ميناء المخا

صراع الاستحواذ على ميناء المخا بتعز.. لمن الأمر اليوم (فيديو)

عبدالعليم إسماعيل- المشاهد

تغير نمط حياة سكان المخا جزئياً، في السنوات الـ5 الأخيرة، بسبب الحرب التي اندلعت مطلع العام 2015. هذه المدينة التي تطل على ساحل البحر الأحمر، بمساحة 15 كيلومتراً مربعاً، يقطنها أكثر من 60 ألف نسمة، وفق آخر إحصاء سكاني لعام 2004. ويعمل معظم سكان مدينة المخا التي تقع على بعد 96 كيلومتراً من مدينة تعز غرباً، في صيد الأسماك. وتردت أحوال سكان المدينة الذين يتركزون في 12 حياً سكنياً، منذ العام 1990، مع تراجع نشاط مينائها وانخفاض الحركة التجارية عبر المدينة بسبب تحولها إلى عدن.
وضاعف من معاناة السكان هناك، تراجع نشاط الاصطياد في سواحل المخا، مع فرض التحالف العربي بقيادة السعودية، حظراً على نشاط الاصطياد في سواحل المخا، لدواعٍ أمنية، إذ منع الاصطياد على بعد 30 ميلاً بحرياً باتجاه باب المندب. ومن جازف للاصطياد في تلك المسافة من أجل إطعام أطفاله، ظل هدفاً لقوات التحالف التي تعمل على عسكرة ميناء ومدينة المخا، وهجمات الحوثيين المتكررة على الميناء.

ظلت المخا، منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، جزءاً من مناطق الساحل الغربي الممتدة حتى باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، شبه موصدة أمام التنمية والتوسع العمراني والحركة السياحية، ومغلقة للمعسكرات. 

تداول النفوذ على المخا

تنتشر معسكرات القوات المشتركة المدعومة من التحالف العربي، في المخا ومناطق الساحل الغربي، بخاصة في ذوباب وباب المندب جنوباً، ومدينتي الخوخة والحديدة شمالاً.
ظلت المخا، منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، جزءاً من مناطق الساحل الغربي الممتدة حتى باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، شبه موصدة أمام التنمية والتوسع العمراني والحركة السياحية، ومغلقة للمعسكرات.
ومع تولي علي عبدالله صالح سدة الحكم في شمال اليمن، عام 1978، ظلت المخا وذوباب وموزع منطقة نفوذ شخصي لصالح، وتحت سيطرة ألوية عسكرية موالية له، واشتهرت كمنطقة تهريب. ولأكثر من 3 عقود مضت، أجبرت ظروف المعيشة الصعبة، المئات من السكان على العمل في التهريب.
ومنذ انقلاب جماعة الحوثي وحليفهم صالح، في 21 سبتمبر 2014، انتقلت الهيمنة على المخا وذوباب إلى الحوثيين.

وبعد سيطرتهم، تسلم الحوثيون كل المعسكرات في الساحل الغربي وباب المندب والجزر اليمنية في البحر الأحمر، دون أي قتال، باستثناء معسكر العمري بمديرية ذوباب ومعسكر 17 في باب المندب وجزيرة بريم.
ويسرت القوات العسكرية الموالية للرئيس السابق صالح، لجماعة الحوثي، التمدد في سواحل البحر الأحمر، بسهولة.
وأطلق التحالف العربي عملية “الرمح الذهبي” لتحرير الساحل الغربي، مطلع 2017، قبل أن تسيطر عليه، بما في ذلك المخا وذوباب والمديريات الساحلية الأخرى لمحافظة تعز.


ووضعت القوات الإماراتية 400 جندي في ميناء المخا، ومئات آخرين في مراكز حيوية على طول الساحل الغربي.
ومع إعلان الإمارات إعادة تموضعها وسحب غالبية قواتها من اليمن، عام 2019، سلمت السيطرة على المخا وذوباب والمديريات الساحلية لطارق محمد عبدالله صالح، ابن شقيق الرئيس السابق.
ويبدو صراع السيطرة جلياً بين بعض قيادات وجنود وسكان مناطق الساحل الغربي، وقوات طارق صالح التي تسلمت من الإمارات الساحل الغربي (بعد مقتل عمه صالح على يد الحوثيين)، دون أن يسهم في القتال لاستعادة السيطرة عليها.

حرص نظام الرئيس السابق صالح، على إقامة حاجز بين مدينة تعز والمخا، بشتى الطرق والأساليب، رغم أن هذا الميناء كان أهم ميناء في العالم القديم، ذات زمن، قبل أن يتحول إلى ميناء مخصص لاستيراد الماشية من دول القرن الأفريقي، خلال عهد صالح. 


ويقول قادة المقاومة التهامية إن طارق صالح وقواته كانوا جزءاً من قوات الطرف الآخر، وحارب إلى جانب الحوثيين في الساحل الغربي ضد القوات الحكومية والتحالف.

عزلة مفروضة قسراً

حرص نظام الرئيس السابق صالح، على إقامة حاجز بين مدينة تعز والمخا، بشتى الطرق والأساليب، رغم أن هذا الميناء كان أهم ميناء في العالم القديم، ذات زمن، قبل أن يتحول إلى ميناء مخصص لاستيراد الماشية من دول القرن الأفريقي، خلال عهد صالح.
وبدأ ذلك التوجه الرسمي لنظام صالح منذ عام 1990، مع إعلان الوحدة بين الشمال والجنوب، وتحويل نشاط ميناء المخا إلى ميناء عدن.
وظل ميناء المخا تابعاً لمؤسسة موانئ البحر الأحمر في الحديدة، التي تدار مركزياً من العاصمة صنعاء، وتورد إليها كافة إيرادات موانئ البحر الأحمر.
وكانت إدارة ميناء المخا تشكو تقييد صلاحياتها وعرقلة أي جهود لإنعاش الميناء وسحب كافة معدات الميناء إلى ميناء الحديدة.

