عصام صبري- المشاهد
ارتفعت أسعار خدمات الإنترنت التي تغطي كافة المحافظات اليمنية، والمقدمة من شركة “يمن نت” الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، إلى 130%، مقارنة بفترة ما قبل الانقلاب الحوثي على الدولة اليمنية خريف العام 2014.
ومع تزايد الضغط الشعبي الذي مورس على شركة “يمن نت”، ظهر وزير الاتصالات في حكومة الحوثيين، مسفر النمير، في مؤتمر صحفي، ينفي فيه رفع التعرفة السعرية على خدمات الإنترنت، داعياً المواطنين إلى ترشيد استهلاك الإنترنت، على غرار ترشيد استهلاك المياه والكهرباء.
واعترف النمير أن وزارته قامت بتقليل سرعة الإنترنت، بسبب ما سماه “الاستخدام الجائر والعبثي للخدمة من قبل المواطنين”.
وفي مقابلة تلفزيونية أخرى، قال الوزير ذاته إن سبب إبطاء وزارته سرعة الإنترنت، هو للحد من تصفح اليمنيين للمواقع الإلكترونية الإباحية.
تلك التصريحات أثارت ردود أفعال تفاوتت بين غضب وسخرية المواطنين في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، الذين رأوا فيها استغباء واستهتاراً بعقولهم، فيما رأى آخرون أن تلك التصريحات كشفت عن المدى الذي تسيطر فيه جماعة الحوثي على قطاع الإنترنت في اليمن، والانتهاكات التي تمارسها منذ 5 أعوام من سيطرتها على القطاع، بدءاً من حجب المواقع والتطبيقات الإلكترونية، مروراً بتسخير إيرادات الإنترنت المالية لصالح الجماعة، وانتهاءً بإبطاء سرعة التصفح، الأمر الذي يدعو للتساؤل عن دور الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، في استعادة خدمات الإنترنت، والأدوار التي من المفترض أن تقوم بها المنظمات المدنية والجمعيات المعنية بحق الإنسان اليمني في الحصول على خدمات الإنترنت بكل سهولة ويسر، كما هو حاصل في مختلف بلدان العالم.
رفع تكلفة الإنترنت
بدأ استخدام الإنترنت في اليمن، عام 1996، وتم إنشاء “يمن نت” في 2001، كشركة تابعة للحكومة اليمنية، ومزود رئيسي لخدمات الإنترنت وتراسل المعطيات.
سيطر الحوثيون على قطاع الإنترنت بشكل كامل، مع تعيين إدارة جديدة لشركة “يمن نت”. ومنذ سيطرتها على الشركة، تغير واقع خدمات الإنترنت إلى الأسوأ، وفقاً لمواطنين مشتركين في الخدمة إذ بدأت الشركة باستهداف محلات ومقاهي الإنترنت
وفي 2014 بدأت سيطرة جماعة الحوثي على الشركة، بما فيها مجمع التحكم بالإنترنت في حي التلفزيون بصنعاء، وتمثلت هذه السيطرة في إدارة سياسات الشركة وحجب المواقع والتجسس على مناوئي الحركة الحوثية، وبقيت السيطرة على الإيرادات المالية مناصفة بينهم وبين أتباع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.
وبعد قتلهم لصالح، سيطر الحوثيون على قطاع الإنترنت بشكل كامل، مع تعيين إدارة جديدة لشركة “يمن نت”. ومنذ سيطرة الحوثيين على الشركة، تغير واقع خدمات الإنترنت إلى الأسوأ، وفقاً لمواطنين مشتركين في الخدمة تحدثوا لـ”المشاهد”. إذ بدأت الشركة باستهداف محلات ومقاهي الإنترنت، من خلال تحديد التحميل في الباقة الذهبية التي يشترك بها غالبية ملاك المقاهي، بدل أن كانت مفتوحة للتحميل، الأمر الذي أدى إلى خسارة كبيرة من محلات ومقاهي الإنترنت، حتى تلاشى تواجدها بعد أن أغلقت العشرات منها.
وبعد استهداف المقاهي، أقدمت “يمن نت” على تحديد التحميل في الإنترنت، بشكل عام، وأثرت تلك القرارات على مشتركي الإنترنت في المنازل الذين يشتكون من ارتفاع تعرفة ااخدمة.
ويقول محمد البوني، أحد مشتركي خدمة الإنترنت في صنعاء،لـ”المشاهد”: “لقد ضاعفت شركة يمن نت أسعار الإنترنت إلى ثلاثة أضعاف، فقبل عامين كنت أدفع مبلغ 3150 ريالاً طوال الشهر، وكان التحميل محدوداً، لكنني كنت أتمكن من تصفح الفيديو، واليوم لم أعد أستطيع تصفح الفيديو، ولا حتى مواقع الأخبار والتواصل الاجتماعي، بسهولة، رغم دفع 12 ألف ريال في الشهر”.
صراع مع ملاك الشبكات
تشير تقديرات المؤسسة العامة للاتصالات، إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت في اليمن وصل إلى 4 ملايين و200 ألف مستخدم، في نهاية العام 2015.
