اتفاق السويد

عام على اتفاق "ستوكهولم".. تقدُّم إلى الوراء وإنجازات لا يراها سوى الطباخ "غريفيث"

عام كامل مضى على اتفاق "ستوكهولم"، والتقدم إلى الوراء هو سيد الموقف، وكأنه اتفاق تم ولكن مع وقف التنفيذ، فبدلاً من تحوله إلى طريق نحو السلام الشامل، بات يمثل حجر عثرة أمام أي تسوية سياسية في اليمن.

 

 الطباخ "غريفيث"

كانت ولا زالت محافظة الحديدة كمنفذ بحري حيوي وإيرادي، أحد أهم مصادر قوة جماعة الحوثي منذ سيطرتها عليها إثر تمردها على الشرعية اليمنية في 2014، ولتجريد الجماعة من هذه القوة، أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية، عن عملية عسكرية لتحرير الحديدة، في سبتمبر/أيلول 2018.

كانت القوات اليمنية التي يدعمها التحالف العربي، قاب قوسين أو أدنى على إحكام سيطرتها على الحديدة، فأعلن المجتمع الدولي النفير العام لإنقاذ جماعة الحوثيين تحت شماعة الوضع الإنساني، لأن إضعافها يمهد لوقف الحرب في البلد، وهو ما لا يريده الغرب حالياً لأسباب عديدة.

 

هرع مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، إلى الحديدة، نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2018، رغم أن المحافظة كانت حينها ساحة قتال مستعرة، وعقد مؤتمراً صحفياً قال فيه: "سنعمل لتجنيب الحديدة ويلات الحرب".

لم يعمل "غريفيث" لتجنيب محافظة تعز المحاصرة منذ 2015م ويلات الحرب والحصار، مثلاً، ولم يغامر أيضاً في زيارة منطقة يمنية تشهد معارك مسلحة بدعوى الوضع الإنساني كـ"حجور"، بخلاف الحديدة.

 

وعلى عجل، قام "غريفيث" بطبخة مسلوقة اسمها "ستوكهولم"، حيث شرع في عقد جولة قصيرة من المشاورات في السويد بين الحكومة اليمنية الشرعية، وجماعة الحوثي المتمردة، مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2018.

وفي الثالث عشر من الشهر نفسه، أعلن في العاصمة السويدية "ستوكهولم"، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش"، عن الاتفاق الذي حمل اسم المدينة، ولم توقع عليه الأطراف المتحاورة واكتفت بالموافقة الشفهية، وهذه من عجائب هذا الاتفاق الفريد.

 

ومنذ ذلك اليوم و"غريفيث" في جولات مكوكية شملت عدة عواصم عربية وغربية، لتنفيذ ولو بند واحد من الاتفاق، فقط لحفظ ماء وجه المبعوث الأممي الذي يمثل هذا الاتفاق الإنجاز النظري الوحيد له منذ استلامه المهمة في فبراير/شباط 2018.

 جردة حساب

عزز مجلس الأمن الاتفاق بقرار صدر عنه في 22 ديسمبر/كانون الأول 2018، وتضمن "ستوكهولم" ثلاثة محاور، الأول حول مدينة الحديدة وموانئها (الحديدة والصليف ورأس عيسى)، والمحور الثاني آلية تنفيذية لتفعيل اتفاقية تبادل الأسرى، والثالث إعلان تفاهمات حول مدينة تعز المحاصرة.

 

وفي جردة حساب سريعة لهذه المحاور الثلاث، يصعب العثور على منجز يمكن البناء عليه، فلا زالت الخروقات مستمرة حتى اللحظة في الحديدة، والقذائف تنهال على المدنيين باستمرار، والضحايا والأضرار يومياً.

 

ففي ليلة واحدة، الثلاثاء الماضي، تلقت الأحياء السكنية في مدينة حيس (جنوب الحديدة) أكثر من 40 قذيفة هاون. وفي تقرير حديث لمنظمة "أنقذوا الطفولة"، قال: "بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول 2019، قتل وجرح 33 طفلاً كل شهر في الحديدة بسبب الحرب".

 

وجرى تشكيل لجنة لمراقبة وتنسيق إعادة انتشار القوات في الحديدة، وتولى رئاستها الجنرال الهولندي "باتريك كومارت"، في ديسمبر/كانون الأول 2018، وبعد شهر واحد، قدم استقالته إثر تعرض موكبه لإطلاق نار من الحوثيين، بسبب الآلية المزمنة التي وضعها وعملية إعادة الانتشار.

