تغيير المناهج الدراسية

تغيير شامل.. شاهد كيف بَذَر الحوثي مفاهيمه الطائفية في المناهج الدراسية؟

طالما أبدى المؤسس الأول للحركة الحوثية "حسين الحوثي" مقته المعلن تجاه المناهج الدراسية في اليمن، كونها- وفق تصوره- تتعارض مع قناعاته الدوغمائية في الدين والتاريخ وممارسة الحكم..
 
وهي القناعات ذاتها التي نشأت على رواسبها جماعته الطائفية، التي أصبحت تسيطر اليوم على حاضرة البلاد (صنعاء)، حاملة معها إرث العداء تجاه المناهج الدراسية وكل ماله علاقة بالتعليم بكافة تفرعاته، وبالأخص منها الموروث الديني الوسطي السمح، وغير المتعصب.

 
سيطرة سانحة للعبث

 

حاليا، أصبح المناخ السلطوي ملائمًا أمام الجماعة لتلعب في الهامش الذي صار بواحًا لها منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، واستكمال انقلابها على السلطة الشرعية للبلاد في 2015، وتعيين يحيى الحوثي (شقيق عبد الملك الحوثي)، وزيرًا للتربية والتعليم في حكومة الأمر الواقع بصنعاء التابعة للانقلابيين الحوثيين.
 
وتدريجيا عبث الحوثي بالمناهج التعليمية السابقة التي اعتمدها علماء أكفاء من مختلف التوجهات والمدارس الدينية والفكرية.
 
ومؤخرا أصدرت وزارته طبعة جديدة من الكتاب المدرسي حمل تغييرات في نسبة لا بأس بها من المضامين ذات الصلة بالبعد الطائفي، أو في طريقة عرضها.
 
 
بين يدي العبث المنهجي
 
التغيرات التي أضافها الحوثيون إلى المناهج الدراسية- على كثرتها- كانت حذرة إلى حد لا يلفت الانتباه في الغالب؛ إلا أنها تحمل ما يكفي من الايحاءات المذهبية في بُعدها العَقَدِي أو الفقهي المعشعش في ذهنية الجماعة.
 
وقد قمنا في هذا التقرير الخاص برصد عدد من الفروقات التي أجراها الحوثيون في مادة التربية الإسلامية، تحديدا، على اعتبار أنها أكثر المواد التي جرى المساس بكثير من مضامينها في الطبعة الحوثية، من الصف الأول الابتدائي حتى الثالث الثانوي، ومقارنتها بالطبعة القديمة.
 
ونظرا لكثرتها، بحكم المساحة المتاحة، ولكي لا يطول الأمر على القارئ، سوف نقتصر هنا على عرض بعض النماذج منها، محاولين قدر المستطاع اختيار الأهم والأكثر وضوحا، لتجسيد فكرة العبث الحاصل بالمناهج التعليمية..
 
على سبيل المثال لا الحصر: 

الأحاديث الشريفة وشروحها:

في مادة التربية الإسلامية، قسم الحديث للصف التاسع، الدرس الثالث "العدل" (ص 77)، جاءت صياغة الحديث في الطبعة الرسمية الحكومية السابقة كالتالي:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا".
 
وفي الطبعة الجديدة للحوثيين، سنجد أنه تم فيه تغيير عبارة "رضي الله عنهما" إلى "رضي الله عنه" لتقتصر على الراوي "عبد الله" فقط، دون أبيه "عمرو بن العاص"..!!
 
ويعرف الجميع مدى بغض الشيعة للصحابي عمرو بن العاص، الأمر الذي يجعلهم لا يتورعون عن تغيير صيغة نص الحديث بجرة قلم، تلبية لأحقادهم الفكرية والمذهبية..!!
 
وأما في نص الحديث نفسه، فقد حذفت عبارة "على يمين الرحمن" من النص تمامًا..!! وفي هامش الصفحة حيث التعريف بمرجعية الحديث، تم تغييرها من: "أخرجه النسائي/ كتاب "أداب القضاة" الواردة في المنهج الرسمي، إلى: "رياض الصالحين" في الطبعة الجديدة..!! (أنظر إلى الصورة التوضيحية المرفقة أدناه)
 

 
وفي قسم الحديث أيضًا، في درس "ذم التعصب" (ص 84) حذفت كلمة "العصبية" الواردة في العبارة التالية: "وبدأت نار العصبية في الإشتعال"، في الطبعة السابقة.
 