وبحسب موقع “إنترنت لايف استايا”، فإن العدد وصل إلى أكثر من 6 ملايين مشترك، أي بما يوازي 24.7% من عدد السكان تقريباً، ويعتبر ملاك شبكات “الواي فاي” التجارية من بين أولئك المشتركين.
وأدى إجراء رفع أسعار تعرفة الإنترنت، وتحديد سعة التحميل والرفع من “الجيجا بايت” المسموح به عند تصفح المواقع الإلكترونية، إلى نشوب أزمة بين ملاك شبكات الإنترنت الخاصة المنتشرة في عموم المحافظات، والتي يقدر عددها بـ40 ألف شبكة، وبين شركة “يمن نت”.
وبحسب تأكيد رئيس النقابة الوطنية لشبكات الإنترنت اللاسلكية، أحمد العليمي، لـ”المشاهد”، فإن إجراءات شركة “يمن نت” بتحديد فئات التحميل، غير قانونية، رغم أن الشبكات اللاسلكية الخاصة بالمواطنين أسهمت في استمرار عمل الشركة طوال السنوات الماضية، ومنحها البنية المتمثلة في تمديد وإيصال خدماتها لمختلف المحافظات اليمنية، دون أن تتحمل هذه الشركة ريالاً واحداً، كما رفدت الخزينة العامة بمليارات الريالات.
حديث العليمي جاء بعد اتهامات وزير الاتصالات في حكومة الحوثيين، لشبكات الإنترنت اللاسلكية، بأنها تقوم بإعادة بيع خدمة الإنترنت للمواطنين دون الرجوع لوزارته، ودون وجه حق، وأن ملاكها يمارسون من خلال شبكاتهم مخالفة للقانون مثلما يعمل تجار السوق السوداء.
واحتجاجاً على تصريحات وزير الاتصالات الحوثي، بدأ منتسبو نقابة ملاك الشبكات إضراباً جزئياً عن العمل، الأمر الذي حرك القضية في أروقة مجلس النواب الواقع تحت سيطرة الحوثيين، في صنعاء، لنقاش القضية، وهو الأمر ذاته الذي دفع عضو ما يسمى المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، لمطالبة وزارة الاتصالات وشركة “يمن نت” بتخفيض أسعار الإنترنت إلى ما كانت عليه، ورفع سرعة تصفح المواقع والتطبيقات الإلكترونية.
وفي هذا الصدد، يتساءل عضو مجلس النواب اليمني أحمد سيف حاشد، عن الهدف من رفع تسعيرات الإنترنت مؤخراً؟ ومن تستهدف هذه الجرعة في المقام الأول والثاني؟ ولمصلحة من يتم رفع سعر النت على هذا النحو، فضلاً عن تردي الخدمة إلى الحد الذي يحبط؟
ويجيب البرلماني حاشد على تساؤلاته، قائلاً: “يتضح أن المستهدف في المقام الأول هو المواطن تحديداً، ويزداد الحال سوءاً في أن خدمة “يمن نت” تزداد رداءة. وهكذا يتضاعف غضب المواطن بسعر مرتفع صاعق، ورداءة في الخدمة على نحو أكبر وأكثر”.
وفقاً لتأكيدات مدير عام مؤسسة الاتصالات في عدن، عبدالباسط الفقيه، فإن إنهاء حالة الاحتكار التي فرضها الحوثيون على قطاع الاتصالات، سيكون من خلال مشروع الكابل البحري الذي موّلته الحكومة بمبلغ 55 مليار ريال يمني، عبر شركة “هواوي” الصينية، وبذلك ستتمكّن وزارة الاتصالات من نقل دائرة التحكم من صنعاء إلى عدن. لكن هذا الأمر لم يُنفذ لأسباب غير معلومة.
ويضيف: “اليوم بات حوالي 8 ملايين مستخدم للنت في اليمن، لا يلومون أصحاب الشبكات، وإنما يلومون جماعة الحوثي ويمن نت”، مستدركاً: “لكنها الرغبة الشرهة للمال، وعناد ومكابرة البعض، واستسهال الشعب الصابر والمجالد، والظن أن الشعب المثقل بحكامه، قد اعتاد عبوديته ومضغ مأساته، ولن يرفض أو يقاوم أو يبدي حراكاً، وإن نزلت عليه صاعقة من السماء، وأنه لازال صبره قادراً على مزيد من الأحمال الثقال”.
فشل حكومي
في ديسمبر 2017، أعلنت الحكومة أنها بصدد إنهاء سيطرة واحتكار جماعة الحوثي لقطاع الإنترنت والاتصالات، خلال أسبوعين.
ووفقاً لتأكيدات مدير عام مؤسسة الاتصالات في عدن، عبدالباسط الفقيه، فإن إنهاء حالة الاحتكار التي فرضها الحوثيون على قطاع الاتصالات، سيكون من خلال مشروع الكابل البحري الذي موّلته الحكومة بمبلغ 55 مليار ريال يمني، عبر شركة “هواوي” الصينية، وبذلك ستتمكّن وزارة الاتصالات من نقل دائرة التحكم من صنعاء إلى عدن. لكن هذا الأمر لم يُنفذ لأسباب غير معلومة.