 

وفي يناير/كانون الثاني 2019، عين الجنرال الدنماركي "مايكل لوليسغارد" لرئاسة اللجنة، واضطر لمغادرتها بعد سلسلة من الإساءات الحوثية تمثلت في حجزه أكثر من مرة، ومنع تحركاته. وعين الجنرال الهندي "أباهيجيت جوها" كثالث رئيس للجنة المراقبة الأممية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويعاني من عراقيل حوثية مستمرة.

 

وفي آخر إحاطة قدمها المبعوث الأممي إلى اليمن، "غريفيث"، إلى مجلس الأمن الدولي، مؤخراً، أعرب عن قلقه "بشأن القيود المتزايدة المفروضة على تحركات موظفي البعثة في الحديدة"، مؤكداً أنها تهدد تنفيذ مهام البعثة.

 

ووصلت الانتهاكات الحوثية ذروتها، الشهر المنصرم، باستهداف مقر الفريق الحكومي في لجنة إعادة الانتشار بالحديدة، بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، وهو ما اعتبره رئيس الوزراء، معين عبدالملك، "مؤشراً واضحاً على رفض الانقلابيين للسلام ونقضهم للعهود والاتفاقات".

 

كذبة التبادل ومأساة المختطفين

 

وبالنسبة للمحور الثاني من اتفاق السويد، وهو الآلية التنفيذية لتفعيل اتفاقية تبادل الأسرى، فقد رفضت جماعة الحوثي التنفيذ بموجب الاتفاق على قاعدة إطلاق الكل مقابل الكل، وطالبت لاحقاً بإطلاق الأسرى على دفعات.

 

تريد جماعة الحوثي تجزئة هذا الملف الإنساني لضمان إطلاق أسراها المقاتلين، والإبقاء على أهم القيادات المختطفة لديها إلى اللحظة الأخيرة، ثم افتعال أزمة للتنصل من عدم إتمام الصفقة، بحسب حقوقيين.

 

رغم أن معظم أسرى الحكومة اليمنية مدنيون اختطفتهم مليشيا الحوثي من منازلهم والطرقات العامة، وأخفتهم لسنوات وتمنع عنهم العلاج، ولا تسمح لأسرهم بزيارتهم، وتمارس بحقهم جرائم تعذيب بشعة.

 

الشيخ ناجي مريط، وسيط قبلي محلي ينتمي إلى مديرية "الحيمة" غرب العاصمة صنعاء، تحدث لـ"المصدر أونلاين"، قبل أيام، عن جهوده في تيسير تبادل الأسرى، وقال إن اتفاق "ستوكهولم" أعاق جهوده، وجمد مساعي الإفراج عن أسرى لمدة 7 أشهر.

فالشيخ مريط، تمكن وبالتعاون مع وسطاء آخرين منذ 2015م، في الإفراج عن نحو 2500 أسير ومختطف من طرفي النزاع بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي المسلحة، بينما لم يتمكن "غريفيث" من إطلاق نص هذا العدد.

 

وبخصوص المحور الثالث من اتفاق السويد المتعلق بتفاهمات حول تعز المحاصرة، فلا زالت مليشيا الحوثي تحاصرها، وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي أبلغت مسئولاً سابقاً عن لجنة التهدئة في تعز وهو البرلماني عبدالكريم شيبان، عبر وزير في حكومتها (غير معترف بها)، برغبتها فك الحصار عن تعز.

 

وزار تعز وفد من ما يسمى بالتحالف المدني للسلم والمصالحة، وقال إن لديه تفويضاً كاملاً من سلطة صنعاء لإعادة فتح المنافذ لتعز بالتزامن مع احتفالات "المولد النبوي"، وأثبتت الأيام أن جماعة الحوثي لا تحترم تعهداتها، وليست مؤهلة إنسانياً للإقدام على خطوة من شأنها رفع المعاناة عن الناس.

 

 بنود أخرى

 

هناك بنود أخرى، تضمنها "ستوكهولم"، ومنها الاتفاق على إيداع إيرادات موانئ الحديدة في البنك المركزي اليمني من خلال فرعه الموجود في الحديدة، للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الدولة المنقطعة منذ سنوات.