وفي (ص 93)، أيضا، حذفت من الطبعة الجديدة فقرة كاملة، تقول: "وإن كانت السيئة من ذنبٍ أرتكب في حق الغير فلا بد من رد هذه الحقوق أو عفو أصحابها عن الذنب".
 
ويربط بعض المراقبين هذا الحذف، بحقيقة أن الحوثيين يدركون جيدا ما صنعوه بالأخرين من مظالم وأنتهاكات ونهب وسلب ومصادرات...الخ، لذلك فليس من مصلحتهم إشاعة مبدأ أن التوبة من ذنب انتهاك حقوق الغير تستوجب اعادة الحقوق إلى أهلها، وإلا فإنها لا تقبل- كما يقول بذلك السواد الأعظم من العلماء. ناهيك عن أنهم يعتبرون أن كل ما يأخذونه من الناس هو حقا إلهيا لهم..!!
 
وفي الصفحة نفسها، سنلاحظ أيضا حذفهم كلمة "يفرح" من الفقرة الخامسة القائلة: "إن الله يفرح بتوبة التائبين ويعلي من شأنهم"، واستبدالها بكلمة "يقبل"، لتصبح الفقرة: "إن الله يقبل توبة التائبين...الخ"..!! (كما توضح الصورة المرفقة أدناه)
 

 
ولا بد أن يكون خلف هذا الاستبدال من هدف ما، يتعلق بفكرهم العقائدي. وإلا لماذا يستبدلونها، رغم أنها وردت في حديث شريف جاء فيه: "لَلهُ أشدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه...الخ" صحيح مسلم.
 
 
السيرة النبوية وتفاصيلها:

وفي قسم السيرة أيضا، سنجد بعض التحريفات المقصودة، والواضحة؛ بعضها ترتبط مباشرة بفكر الحوثيين ومعتقداتهم وأحقادهم الموروثة من آلاف السنيين..
 
فعلى سبيل المثال:

نجد في السيرة النبوية للصف التاسع أيضا، الصفحة رقم 113 المخصص لدرس "غزوة تبوك"، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام "خرج من المدينة في جيش قوامه ثلاثين ألف مقاتل، بينهم عشرة الآف فارس بعد أن ولى عليها محمد بن مسلمة، وأستخلف علي بن أبي طالب على نسائه وأهل بيته" كما جاء في كتاب السيرة النبوية الطبعة الرسمية. إلا أن هذه الفقرة تم تغييرها في كتاب السيرة المستحدث، إلى: ".. بينهم عشرة الآف فارس بعد أن ولى عليها علي بن أبي طالب.."..!! (أنظر الصورة التوضيحية المرفقة أدناه):
 

 
ومرد هذا التحريف، كون الشيعة يعتقدون أن استخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب على نسائة وأهل بيته، يعد منقصة في حق الصحابي الجليل علي بن أبي طالب. مع أن العلماء يجمعون على العكس تماما، ويعتبرون ذلك تقدير له من الرسول صلى الله عليه وسلم ولثقته به استخلفه على أهله دون غيره..

وهناك تغييرات أخرى توزعت هنا وهناك، منها: في درس حجة الوداع (ص 122) في فقرة "خطبة الوداع"، في جزئية أهم المبادئ التي قام عليها الإسلام وشملتها خطبة الوداع، أضيف إليها في الطبعة الحوثية بندًا سابعًا في نهاية الدرس، هو: "الوصية بأهل البيت ومودتهم واتباعهم"..!!  
 
وفي درس النشاط الخاص بخطبة الوداع، أيضا، أورد كتاب السيرة الرسمي القديم ثلاثة خيارات يختار منها الطالب، بينها فقرة يحذير فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من الوقوع في الوثنية، وهي: "لا تتخذوا قبري وثنًا يُعبد"، إلا أن الحوثيين حذفوا هذه الفقرة نهائيا من الإجابة وقصروا الإجابات على الخيارين الأخرين فقط..!! (كما يتضح ذلك من الصورة المرفقة أدناه)
 

 
وفي سؤال التقويم (ص 130) الذي كان ينص على: "وضح موقف أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب لما سمعا بنبأ وفاة الرسول (ص)"، تم حذف "أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب"، ووضع عوضًا عنهما: "وضح موقف الصحابة...".
 
