واجه العميد الحمادي كل تلك التعقيدات والتحديات بالصبر والحكمة والاتزان، وبقدر ما كان خطابه ونهجه يمثلان الحرص على حماية المنطقة من غزو مليشيات الانقلاب؛ كان مدركاً خطورة التباينات فيها، وإمكانية أن يكون اللعب على الوتر المناطقي سبباً في فشله وحدوث صراع داخلي، وأكثر من هذا؛ فإن نهجه القيادي لم يسمح بظهور خطاب مناطقي في المنطقة التي ظلت ترفد مختلف جبهات القتال ضد الانقلابيين في كل مكان وصلت إليه بالمقاتلين والمتطوعين في الأعمال اللوجستية.
وخلال الأعوام الأربعة التالية، وإلى جانب المواجهات ضد جماعة الحوثي جبهات متعددة على تخوم منطقة الحجرية التي حاولوا غزوها من أكثر من جهة؛ خاض الحمادي معركة أخرى ضد محاولات إيجاد انقسامات اجتماعية في منطقة الحجرية لإحداث اختراقات تؤدي إلى تفكيك الجبهة الداخلية، وقدم تنازلات كثيرة، منها الإفراج عن أشخاص متهمين بمحاولة اغتياله، واحتواء آخرين غير موالين له في وحداته العسكرية، وتعامل بحصافة مع محاولة أنصار الرئيس السابق صالح طرد قواته من المنطقة، ولاحقاً محاولة إحياء أربعينية مقتل صالح؛ فلم يسمح لهم باستفزاز المواطنين؛ وفي الوقت نفسه لم يسمح بردة فعل عقابية تجاههم سواء رسمية أو شعبية، ولم يتم استفزاز مشاعرهم برغم ما تحمله المنطقة من ثارات طويلة مع صالح ونظامه والمحسوبين عليه.
لكن الأسوأ من ذلك كانت محاولات صناعة انقسام في الجبهة الداخلية العسكرية؛ حيث تحمل الحمادي الكثير من الإساءات الموجهة لشخصه من جهات وشخصيات محسوبة على الجيش والحكومة وجبهة مواجهة الانقلاب، ولم تكن تلك الإساءات كلامية فقط؛ بل إنها تطورت إلى إجراءات إدارية، قبل أن تتصاعد لتصبح استفزازات عسكرية تهدف إلى تفجير مواجهات عسكرية مع الوحدات لعسكرية التي يقودها، أو إغراقها في الفوضى الأمنية التي تشهدها مدينة تعز ومناطق أخرى، وذلك لإيجاد مبررات لتنحيته من منصبه، أو وصمه بالتمرد على الدولة، والسيطرة لاحقاً على مناطق انتشار قواته، ضمن تنافس قائم بين قوى عديدة، وكان الحمادي واعياً لتلك المخططات، وأعلن في خطابات وحوارات صحفية وإعلامية أنه يتجنب أية مواجهات داخلية حفاظاً على الهدف الرئيس من المعركة، وهو مواجهة الانقلاب.
لا يمكن أن يكون اغتيال العميد الحمادي إلا جزءاً من سيناريو يتم إعداده بعناية بعد 4 أعوام من الحرب ضد الحوثيين، أنتجت انقسامات كثيرة داخل الجبهة المناهضة لهم ؛ مقابل استمرار هؤلاء في تعزيز نفوذهم؛ خصوصاً بعد إزاحة حليفهم صالح من المشهد، ووراثة الغالبية العظمى من مؤسسات نظامه ودولته ومناطق شعبيته العظمى، وفشل الجميع في بناء مؤسسات قوية، وعوضاً عن تعزيز هذه الجبهة لمجابهة تغول النفوذ الحوثي؛ حدث التنافس على المكاسب القليلة التي تحققت، والمناطق التي تحررت، وحيث إن اتفاق الرياض جعل المحافظات الجنوبية في حالة سكون لا تستطيع مختلف القوى العمل من داخلها في الوقت الراهن؛ وتحتاج إلى تعزيز نفوذها خارجها، وخصوصاً في المناطق القريبة منها، من أجل الإعداد لإعادة المنافسة عليها؛ فإن محافظة تعز، وهي العمق الاستراتيجي لتلك المحافظات؛ بحكم محاذاتها لها، وما تملكه من مخزون بشري، وطبيعة جغرافية متنوعة، وإرث سياسي واجتماعي متفرد؛ هي المجال الأكثر جذباً للاستقطابات، والأكثر إغراءً لدواعي الهيمنة، حيث يفترض كل طرف أن لديه ما يكفي من الشعبية في هذه المحافظة، أو الخبرة في التعامل معها.

