الرؤية الإيرانية لمرحلة ما بعد النزاع في اليمن
بعد اتفاق الرياض، تتخذ المقاربة الإيرانية لتسوية النزاع في اليمن طابعاً متعدد الأطراف.
تُبدي إيران خشيتها من أن تُفضي تسوية سلمية بوساطة سعودية إلى مأسسة قبضة هادي على السلطة.
كشفت إيران امتعاضها من الدور القيادي للسعودية في عملية السلام اليمنية عندما أدانت اتفاق الرياض بين هادي والانتقالي.
تُقدّم إيران رؤية متماسكة لمستقبل اليمن السياسي وتحاول فرض نفسها في موقع الفريق الدبلوماسي الذي لا غنى عنه في اليمن.
مع تقدُّم لمفاوضات السعودية-الحوثية ستواصل إيران التصرف كقوة موازية بمواجهة المفاوضات وستطالب بصيغة متعددة الأطراف تراعي مصالحها باليمن.
* * *
بقلم | صامويل راماني
في 19 تشرين الثاني/نوفمبر، قدّم المسؤول الحوثي البارز ابراهيم محمد الديلمي أوراق اعتماده سفيراً لليمن لدى إيران. وقد كان تعيينه بمثابة انتصار رمزي للتيار الحوثي الذي يسعى منذ عام 2015 للحصول على اعتراف دبلوماسي من إيران.
بيد أن حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي الموالية للسعودية أعربت بطريقة متوقّعة عن استهزائها بتعيين الديلمي. واتّهمت حكومة هادي، في بيان رسمي، إيران بخرق القانون الدولي، نظراً إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي 2216 يسلّط الضوء صراحةً على عدم شرعية الانقلاب الحوثي في عام 2014.
يتزامن اعتماد إيران شخصيةً منضوية إلى جانب الحوثيين سفيراً لليمن لديها مع تكثّف وتيرة الحوار بين السعودية والحوثيين بشأن إنهاء الحرب في اليمن. لا بل أكثر من ذلك، يعكس عدم ارتياح طهران لمسار عملية السلام في اليمن.
لقد كشفت إيران عن امتعاض إضافي من الدور القيادي الذي تؤدّيه السعودية في عملية السلام اليمنية عندما أدانت طهران، في 6 تشرين الثاني/نوفمبر، اتفاق الرياض بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي واصفةً إياه بأنه صفقة تساهم في تعزيز "الاحتلال السعودي لليمن".
لقد أسفرت هذه الإدانة عن عزل إيران عن المجتمع الدولي الذي أبدى ترحيباً واسعاً باتفاق الرياض الذي رأى فيه خطوة نحو السلام وسلّط الضوء على الدور التعطيلي الذي تمارسه إيران في اليمن.
الرغبة الإيرانية في احتواء النفوذ الجيوسياسي السعودي تُفسّر أوجه التناقض بين انتقادات طهران لمحاولات إطلاق عملية السلام في اليمن من جهة ومعارضتها للتدخل العسكري الذي تقوده السعودية هناك من جهة ثانية.
يرى المسؤولون الإيرانيون في الحرب اليمنية وسيلة للتوسّع السعودي. ويعتبرون أن السيناريو الأفضل لهم هو حدوث انسحاب سعودي أحادي بدفع من الاحتكاكات داخل التحالف بدلاً من تسوية سلمية تقودها السعودية.
وفيما ساهم اتفاق الرياض في التخفيف من حدة التشنجات داخل التحالف، ترى إيران في تحالفها العسكري مع الحوثيين وسيلة منخفضة الكلفة وبالغة الأثر للانتقام من السعودية. وهي ترغب في الاحتفاظ بهذه الوسيلة لأطول فترة ممكنة.
وتُبدي إيران خشيتها أيضاً من أن تُفضي تسوية سلمية بوساطة سعودية إلى مأسسة قبضة هادي على السلطة. تجتمع وسائل الإعلام الإيرانية على وصف هادي بأنه "رئيس هارب وسوف يخرج قريباً من الحكم".
في السابق، دعمت طهران الخطة التي أعلن عنها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في 16 آب/أغسطس، شرط أن يؤدّي تطبيقها إلى استقالة هادي. ورداً على الجهود التي بذلتها السعودية لتعزيز شرعية هادي، أضفت إيران طابعاً رسمياً على دعمها للحوثيين.
