لا يزال هجوم الطيران الإماراتي على مواقع وتعزيزات للجيش اليمني بمحافظتي عدن وأبين (جنوب)، في أغسطس الماضي، يشكل لحظة فارقة في مسار التحالف العسكري لدعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية، وذلك من حيث وضوح أجندة الإمارات، التي تتهمها الحكومة اليمنية بأنها حرفت بوصلة التحالف عن هدف استعادة الدولة، ودحر الانقلاب الحوثي.
ومع بوادر أمل كانت تعززت لدى اليمنيين من انتهاء الخلافات اليمنية-اليمنية، بعد توقيع الحكومة الشرعية و"الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً، اتفاقاً سعودياً في الـ5 من نوفمبر الماضي، وإعلان الإمارات سحب قواتها من البلاد، أظهرت أحداث شهدتها محافظتا شبوة وأبين، أن أبوظبي لم تغادر اليمن كما أعلِن عنه في أكتوبر الماضي، بل أعادت تموضع قواتها، وعادت لاستفزاز الحكومة الشرعية.
ولم يكن هدف أبوظبي من إعلان انسحاب قواتها من اليمن، إلا منحها حرية المناورة؛ سعياً لبلوغ أهدافها السياسية في اليمن، من خلال بقاء كثير من قواتها، والاستعانة بقوى محلية تتحرّك بالوكالة عنها، وتحسين صورتها في وقتٍ تتهمها المنظمات الإنسانية الدولية بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في اليمن.
استفزازات في شبوة
ويبدو أن أبوظبي ما زالت تحقد على محافظة شبوة (جنوب شرق)، التي تلقت فيها هزيمة كبيرة في أغسطس الماضي، بعد فرض القوات الحكومية سيطرتها على المحافظة، وطرد قوات "النخبة الشبوانية" التي شكلتها الإمارات.
وبدا ذلك جلياً مع اتهام محافظ شبوة، محمد صالح بن عديو، في 11 ديسمبر الجاري، القوات الإماراتية بارتكاب ما سماها "أعمالاً عدائية واستفزازية"، مطالباً الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، باتخاذ إجراءات كفيلة بإيقاف تلك الاستفزازات.
وشرح المحافظ ما حدث، وقال إن سلطات المحافظة تلقت بلاغاً من القوات السعودية لتسهيل مرور قوة إماراتية رفضت التوقف عند حواجز التفتيش إلى معسكر العلم، متهماً تلك القوات بتزويد مليشيا تابعة لها بالسلاح لمهاجمة القوات الأمنية في المحافظة.
وحلَّقت طائرات حربية إماراتية على ارتفاع منخفض، وألقت قنابل دخانية على نقاط تفتيش تتبع الجيش اليمني، كما فتحت حاجز الصوت، بما يوحي بأن هناك عزماً على استهداف الجيش والأمن بالمنطقة.
وتزايدت أعمال استهداف قوات الجيش اليمني من قِبل مسلحين يتبعون "المجلس الانتقالي"، فقد قُتل ضابط وأصيب آخران بعدما نُصب لهم كمين في الطريق الرابط بين مديريتَي "نصاب" و"عتق" مركز محافظة شبوة، كما سقط جريحان من الجيش بكمين آخر، في منطقة العرم بشبوة في أثناء مرور القوة المستهدفة على الطريق بين محافظتَي شبوة وأبين، كما نجا قائد اللواء الثالث حماية رئاسية وقائد اللواء 115 من الكمين نفسه.
تحويل منشأة نفطية إلى معسكر وسجن
وقبل حادثة استفزاز القوات الإماراتية بيوم، كشف محافظ شبوة، بن عديو، عن تحويل الإمارات منشأة مشروع بلحاف لتصدير الغاز المسال، إلى ثكنة عسكرية.
وأضاف المحافظ أن الحكومة طلبت نقل القوات العسكرية الإماراتية من بلحاف؛ كي يعاد تشغيل المشروع، لكنها رفضت، خصوصاً مع وصول قوات جديدة من التي غادرت عدن.
وفي سبتمبر الماضي، أكّد بن عديو، في تصريح له، أن الإمارات حوَّلت منشأة بلحاف إلى "ثكنة عسكرية"، بما منع تشغيل مشروع إنتاج الغاز المسال الذي بدأ الإنتاج في عام 2009، والذي يرتبط أيضاً مع محافظة مأرب.
وكان تقرير فرنسي بشأن سجن إماراتي في منشأة بلحاف النفطية، مطلع نوفمبر الماضي، أعاد الأضواء إلى مصير أكبر مشروع اقتصادي باليمن، سيطرت عليه الإمارات، وحوَّلته إلى ثكنة عسكرية، في ظل التحولات التي شهدتها البلاد بالأشهر الأخيرة، وصولاً إلى "اتفاق الرياض".
وقال تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية، إن الإمارات حوَّلت "بلحاف" المرتبطة بشركة "توتال"، إلى سجنٍ سري، مُورست فيه أعمال تعذيب ضد المعتقلين.
