قوات سودانية في اليمن

لماذا يسعى السودان لإنهاء مشاركته في حرب اليمن؟

بعد أعوام من الاستراتيجيات الفاشلة في اليمن، تحاول المملكة العربية السعودية إنهاء عملياتها تدريجيا في البلاد من خلال القنوات الدبلوماسية.

وكانت الإمارات أيضا قد قررت سحب قواتها العسكرية إلى حد كبير من ساحة النزاع، على الرغم من طموحاتها الكبيرة في اليمن.

وكان هناك الكثير من الهمس حول رغبة السودان أيضا في إنهاء دورها في الحرب.

وأكد السودان، في 8 ديسمبر/كانون الأول على لسان رئيس وزرائه "عبدالله حمدوك" في مؤتمر صحفي في الخرطوم بعد فترة قصيرة من عودته من واشنطن على تقليل القوات السودانية لمشاركتها في حرب اليمن.

وقال إن عدد القوات السودانية التي ما زالت منتشرة في اليمن قد انخفض من 15 ألفا إلى 5 آلاف فقط، وصرح "حمدوك" أيضا بأنه لا يوجد حل عسكري للأزمة اليمنية، وأن البلد الذي ضربته المجاعة يحتاج بشدة إلى حل سياسي.

ديناميات داخلية

ويعد هذا النهج الدبلوماسي الجديد تجاه اليمن إلى حد كبير نتاج السياسة الداخلية للسودان في فترة ما بعد "عمر البشير"، وبالنظر إلى مدى عدم شعبية الحرب اليمنية بين العديد من الجماعات المختلفة في السودان، فإن رئيس الوزراء الجديد، الذي تشكلت حكومته من خلال اتفاق لتقاسم السلطة وصلت إليه المعارضة المدنية مع السلطة العسكرية في وقت سابق من هذا العام، كان واقعا تحت ضغط كبير لإخراج السودان من الصراع.

ومنذ أن بدأت السعودية والإمارات عملية "عاصفة الحزم" في الربع الأول من عام 2015، تورط السودان في هذا التحالف، ومع عقدهما العزم على إبقاء عدد قتلى الحرب من مواطنيهما في الصراع منخفضا قدر الإمكان، استخدمت السعودية والإمارات جيوبهما العميقة لجلب العديد من المقاتلين السودانيين، وغيرهم من الأفارقة، ليكونوا بمثابة الدرع البشرية للتحالف العربي في بعض من المعارك الأكثر وحشية في اليمن.

وفي العام الماضي، ذكرت التقارير أن ما بين 8 آلاف إلى 14 ألفا من السودانيين المرتزقة والجنود الأطفال كانوا يقاتلون داخل صفوف التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران، وكان من بين هؤلاء المرتزقة مقاتلون من قوات "الجنجويد" سيئة السمعة، التي أصبحت معروفة بجرائمها ضد الإنسانية في "دارفور" في الألفية الجديدة.

واعتاد نظام الرئيس السابق "البشير" على تبرير مشاركة السودان في حرب اليمن على أساس أن السودان، البلد صاحب الأغلبية المسلمة، عليه التزامات خاصة لمساعدة الدول العربية والإسلامية على حماية مكة والمدينة من أعداء المملكة في اليمن.

لكن في الواقع، لم يواجه السودان أي تهديد أمني حقيقي من اليمن، ولكن الدافع الحقيقي وراء المشاركة السودانية في الحرب كان هو الأزمات الاقتصادية الداخلية في السودان.

وأدت هذه المشكلات المالية إلى إرسال الخرطوم قواتها للقتال في اليمن مقابل المال من بعض دول مجلس التعاون الخليجي، ونتيجة لذلك، لقي مئات المواطنين السودانيين حتفهم في القتال في اليمن منذ عام 2015.

بالإضافة إلى ذلك، ساعد السودان السعوديين في اليمن عبر فتح حدوده للمرتزقة من دول أفريقية متعددة أتوا إلى اليمن عبر السودان للقتال صفوف التحالف.

ومن الناحية الجيوسياسية، كان هناك منطق لقرار "البشير" بالبقاء في اليمن متحالفا مع السعودية والإمارات بعد اندلاع أزمة مجلس التعاون الخليجي في يونيو/حزيران 2017، حيث رفضت الخرطوم، على عكس عدد من العواصم الأفريقية الأخرى، قطع العلاقات مع الدوحة بعد اندلاع النزاع الخليجي.

وفي الواقع، اقتربت السودان أكثر من قطر خلال الحصار، وعلى الرغم من أن هذه الشراكة القوية مع الدوحة ربما أغضبت الرياض وأبوظبي، لكن دور السودان في اليمن ساعد في بقاء الخرطوم شريكا مهما للسعودية والإمارات في المنطقة، على الرغم من "حياد" الخرطوم خلال الأزمة الخليجية.

بالإضافة إلى ذلك، ساعد قرار نظام "البشير" بقطع العلاقات مع إيران، في أوائل عام 2016، على تعزيز مكانة السودان لدى كل من الرياض وأبوظبي.

ومع ذلك، دفع "البشير" ثمن تورط السودان في حرب اليمن. ففي نهاية المطاف، ساهمت الوفيات والإصابات السودانية في اليمن في انخفاض شعبية الحرب، وكذلك شعبية "البشير" نفسه.

وخلال عامي 2018 و2019، مع استمرار الاحتجاجات ضد الرجل السوداني القوي في أنحاء مختلفة من البلاد، أصبحت معارضة مشاركة السودان في حرب اليمن موضوعا متداولا بين هؤلاء الذين يدعون إلى إنهاء حكم "البشير" الذي دام 3 عقود.

السودان الجديد

وبالنسبة للعديد من السودانيين، كانت الانتفاضة ضد "البشير" تدور حول إنشاء سودان جديد يحترم حكم القانون تديره حكومة أكثر شفافية وديمقراطية وخضوعا للمساءلة والتزاما بحماية حقوق الإنسان ومحاربة الفساد.

وقد تسببت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على السودان لعقود من الزمن في منع البلاد من تحقيق التنمية، وكان يجب على السودان بثرواته الطبيعية، على الأقل على الورق، أن يكتفي ذاتيا في العديد من المجالات، وألا يكون معتمدا على الدعم من الدول العربية الأخرى. 

وكما رأى الكثيرون الذين احتجوا على رئاسة "البشير"، لم يكن السودان مضطرا إلى نشر الآلاف من مقاتليه، بمن فيهم الجنود الأطفال، للقتال في الحرب التي تقودها السعودية في اليمن من أجل تحسين ظروفهم الاقتصادية.

ونظرا لأن العديد من المواطنين السودانيين لا ينظرون إلى الحوثيين على أنهم يشكلون تهديدا لبلادهم، وفي الوقت نفسه لا يرون ما هي المصالح الوطنية الحيوية التي يتابعها السودان في اليمن، كان للتغييرات السياسية في السودان هذا العام آثار كبيرة على سياسات الخرطوم الداخلية والخارجية.

وتبرز الأسئلة المتعلقة بعلاقات السودان مع الغرب في الصورة أيضا، فبالنظر إلى المدى الذي فشل فيه التحالف العربي في تحقيق أهدافه اليمن، في وقت تحول فيه الصراع إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، تغيرت الآراء حول الحرب بشكل كبير في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية.

وفي وقت تتأرجح فيه العلاقات الأمريكية السودانية بعد فترة من العلاقات الثنائية السلبية التي تعود إلى التسعينات، تشعر الخرطوم بالقلق إزاء صورتها في واشنطن، وفي حين أظهر المشرعون الأمريكيون معارضتهم المتزايدة لدعم الولايات المتحدة للتحالف المناهض للحوثيين، فقد يستفيد السودان من تقليص مشاركته في الصراع الكارثي.

وبينما يواصل السودان انتقاله الحساس إلى الحكم المدني في فترة ما بعد "البشير"، يتعرض "حمدوك" لضغوط لتحقيق نتائج إيجابية للجمهور السوداني، وتتمثل مهمته في دفع الخرطوم في اتجاه جديد بعد عقود من القمع القاسي والظروف الاقتصادية الكئيبة التي أوجدت يأسا واسع النطاق في جميع أنحاء السودان.

ومع ذلك، تواجه قيادة السودان العديد من التحديات، ومع الاقتصاد المتردي الذي لا يزال يخضع للعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، من غير الواضح أن الانتقال السياسي والاقتصادي في السودان سيكون مهمة سهلة، وفي هذا السياق، يدرك "حمدوك"، الذي يعي أن حكومة "البشير" أخطأت في تقدير الموقف في اليمن، أهمية الحد من مشاركة الخرطوم في حرب اليمن.

وقد لا تقتصر الآثار الإيجابية لهذه على السودانيين فحسب، بل على الشعب اليمني أيضا، ويوفر إعلان "حمدوك" الأخير مصدرا للتفاؤل لليمنيين بعد أن أدركت إحدى القوى الأخرى المشاركة في الصراع أن تحقيق السلام الدائم والاستقرار في اليمن لا يمكن أن تأتي إلا من خلال دعم المبادرات الدبلوماسية، وليس استمرار الحرب في أفقر دولة عربية.

المصدر | جورجيو كافييرو | ريسبونيسيبل ستيتكرافت - ترجمة الخليج الجديد

  •