وفي مطلع أغسطس من العام الفائت، أعلنت الحكومة تدشين شركة “عدن نت” كمزود جديد لخدمات الإنترنت، لكن اقتصر نطاق تغطية خدمة الإنترنت عبر الشركة الفتية، على محافظة عدن فقط.
ويقول المهندس في وزارة الاتصالات اليمنية، عمر سميكان: “كانت بدايات شركة “عدن نت” ارتجالية، والتخطيط لها على عجل، وبالتالي فعملها شابه كثير من الأخطاء”.
ويضيف سميكان في حديثه لـ”المشاهد”: “لعل أكبر سلم ركبت عليه شركة “عدن نت”، هو التجهيزات الجاهزة الخاصة للاتصالات من (كابلات ألياف، وسنترالات، وقوى، وتكييف). فمن الواضح أن القائمين على إدارة الشركة لم يخسروا الكثير في البدء بهذا العمل، لأن البنية التحية لهم كانت شبه جاهزة”.
وبحسب مصدر في شركة “عدن نت”، فإن الشركة فشلت في توسعة خدماتها، ولم تحصل بعد عام من تشغيلها على أكثر من 4 آلاف مشترك، كما أن مصروفاتها أضحت أكثر من إيراداتها، وعجزت عن استقطاب الموظفين ذوي الكفاءة الذين يعملون في فروع شركة “يمن نت” في المناطق الجنوبية، إضافة إلى تعطل السيرفرات الخاصة بالشركة بين الحين والآخر”.
حلول على الطاولة
خبراء ومتخصصون يرون أن حل مشكلة الإنترنت في اليمن، لن يكون إلا بوجود شركات منافسة لشركة “يمن نت”.
ويؤكد رئيس جمعية الإنترنت اليمنية فهمي الباحث، أن وجود أكثر من مزود خدمة للإنترنت في اليمن يعتبر كسراً للاحتكار، وبالتالي التنافس بين الشركات من حيث الأسعار وجودة الخدمة، وهذا بدوره ينعكس إيجاباً على المستخدم الذي أصبح لديه أكثر من خيار للاشتراك بالإنترنت، وبما يتناسب مع رغباته والخدمات المقدمة من الشركات.
ويشير إلى أن الجميع يعرف أن الوصول إلى الإنترنت أصبح حقاً من حقوق الإنسان، وعلى شركات الاتصالات العمل على إيصال الخدمة إلى كافة المناطق، لأنه كلما زاد عدد مستخدمي الإنترنت، تحسنت أوضاعهم الاقتصادية، وتوفرت لديهم فرص للتعليم ومصادر أخرى للدخل، وهذا أيضاً يندرج تحت أهداف الألفية.
وتفتقر اليمن للتشريعات القانونية التي تحمي مستخدمي الإنترنت، أو تنظم عمل شركات الاتصالات ومزودي خدمة الإنترنت، بحسب فهمي، مؤكداً أنه يفترض أن يكون هناك هيئة مستقلة لتنظيم الاتصالات، تتكون من مختلف أطراف المصلحة، وهم الجانب الحكومي، والقطاع الخاص، والأكاديمي، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني، التي بدورها ستقترح القوانين المناسبة المتعلقة بالإنترنت والاتصالات بشكل عام.
ويؤيد الباحث في علوم الاتصال والإعلام بشير الضرعي، ما ذهب إليه فهمي قائلاً: “شاركنا في مؤتمر دولي خاص بالإنترنت، تحت عنوان “خبز ونت”، في نوفمبر الماضي، وفي الحقيقية إن الحديث عن خدمة الإنترنت في اليمن في المحافل الدولية، بالمقارنة مع الخدمة التي تتوفر في باقي دول العالم، يثير الاستغراب والدهشة والشفقة. فكثير من الأصدقاء ينصدمون بما يسمعون عن واقع الخدمة في اليمن. ففي تونس، على سبيل المثال، وهي دولة فقيرة، الخط الذهبي (المفتوح) بسرعة 4 جيجا، يكلف نحو 10 دولارات أمريكية، وعلى مستوى الجوال تتوفر خدمة 4G. ولا حاجة لي أن هنا أن أستعرض أسعار الخدمة وجودتها في اليمن، فالجميع يعرف ذلك، لذا ندعو إلى تفعيل الرقابة الشعبية على الشركة المزودة للانترنت في اليمن، وعلى الجميع أن يتكاتفوا لإحداث تغيير في الخدمة، لأن الإنترنت ليس ترفيهاً كما ينظر إليه بعض المسؤولين، بل هو أهم عنصر للتعليم اليوم، وهو نافدة الفرص، ولن أبالغ إن قلت إن مستقبل أبناء اليمن مرتبط بخدمة الإنترنت، وطريقة توظيفهم لهذه الخدمة للولوج إلى العالم”.