 

حساسية طائفية مفرطة

الحساسية الطائفية للحوثيين كانت حاضرة حتى مع الصور والرسومات الواردة في مقررات الصفوف الأولى، الأساسية..
 
فإذا ما ألقينا نظرة على مقرر "القرآن الكريم والتربية الإسلامية" للصف الثاني الأساسي، على سبيل المثال؛ نجد في الدرس العاشر من المقرر "صلاة الجماعة في المسجد" (ص 54)، أنه تم حذف صورة المصلين الذين يؤدون الصلاة وراء الإمام وهم "يضمون أيديهم"، واستبدالها بصورة مصلين وهم راكعون..!! (أنظر الصورة التوضيحية المرفقة أدناه)
 

 
وهذا يعكس مدى الحساسية الطائفية المفرطة، حتى من أساليب وحركات تأدية الشعائر الدينية، على الرغم مما قد يشكله ابقاء ذلك من إظهار السماحة الدينية إزاء ميزة التنوع في كيفية تأدية الشعائر بين المسلمين، بينما حذفها يكرس المزيد من الخلافات التي تستدعي التعصب والتفرد وإلغاء الأخر..!!
 
وتبرز تلك الحساسية المفرطة أيضا في مواضع أخرى كثيرة، كما هو الحال في حذف صيغة الأذان بشكل كامل من "درس الأذان والإقامة"- الصفحة رقم (100) من الطبعة القديمة من نفس الكتاب، ليُستعاض عن ذلك بصورة مع عبارة واحدة فقط تقول: "أنا أردد ألفاظ الآذان كما أسمعه من المسجد" في ص 95 من الطبعة الحوثية المستحدثة..!! (أنظر الصورة التوضيحية أدناه)
 

 
وفي السياق ذاته ايضا، تم حذف نشاط ترتيب الآذان في درس "الأذان والإقامة"، ليحل محله نشاط آخر يطلب من الطالب: إكمال الفراغات بألفاظ الأذان وفقا للصيغة الحوثية للأذان..!! 
 
 والأمر ذاته ينطبق أيضا على تغيير وقت صلاة العصر، من: "قبل غروب الشمس" في الطبعة الرسمية الحكومية السابقة، إلى: "غروب الشمس" في الطبعة الحوثية الجديدة، بناء على ما هو معمول به في مذهبهم في هذا الجانب..!!
 
بل حتى مصطلح "زكاة" الفطر الوارد في آخر صفحة من الكتاب الرسمي السابق، تم تغييره إلى "صدقة" الفطر في الطبعة الحوثية الجديدة..!!
 
وثمة الكثير والكثير من هذه التعديلات والتحريفات، ولا يتطلب الأمر لإكتشاف المزيد سوى قراءة ومراجعة الطبعتين لكافة الفصول الدراسية، لتكتشف حجم الفوارق القائمة على التعصب الطائفي، لمحاولة تغيير فكر وأفهام ومعتقدات الطلاب بما يتوائم مع معتقداتهم ومذهبهم..


ترويض المجتمع مذهبيا

ومع أن تلك التغييرات والحذف والاستحداثات، قد تبدو طفيفة، إلى حد ما، إلا انها في مجملها لا يمكن الاستهانة بها، خصوصا وأنها شملت مختلف المناهج الدينية لكافة الفصول الدراسية (من الصف الأول الأساسي، حتى الصف الثالث الثانوي)..!!

ويعتقد كثير من المتخصصين أن هذا المساس الطائفي في حق المناهج الدراسية، من قبل جماعة الحوثي، ليس إلا محاولة أولية لقياس ردة الفعل، وتهيئة الأرضية لـ"تعديلات جديدة" أخرى تعتزم الجماعة اجرائها في المستقبل القريب.
 