لكن مليشيا الحوثي ترفض تنفيذ ذلك، فهي لا تريد رفع المعاناة عن الموظفين في مناطق سيطرتها، وسبق أن اقترحت الحكومة اليمنية توريد عائدات المشتقات النفطية من الضرائب والجمارك إلى حساب خاص في البنك المركزي بالحديدة، وصرف رواتب الموظفين بإشراف أممي.

 

ووافقت جماعة الحوثيين في البداية، لكنها رفضت توريد هذه المبالغ، وعندما منعت الحكومة السفن المحملة بالوقود من دخول ميناء الحديدة، تسببت مليشيا الحوثي في أزمة مشتقات نفطية في مناطق سيطرتها، وهرع المجتمع الدولي للضغط على الحكومة بالسماح للسفن بالدخول منعاً لحدوث كارثة إنسانية.

والموضوع الإنساني اتخذه المجتمع الدولي شماعة لإيقاف معركة تحرير الحديدة، ويتخذه الآن كغطاء لدعم جماعة الحوثيين بهدف إطالة الحرب في اليمن، فالجميع يعرف تماماً أن المساعدات الإنسانية لا تصل إلى الشعب اليمني.

 

وفي الإحاطة التي قدمتها، قبل أيام، إلى مجلس الأمن الدولي، مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية "أورسولا مولر"، أكدت أن مليشيا الحوثي تعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، وابتزاز المنظمات الإغاثية.

وقالت إن جماعة الحوثيين تنهب المساعدات وتمنع تنفيذ مشاريع وتطرد موظفين تابعين لمنظمات إنسانية وموظفي الأمم المتحدة من دون أي أسباب، واتهمت المسؤولة الأممية الميليشيات الحوثية بالتدخل في العمليات الإنسانية.

 

ومحاولة الحوثيين التأثير باختيار المستفيدين من تلك المساعدات والشركاء المنفذين، ومحاولة إلزام المنظمات الإنسانية بالعمل في ظروف تتناقض مع المبادئ الإنسانية مما سيتسبب، حال القبول بها، في فقدان التمويل اللازم للمشاريع الإنسانية وإغلاقها، حد قول مولر.

 

كارثة قادمة

 

امتد الفشل الذريع في تنفيذ اتفاق "ستوكهولم"، إلى درجة أن المجتمع الدولي عجز عن إلزام مليشيا الحوثي بالسماح لفريق أممي من تقييم حالة خزان صافر العائم قبالة سواحل الحديدة.

هذا الخزان يحتوي على مليون ومائة وأربعينن ألف برميل من النفط الخام، ولم تجر له أي عملية صيانة منذ 2015، الأمر الذي يهدد بحدوث كارثة بيئية خطيرة في البحر الأحمر.

 

وطالبت الحكومة اليمنية مراراً المجتمع الدولي بالضغط على مليشيا الحوثي للسماح بصيانته تفادياً لكارثة ستطال الدول المطلة على البحر الأحمر، وستؤثر على البيئة البحرية والملاحة الدولية.

وفي حديث صحفي سابق، أكد المتحدث الرسمي باسم التحالف العربي، العقيد تركي المالكي، أن ميليشيات الحوثي لم تلتزم باتفاق "ستوكهولم"، وتواصل استخدام الحديدة لإطلاق الصواريخ الباليستية، وتهديد الملاحة البحرية.

 

وفي تسجيل صوتي، الشهر الماضي، قال متحدث القوات المشتركة في الساحل الغربي، وضاح الدبيش، إنه لم يبق من اتفاق السويد سوى الإسم، مضيفاً: "اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة ولد معاقاً وعاش على التنفس الاصطناعي لمدة سنة".

 

وتدرك الأمم المتحدة أن الاتفاق منح الحوثيين مزيداً من الوقت لتفخيخ الحديدة وتحويلها إلى قنبلة موقوتة، ففي تقرير قدم إلى مجلس الأمن، في يناير/كانون الثاني الماضي، اعترف الأمين العام للأمم المتحدة، بأن تنفيذ اتفاق السويد "مهمة معقدة".

 

لكن الأمم المتحدة في الأخير تنفذ أجندة دولية لقوى كبرى، ولهذا فلا غرابة أن يخرج "غريفيث" بعد كل هذه الوقائع، ويقول في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن: "لقد رأينا إشارات إيجابية مستمرة في الحديدة، حيث اتخذت الأطراف المزيد من الخطوات نحو تنفيذ الاتفاق".