وقد صرّح المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، خلال اجتماعه بالناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي ورئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام، في آب/أغسطس الماضي، أن "المقاومة التي يخوضها المؤمنون والمؤمنات في اليمن" سوف تنشئ "حكومة قوية".
ورغبة إيران في منع التوصل إلى تسوية سلمية بشروط سعودية تنعكس أيضاً في الانتقادات الإيرانية للمفاوضات المدعومة من الأمم المتحدة والتي تتم برئاسة الدبلوماسي والمبعوث الخاص البريطاني مارتن غريفيث.
والحال هو أن التزام الأمم المتحدة المستمر بقرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي يحمّل الحوثيين مسؤولية إشعال شرارة الحرب الأهلية اليمنية، هو مصدر قلق شديد لصنّاع السياسات الإيرانيين.
وفي هذا الصدد، تزعم شخصيات بارزة في مجال السياسة الخارجية الإيرانية، مثل السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر ركن أبادي، أن القرار 2216 منحاز للمصالح السعودية ويقطع الطريق على الانتقادات للسلوك العسكري السعودي في اليمن.
وادّعت وسائل الإعلام الإيرانية أيضاً أن الأمم المتحدة تنزع نحو التقليل من شأن ما تسببت به السعودية من سقوط ضحايا في صفوف المدنيين في اليمن. وتعتبر هذه الوسائل الإعلامية أيضاً أن الأمم المتحدة تركّز، عن غير وجه حق، على الجوانب البنّاءة في السياسة السعودية في اليمن.
من الواضح أن إيران تسعى إلى قطع الطريق على السعودية كي لا تفرض أحادياً شروط عملية السلام. ولكن لطالما كان النفوذ الإيراني في اليمن محدوداً، فضلاً عن عجز إيران عن الاستثمار في عملية إعادة الإعمار الاقتصادي في البلاد، ما يعطّل قدرتها على حماية مصالحها في اليمن.
ومن أجل تخطّي هذه الشوائب، تعرض إيران مساعدة دبلوماسية بغية التصدّي للنظرة السلبية التي تحيط بدعمها للحوثيين، وحرصاً منها على اكتساب بعض القبول الدولي لوجودها في اليمن.
في 16 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني عن نية بلاده التوسط في اليمن في حال قبول السعودية بحلّ سياسي. وقد أعرب الدبلوماسيون الإيرانيون في البداية عن تحفّظهم على شن الحوثيين هجوماً على صنعاء، وسلّطوا الضوء على الخطة المؤلفة من أربع نقاط التي وضعتها طهران من أجل التوصل إلى حل سياسي.
تدعو الخطة التي رفعها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى الأمم المتحدة في نيسان/أبريل 2015، إلى وقف الهجمات الجوية السعودية، وتسليم المساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني من دون أي عراقيل، وإطلاق عملية مصالحة وطنية. تعبّر هذه المبادرات الدبلوماسية عن رغبة إيران في الظهور في موقع اللاعب البنّاء في وقتٍ وصف فيه صنّاع السياسات الأميركيون طهران بأنها الطرف الأساسي الذي يقف خلف زعزعة الاستقرار في اليمن.
تُظهر بعض المؤشرات أن الجهود التي تبذلها إيران تساهم في تعزيز هيبتها في موقع الحكَم الدبلوماسي في أوروبا وروسيا. في مطلع عام 2018، أجرى مسؤولون إيرانيون سلسلة مباحثات مع نظرائهم في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة بشأن وقف لإطلاق النار في اليمن.
وقد أثنت الشخصيات الأوروبية المشارِكة على هذه المفاوضات. وفي آب/أغسطس 2019، قام ممثّلون عن هذه البلدان الأوروبية الثلاثة فضلاً عن إيطاليا، بزيارة إلى طهران للتباحث بشأن عملية تسوية النزاع. وقد أتاح الاجتماع لإيران بأن تؤدّي دور الجسر بين أوروبا وجماعة الحوثي التي كانت ممثَّلة أيضاً في اللقاء.