حقد على شبوة
ويقول مستشار وزير الإعلام اليمني، مختار الرحبي، في تغريدة نشرهاعلى "تويتر": إن الإمارات "ما تزال تحمل الحقد الكبير على محافظة شبوة، ورجال شبوة الذين طردوا مليشياتها وأفشلوا مخطط انقلابها في أغسطس الماضي".
من جانبه قال الناشط السياسي عبد الله السامعي، إن ما تمارسه الإمارات "يمكن تفسيره بأنه إعلان مباشر عن نيتها الخبيثة مجدداً تجاه محافظة شبوة، التي تلقت فيها أكبر صفعة وخسارة عسكرية لها ومليشياتها منذ أن وطئت أقدامها القذرة بلاد اليمن".
وأضاف السامعي في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "عندما تنفَّست شبوة الصعداء بعد هزيمة الإمارات ومغادرتها مشهد الأحداث غير مأسوف عليها، في نهاية شهر أغسطس الماضي، يبدو أن هذه التوجهات التنموية لم ترُق للإمارات، فشرعت للمرة الثانية في الزج بالمحافظة في ثاني معترك أمني خفي، وإن كشفت قبل أيام عن تحركاتها المشبوهة بشكل أوضح من سابقه".
وتابع: "سعت الإمارات في تحركها، إلى تمرير أسلحة متنوعة ومحرَّمة إلى أحد معسكراتها الواقعة باتجاه الصحراء، وتم ضبطها وتحريزها من قِبل أجهزة الأمن بالمحافظة، والمرة الثانية تعاود الكَرَّة وتحاول، ولكن بحراسات سرب من الطيران، الذي فتح حاجز الصوت؛ لإرهاب جنود جيشنا البواسل".
ويرى أن على قيادة محافظة شبوة "العمل من منطلقات مسؤولياتها الوطنية عن حماية المحافظة من الخطر القادم إليها، وعليها أن تتصرف في إطار صلاحياتها الشرعية والقانونية، حتى لو خذلتها الحكومة الشرعية ولم تقدم لها شيئاً".
الإمارات أعادت تموضعها
يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني عبد العزيز النقيب، إن إعلان الإمارات خفض عدد قواتها العسكرية في اليمن لم يكن سوى "أكذوبة، في حين تعد هي بالأساس الطرف الأكثر نفوذاً بجنوبي البلاد، وأعاد إليها ذلك إعادة الانتشار والتركيز على مصالحها، بالاعتماد بصورة أكبر على الفرقاء المحليين الذين تتحالف معهم".
وأضاف النقيب في تصريحه لـ"الخليج أونلاين": إن "الإماراتيين سعوا إلى كسب النفوذ بالمناطق الساحلية وفي جنوبي البلاد، بهدف تعزيز حضورهم عند خطوط الملاحة البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب، باتجاه القرن الأفريقي".
وتابع: "الوجود العسكري الإماراتي لا يزال على ما هو عليه في جنوبي البلاد وغربيها، ووجود كهذا، مهمته الأساسية هي حراسة مشروعها الطموح للهيمنة على الموانئ والممرات الاستراتيجية، والحيلولة دون نجاح القوى الوطنية في الدفع بمعركة الخلاص من الانقلابيين قدماً، لكنها انسحبت من صرواح شمالي مدينة مأرب، وهذا يؤكد أنها تخلت عن دعم معركة استعادة صنعاء".
وأكد أن ادعاءات الإمارات السابقة بانسحابها من اليمن تغطي على مخططها التخريبي الخطير جداً، والذي "تدفع من خلالها نحو مواجهات دامية بين الشرعية من جهة وقواتها الموالية لها في المحافظات الجنوبية من جهة أخرى، على نحو ما حدث سابقاً في عدن وشبوة وأبين".
وبعد مرور أكثر من شهر على توقيع "اتفاق الرياض"، في الخامس من نوفمبر الماضي، والذي هدف إلى إنهاء الاقتتال بجنوبي اليمن بعد الانقلاب الذي نفذه الانفصاليون من أتباع الإمارات على السلطة الشرعية اليمنية- ما زالت الأحداث تتراكم بلا أي مؤشرات على إمكان أن يُوجد مدخلاً لحلٍّ يعيد الهدوء وسيطرة "الشرعية" إلى جنوبي البلاد، لا سيما العاصمة المؤقتة عدن.
وما زالت مؤشرات التصعيد المتسارعة تدلُّ على وقوف أبوظبي وراءها، وأبرزها دفع الإمارات برئيس "المجلس الانتقالي"، عيدروس الزبيدي، للعودة إلى عدن، فضلاً عن محاولة تمرير أسلحة إلى الانفصاليين في شبوة وأبين، وعرقلة عودة القوات الحكومية إلى عدن، وكلها تطورات ترفع المخاوف بين المدنيين في الجنوب.
وكانت الإمارات شنت غارات بطيران حربي في أغسطس الماضي، بين محافظتي عدن وأبين (جنوب)، استهدفت قوات عسكرية تابعة للحكومة، وأسفرت عن مقتل وإصابة نحو 300 جندي، واعترفت أبوظبي لاحقاً بتلك الغارات، وقالت إنها كانت تستهدف مَن وصفتهم بـ"الإرهابيين".