الشارع الرئيسي في مدينة المخاء -صورة ارشيفية


ووفقاً لمدير الميناء محمد صبر، الذي تم تعيينه في 2012، كان لدى الميناء حفار وحيد يستخدم لإزالة الرمال، وقد صادرته مؤسسة موانئ البحر الأحمر، وسحبته إلى ميناء الحديدة، كما سحبت كل معدات الميناء.
واشتكى صبر حينها أن إدارة مؤسسة موانئ البحر تتعامل مع إدارته بطريقة عدوانية، وتضع عراقيل أمام أي جهود لانتشال ميناء المخا من وضعية الركود.
وحاول الرجل مع السلطة المحلية في محافظة تعز، العمل من أجل استقلال مالي وإداري لميناء المخا، وتبعيته إدارياً ومالياً لمحافظة تعز، لكنه لم يستطع، لأن حرباً شعواء واجهته من قبل مؤسسة موانئ البحر الأحمر التي تتلقى تعليماتها من صنعاء.
وقامت إدارة ميناء المخا، على سبيل المثال، بعمل إنارة في بوابته، ولوحة إرشادية، وفوجئت برد غاضب من قبل إدارة مؤسسة موانئ البحر الأحمر، إلى درجة أنه تم استدعاء مدير الميناء للتحقيق معه.
وظل ميناء المخا قيد التجميد القسري والإهمال المتعمد، بما في ذلك حرمانه من لافتة على بوابته الرئيسية، حتى إن المسافرين على طريق الحديدة باتجاه عدن، خصوصاً في المساء، يخطئون مسارهم، ويتجهون نحو بوابة ميناء المخا، وتقوم الحراسة بإعادة إرشادهم.

عسكرة الميناء مجدداً

لم يتغير وضع الميناء بعد استعادة السيطرة عليه من قبل التحالف العربي كما كان متوقعاً، بل زادت عملية عسكرة المخا، وصار ميناؤها قاعدة عسكرية للتحالف، ومنطقة مغلقة بالكامل لاستقبال قطع بحرية وإمدادات عسكرية، كما كان حاله في عهد صالح الذي استخدمه ثكنة عسكرية، ونصب دفاعات جوية فيه.
ومع كل صراع سياسي تخوض فيه الأمم المتحدة مع الأطراف الدولية والمحلية، بشأن استمرار فتح الموانئ لاستقبال إمدادات الإغاثة الإنسانية والوقود والواردات التجارية، يبقى الاهتمام منصباً على ميناء الحديدة، وقليلاً حول ميناء عدن.
أما ميناء المخا فلا يرد ذكره في أي نقاشات، كأنه غير موجود على الخارطة.
ومعظم مواد الإغاثة المخصصة لمحافظة تعز، تأتي عبر ميناء الحديدة التي تبعد أكثر من 300 كيلومتر عن تعز ، ويتم تجاهل أن محافظة تعز لديها ميناء على مقربة منها، وهو أقرب أيضاً لمحافظتي إب وذمار، من ميناء الحديدة.
يتماشى وضع ميناء المخا خارج الحسابات، مع أهداف التحالف العربي، وتحويله إلى ميناء عسكري.
وأعطى استهداف الحوثيين بقوارب مفخخة، عقب خسارتهم ميناء المخا الذي ترسو فيه قطع عسكرية إماراتية، مبرراً لعسكرة الميناء من قبل التحالف العربي.

أعلنت السعودية تقديم رافعات مغناطيسية لموانئ يمنية في 4 محافظات خاضعة لسيطرة الحكومة، من بينها تعز، تسلمت كل الموانئ المستهدفة الرافعات المغناطيسية، ما عدا ميناء المخا لم يتسلم شيئاً من ذلك. 


وحتى اللحظة، يُمنع على اليمنيين عامة وسكان محافظة تعز خاصة، الاقتراب من ميناء المخا.
حتى عندما أعلنت السعودية تقديم رافعات مغناطيسية لموانئ يمنية في 4 محافظات خاضعة لسيطرة الحكومة، من بينها تعز، تسلمت كل الموانئ المستهدفة الرافعات المغناطيسية، ما عدا ميناء المخا لم يتسلم شيئاً من ذلك.
وعلى الرغم من أن الميناء يقع على بعد 6 أميال بحرية من خط الملاحة الدولي في البحر الأحمر، إلا أنه فقد هذه الميزة.
وبالإمكان عند الوقوف على رصيف الميناء، رؤية سفن الشحن الكبيرة ليلاً، بالعين المجردة، وهي تعبر في الخط الدولي، ذهاباً وإياباً.
وتطالب السلطات المحلية في تعز، والقوى السياسية بالمحافظة، بإعادة تفعيل الميناء تحت سلطة المحافظة. ولكن هذه القوى لم تنخرط حتى الآن في نشاط منظم وقوي يرغم التحالف العربي على التسليم بحق تعز في إدارة مينائها، وإعادة تفعيل نشاطه، واستفادتها مع الحكومة من عائداته.
ويبدو أن هناك خطة دولية تقتضي بقاء الميناء خارج أي نشاط مدني، وضمن مراكز حماية خطوط الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب.