مدينة عدن

حتى البعوض لم يرحم معاناة اليمنيين.. ينقل وبسرعةٍ حمى «الدنج» للمواطنين، والحرب تعيق عمل الأطباء

ترقد بنات إبراهيم عليّ الجعداري الأربع في المنزل، يعتمدن على التغذية الوريدية التي ستنفد قريباً؛ بعد أن وقعن، ومعهن عشرات الآلاف من اليمنيين، في براثن حمى الدنج الموسمية، الآخذة في الانتشار.

حمى الدنج تجد أرضاً خصبة للانتشار في اليمن مع استمرار الحرب

تمثل حمى الدنج، التي ينقلها البعوض، أحدث تحدٍّ يواجهه اليمنيون، الذين يعانون ويلات صراع مستمر منذ قرابة خمس سنوات، أودى بحياة آلاف ودفع ملايين إلى شفا المجاعة؛ وتسبب أيضاً في تفشي الكوليرا على نطاق واسع.

قال الجعداري، من منزله البدائي الواقع على التلال بمحافظة حجة، وهي من أفقر محافظات اليمن: «الآن أربع حالات، كلها حمى الدنج، داخل البيت، وهذه المغذيات معلَّقة، لا حصَّلنا حق المغذيات ولا وصلت عندنا منظمات ولا أي واحد. المغذيات تكلف مبلغاً وقدره، ما معنا أي ريالٍ حق العلاجات، وأولادنا ماتوا فوق الفراش، والواحد ما حصل أي شيء لنفسه».

اضطرت عائلة الجعداري إلى النزوح من قريتها بسبب الحرب، وأصبح الرجل عاطلاً عن العمل، في حين لا يتوافر الدواء بالمجان.

حمى الدنج هي أسرع الأمراض التي ينقلها البعوض انتشاراً في العالم، وتتسبب في أعراض شبيهة بالأنفلونزا، ويمكن أن تؤدي الحالات الشديدة منها إلى نزيف داخلي. ولا يوجد علاج محدد لها ولا لقاح يقي منها حتى الآن، إلا أن هناك لقاحاً في مرحلة التجارب.

ازدادت الإصابات بحمى الدنج في أنحاء العالم بشكل كبير في العقود القليلة الماضية، وتشهد دول كثيرة زيادة كبيرة في عدد الحالات هذا العام. وصنفت منظمة الصحة العالمية حمى الدنج هذا العام كأحد أكبر عشرة تهديدات للصحة العامة على مستوى العالم.

قال عاملون في القطاع الطبي باليمن، إن المرض ينتشر وسط التجمعات المزدحمة بالسكان الذين شردتهم الحرب، وأصبحوا أكثر ضعفاً، وأقل مناعة في ظروف غير صحية يعيشون فيها.

في حين تواجه العيادات المعنيَّة بالعلاج أزمة بسبب الحرب

قالت مكية الأسلمي، مديرة الصحة والسكان بمديرية أسلم في حجة، والتي تقضي معظم العام في علاج الأطفال الذين يعانون سوء التغذية الحاد: «بالنسبة لأسلم كما ذكرنا أنها مترامية الأطراف.. الوفيات تحصل من حمى الدنج في الأطفال.. في الصغار.. في الكبار.. نتيجة التشتت السكاني، نتيجة بُعد المسافة عن المركز الرئيسي وهو مركز التلوث، نسمع بوفيات ترِد إلى المرافق الصحية المنتهية، بسبب صعوبة المواصلات وعدم وصولها في الوقت المناسب، أنا متوفٍ داخل القرية، لأنه مثلما قلت 15 أسرة كلها مصابة بحمى الدنج، من يسعف من؟!».

أضافت: «ستجد مخيماً كاملاً، يتراوح عدد سكانه بين 600 و700، كلهم مصابون بحمى الدنج».

تواجه العيادات صعوبات في ظل الدمار الذي لحِق بالبنية التحتية الطبية في واحدة من أفقر الدول العربية.

يجد المرضى أيضاً مشقة في محاولة الحصول على المساعدة. وهناك من يَصلون بالفعل إلى المستوصف الذي تعمل به الأسلمي، بعد أن يكونوا قد فارقوا الحياة. ويموت آخرون في المنازل.

قال زميلها الدكتور أكرم عقلان، إن ما بين نصف وثلثي الحالات التي تصل إليه يومياً يمكن تشخيصها بأنها إصابات بحمى الدنج.

أضاف عقلان: «عدد الحالات المصابة بحمى الدنج كبير جداً.. عدد مهول يصل إلى نصف الحالات التي نستقبلها يومياً إلى أكثر من ثلثي الحالات هي مصابة بحمى الدنج (التي) تصيب جميع الأعمار.. الأطفال والكبار والشباب، لكن يكون هناك عامل خطورة في الناس الكبيرين في العمر والأطفال الصغار، حيث تكون إصابتهم شديدة أكثر من العاديين».

وأوضح أن «الأمطار والمستنقعات تساعد في انتشار البعوض».

بينما قالت منظمة الصحة إن هناك 60 ألف حالة مشتبه في إصابتها بالحمى

قالت منظمة الصحة العالمية إنه تم تسجيل 59 ألفاً و486 حالة مشتبهاً في إصابتها، وضمن ذلك 219 حالة وفاة في الأشهر الأحد عشر الأولى من هذا العام بجميع أنحاء اليمن، على الرغم من أن تشخيص الإصابة بالمرض وجمع البيانات يمثلان تحدياً، في ظل الظروف الحالية.

على بُعد نحو 150 كيلومتراً في عيادة بمدينة الحديدة الساحلية، يمسك محمد هاشم بيد ابنته التي أنهكها المرض؛ على أمل أن تهدأ الحمى في جسدها.

يقول إنه كأبٍ يشعر بالطبع بالقلق على ابنته التي لم تتراجع حرارتها، وأضاف: «أعطوها بعض الأدوية وتحسَّنت قليلاً».

بدأ الصراع الأخير في اليمن عام 2015، عندما تدخُّل تحالف عسكري تقوده السعودية؛ في محاولة لاستعادة الحكومة المعترف بها دولياً، بعد أن أطاح بها الحوثيون المتحالفون مع إيران من السلطة.