يقول الأستاذ "حسن عبده"، الذي يعمل في السلك التعليمي والتربوي منذ خمس سنوات، إن: "التعديلات، التي قامت بها جماعة الحوثي على المنهج، تعد إلى حد الآن طفيفة نسبيا، إلا أن هذا لا يبرِّأها من التلوث الطائفي، الذي تسعى الجماعة إلى تكريسه في أذهان التلاميذ، وجعلهم أداة طيعة لقبول الأفكار الموبوءة التي تريد الجماعة حشوها في أذهان النشئ".
 
ويضيف لـ"يمن شباب نت": "ثمة ما يجعلني على قناعة- ويشاطرني كثيرون في ذلك- أن هذه الخطوة ليست إلا مقدمة أولية، لما سيعقبها من خطوات، الهدف منها تهيئة الواقع التعليمي لتقبُّل فكرة تغير المنهج بما يتناسب مع الأهواء الطائفية للجماعة، والتي تسعى إلى تطبيقها على مراحل، تحاشيًا للاعتراضات التي قد تواجهها".
 
 وأستدرك: "وفي كل الأحوال، يعد هذا توجهًا خطيرًا جدًا يمس الهوية الدينية للبلد بمقتضى الميول المذهبية المتطرفة للجماعة الانقلابية".
 
 
جزء من القضية الأوسع
 
وفي المجمل؛ لا بد أن نعي وندرك أن المساس الذي لحق المناهج التعليمية من قبل الحوثيين، ليس إلا جزءً من قضية أوسع، تتعلق بتداعي المنظومة التعليمية وتراجع قطاع التعليم في اليمن إلى مستويات مقلقة، ترافقًا مع تصاعد وتيرة الحرب وتداعياتها التي ألقت بظلالها على كافة القطاعات وفي مقدمتها قطاع التعليم والمرافق التعليمية ذات الصلة.فبموازاة ذلك التدخل الطائفي في الكلمة والنصوص، نجد أن المدارس هي الأخرى نالت نصيبًا كبيرًا من الأذى، ولاسيما تلك الواقعة في مناطق الصراع نتيجة للتدمير الذي لحقها جراء قصف الحوثيين أو التحالف، على حد سواء، أو اتخاذ المدارس كثكنات عسكرية ومستودعات للذخائر..!!
 
وساهم نزوح آلاف العائلات من مناطق الصراع إلى نطاقات جغرافية بعيدة لا تتوفر فيها مدراس، في تراجع التعليم، وخروج عشرات الألاف من الطلاب من مدارسهم. وبحسب بعض التقديرات المتداولة، شهدت السنوات الأربع الأخيرة موجات نزوح جماعية تربو على المليون ونصف المليون نازح من منذ بدء الصراع في اليمن في مارس 2015م. 
 
كما أن تطاول أمد الحرب، وما نجم عنها من انهيار اقتصادي كبير، أدى إلى الدفع بكثير من التلاميذ إلى خارج المدارس بحثًا عن مصدر دخل، بعد أن تعذَّر عليهم مواصلة تعليمهم بسبب الوضع المادي لأسرهم..!!
 
ولعل الضربة القاصمة التي أثَّرَتْ بشكل كبير على سيرورة العملية التعليمية في اليمن، كانت على إثر توقف صرف المستحقات الشهرية للمعلمين والتربويين خلال الأربع السنوات الأخيرة. خصوصا في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث ما تزال حكومة صنعاء التابعة لهم ترفض صرف مرتبات مليون ونصف المليون موظف في القطاع العام منذ أغسطس 2016م.
 
ومع أن منظمة اليونسيف قامت بتمويل دفع رواتب المدرسين، ضمن منحة مالية قدمتها قيادة التحالف العربي؛ إلا أن هذه العملية، التي تمت عن طريق الإدارات والأجهزة الخاصة بالحوثيين أنفسهم، طالها الكثير من التلاعب والفساد..!!
 

والخلاصة: يبقى واقع الحال التعليمي، اليوم، وخصوصا في مناطق سيطرة الحوثيين، مُرّاً على كلا الجانبين: فمن لم تجبره ظروف الحرب على التوقف عن تلقي التعليم، يجد نفسه في مدارس، أصبحت اشبه بمحاضن حوثية، مجبرا على تلقي مناهج تعليمية تم تعديلها وتكييفها لتتماشى مع فكر ومذهب طائفي ضيق، يكرس الخلافات، لا التعدد المذهبي الذي امتاز به اليمنيون على مدى خمسة عقود..!!