بغية تعزيز التعاون بين روسيا وإيران في اليمن، توجّهَ المعاون الخاص لوزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري إلى موسكو في تشرين الأول/أكتوبر 2018 لمناقشة المقاربات المكمّلة لعملية تسوية النزاع.
واستُتبِعت الزيارة بمشاورات منتظمة بين مسؤولين روس وإيرانيين بشأن الأحداث في اليمن. وقد أعربت روسيا عن تضامنها مع إيران من خلال تعطيل صدور قرار عن الأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2018 يُدين الدعم الإيراني للحوثيين.
لا ترغب روسيا في إضفاء شرعية على السيطرة الحوثية على شمال اليمن، وتخوض أيضاً حواراً منتظماً مع السعودية حول تسوية النزاع في اليمن. ولكن المسؤولين الإيرانيين ينظرون بإيجابية إلى استعداد موسكو للانخراط مع طهران بوصفها فريقاً بنّاءً في اليمن.
وقد سادت مخاوف شديدة في الولايات المتحدة ومنطقة الخليج من قيام إيران بتشجيع التوسع الحوثي في جنوب اليمن، انطلاقاً من سعي طهران إلى تعزيز نفوذها في العملية الدبلوماسية. ولكن تبيّن حتى الآن أن هذه المخاوف غير مبررة.
فمنطقة النفوذ الحوثية لا تزال تقتصر على صنعاء ومعاقل الحوثيين في شمال اليمن. وبما أنه من المستبعد إلى حد كبير أن يفرض الحوثيون سيطرتهم في عدن، يرى صنّاع السياسات الإيرانيون الآن في اتفاق تقاسم السلطة الآلية الاستراتيجية الأكثر فاعلية للإبقاء على وجود إيراني في اليمن.
وقد حدّد صنّاع السياسات الإيرانيون، على نحوٍ غير رسمي، شرطَين اثنين للقبول باتفاق لتقاسم السلطة في اليمن.
أولاً، تطلب إيران إشراك الحوثيين في الاتفاق، إما بصفتهم عضواً رسمياً في الائتلاف الحاكم في اليمن وإما بصفتهم قوة عسكرية نافذة تتحرك خارج إطار مؤسسات الدولة.
ثانياً، تعارض إيران أي اتفاق من شأنه أن يحدث تغييراً جوهرياً في الهيكلية الدستورية في اليمن أو يُفضي إلى تقسيم البلاد. وفي هذا الصدد، يُشار إلى أن وزارة الخارجية الإيرانية اتهمت، بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن في 10 آب/أغسطس، السعودية والإمارات بالتآمر لـ"تقسيم اليمن وتفكيكه" وشدّدت على الدعم الإيراني لـ"وحدة اليمن".
والدعم الإيراني لوحدة اليمن لا يعني رفض الحوار مع المجلس الانتقالي الجنوبي، فالمسؤولون الإيرانيون يعتبرون أن الدعم الذي قدّمه جنوب اليمن للثورة الإيرانية في عام 1979 وتضامنه مع إيران في حربها مع العراق في مرحلة 1980-1988 يُشكّلان سابقتَين يمكن الركون إليهما للتعاون في المستقبل.
ورغم هذا الإرث التاريخي، غالب الظن أن الحوار بين المجلس الانتقالي الجنوبي وإيران لن يكتسب زخماً إلا إذا وافق المجلس على نزع فتيل التشنجات مع الحوثيين وعلى حصول جنوب اليمن على الحكم الذاتي بدلاً من الاستقلال.
تُقدّم إيران، في مسعى منها للحفاظ على مصالحها في اليمن، رؤية متماسكة لمستقبل البلاد السياسي، وتعمل على فرض نفسها في موقع الفريق الدبلوماسي الذي لا غنى عنه في اليمن.
ومع تقدُّم مسار المفاوضات السعودية-الحوثية، ستواصل إيران، على الأرجح، التصرف من منطلق القوة الموازية في مواجهة هذه المباحثات، وسوف تظل تطالب بإرساء صيغة متعددة الأطراف تراعي مصالحها في اليمن.
* صامويل راماني طالب دكتوراة في قسم السياسة والعلاقات الدولية في كلية سانت أنتوني في جامعة أكسفورد.
المصدر | مؤسسة كارنيغي