استطاع العميد الحمادي إنتاج توازن اجتماعي داخل منطقة الحجرية من ناحية، ومثلت الوحدات العسكرية التي يقودها عامل توازن عسكري في المحافظة من ناحية أخرى، وهو ما يمنع حدوث استقطابات وتنافس قوتين إحداهما موالية للشرعية، وأخرى محايدة في موقفها منها بعد أن كانت طرفاً في الانقلاب. 


استطاع العميد الحمادي إنتاج توازن اجتماعي داخل منطقة الحجرية من ناحية، ومثلت الوحدات العسكرية التي يقودها عامل توازن عسكري في المحافظة من ناحية أخرى، وهو ما يمنع حدوث استقطابات وتنافس قوتين إحداهما موالية للحكومة ، وأخرى محايدة في موقفها منها بعد أن كانت طرفاً في جماعة الحوثي.
لدى القوى الموالية للحكومة مشروع خاص ضمن مشروع استعادة الدولة، وهو مشروع الهيمنة والاستئثار واحتكار الحكومة والدولة للدخول بعد ذلك في ندية ثنائية مع الحوثيين، بينما المحايدة تحاول الاستفادة من إرثها السابق في نظام صالح، واستغلال حالة الانقسام التي حدثت في صفوف الحكومة ذاتها، من أجل تسويق نفسها.
تعمل الأولى منذ البداية على إزاحة العميد الحمادي من المشهد، من أجل تفكيك وحداته العسكرية، وتحويل مناطق انتشارها إلى مناطق نفوذ لها، وتحويلها إلى نسخة من مدينة تعز بما فيها من فوضى أمنية؛ في حين ستبدأ الثانية في استغلال حادثة اغتياله لاتهام الأولى بتلك الجريمة، واستقطاب الغاضبين من الجريمة، وأغلبهم من أبناء المنطقة؛ إلى صفها لمواجهة الأولى باعتبارها هي منفذة الجريمة.
كان الوضع الحساس للعميد الحمادي منعه من إعلان موقف من أحداث أغسطس في عدن ومآلاتها، فقواته في مواجهة مباشرة مع الحوثيين من جهة، وفي حالة دفاع عن النفس من الاتهامات بمساندة المجلس الانتقالي جنوباً وموالاة القوى الإقليمية الواقفة خلفه، ومواجهة حالة الاستقطاب التي ينتهجها أنصار الرئيس السابق صالح، ومواجهة محاولات جره إلى صراع في منطقة الحجرية، وكانت جميع هذه القوى تطالبه بموقف مساند لها.
إذن؛ كانت عملية اغتيال العميد عدنان الحمادي ضمن مخطط للسيطرة على تعز؛ وهذا يجعل المشتبهين بالجريمة طيفاً واسعاً من القوى الداخلية والخارجية التي تسعى إلى تمييع طبيعتها المقاومة للمشاريع الصغيرة، وتطبيعها مع الفوضى، وإهلاك قوتها البشرية في معارك داخلية، أو استخدامهم كوقود في معارك الهيمنة في بقاع أخرى من البلد، وقد بدا الحمادي كآخر حارس للمحافظة من كل هذه المشاريع.
كانت عملية اغتيال بلغت فيها البشاعة ليتم إخراجها على يد شقيق البطل، فهكذا يتم نسف مكانته بين من ينظرون إليه كمنقذ.

نقلا عن: المشاهد