ترجمة: عربي بوست
مع تفكُّك التحالف الذي تقوده السعودية واقتناع أطرافه بأنه لا يمكن حسم الحرب في اليمن بالقوة العسكرية، ربما تكون بداية النهاية قد انطلقت بالفعل نحو استعادة السلام إلى البلد الذي كان يوصف يوماً بأنه سعيد، لكن ما الشروط الواجب أن تتوافر حتى يتحقق ذلك؟
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نشرت تقريراً، بعنوان: «إليك ما سيساعد في جلب السلام إلى اليمن مع مغادرة القوات الدولية لها»، تناولت فيه تلك الشروط وكيفية تحقيقها.
لماذا انسحب السودان؟
أعلن رئيس وزراء السودان، في نهاية الأسبوع الماضي، أن السودان بدأ سحب قواته من اليمن، قائلاً إنه «لا يوجد حل عسكري» للنزاع. وهذا يشكل خطوة أخرى في عملية خفض أعداد التحالف الذي تقوده السعودية على أرض الواقع، وذلك بعد أن أعلنت الإمارات سحب قواتها خلال فصل الصيف، وبدأت السعودية المشاركة في محادثات السلام التي تقودها عُمان مع الحوثيين بخريف هذا العام.
لكن ماذا يعني التراجع البطيء والمتواصل للتحالف الذي تقوده السعودية، بالنسبة للحرب الأهلية في اليمن؟ رغم أنه لا يزال هناك طريق طويل للوصول إلى سلام دائم باليمن، فهذه اللحظة ربما تمثل بداية نهاية الحرب، أو على الأقل هذه المرحلة من الحرب. أما السؤال عما إذا كانت الحرب الأهلية في اليمن ستنتهي إلى الأبد، فذلك يعتمد جزئياً على دور الجهات الفاعلة الخارجية.
إنهاء الحرب الأهلية
إن الحرب الحالية باليمن لها جذورها العميقة في الديناميكيات الإقليمية والمظالم التاريخية بين الجماعات المحلية، ونتيجة لذلك، فإن القتال بين الجماعات المسلحة المحلية لن ينتهي بالضرورة حتى بعد انسحاب التحالف الذي تقوده السعودية. ومع أن الجهات الفاعلة الإقليمية قد استغلت النزاع لمصلحتها في تنافسها على النفوذ، فقد بدأت الحرب نتيجة الصراع على المظالم المحلية حول الحكم وتقاسم الموارد.
يعتمد جزء كبير من الإجابة عن سؤالي ما إذا كانت الحرب ستنتهي وكيف ستنتهي، على قرارات الجهات الفاعلة اليمنية المحلية نفسها، وعلى ما إذا كانوا سيُدرَجون في أي اتفاق. ومع ذلك، فإن نهاية التدخل الوشيكة تمثل نقطة تحوُّل في حرب أسفرت عن مقتل أكثر من 100 ألف شخص، وخلقت أسوأ أزمة إنسانية بالعالم.
وستؤدي دول المنطقة دوراً حاسماً في ضمان انتهاء الحرب ووصولها إلى تسوية دائمة، أو استئنافها في تكرار للعنف، لكن بعد رحيل التحالف، وهذه الدول يمكنها المساعدة في إنهاء الحروب الأهلية من خلال الإشراف على التزام البلد حل النزاع ومنع ظهور المفسدين، أو مراقبة الجهات الفاعلة التي تسعى بنشاط إلى تعطيل عمليات حل النزاع.
ما دور الأطراف الخارجية في الحروب الأهلية؟
وقد وجدت في أثناء بحثي الذي أجريته مع ليز هوارد، أن الحروب الأهلية تميل إلى الانتهاء بالطريقة التي اعتقدت الجهات الفاعلة الخارجية أن الحروب يجب أن تنتهي وفقها. ومن المرجح أن تُستأنف أيضاً الحروب الأهلية في أعقاب التسويات التي يجري التوصل إليها عبر المفاوضات، أكثر من استئنافها بعد انتصار أحد طرفي النزاع أو وقف إطلاق النار. ففي حال التسويات، إذا ألقى أحد الأطراف أسلحته، فلن يكون لديه أي ضمان بأن الجانب الآخر لن يستفيد من هذا الاختلال في القوة لمواصلة القتال.
أدت سلطنة عمان دوراً مهماً كوسيط من طرف ثالث، وكانت السعودية والإمارات على استعداد للضغط على القوى الشريكة لهما لإنهاء الصراع الأخير على السلطة في جنوب اليمن. بإمكان الوسطاء والضامنين الخارجيين مساعدة القادة السياسيين والفصائل المسلحة في اليمن للتوصل إلى اتفاق ومنع ظهور المفسدين الذين يحاولون تقويضه.
وبمجرد التوصل إلى اتفاق، بإمكان الجماعات الخارجية ردع الفصائل المسلحة عن استئناف القتال، من خلال رفع تكلفة عدم الامتثال للاتفاق. لقد توصلت في أثناء بحثي الخاص إلى أن الجهات الفاعلة الإقليمية من المرجح أن تعمل على كبح جماح تدخُّلها عندما يستخدم أحد الشركاء الأقوياء نفوذه، مثل التهديد بخفض المساعدات الاقتصادية أو مبيعات الأسلحة، لإقناعهم بذلك. يمكن القول إن للولايات المتحدة دوراً مهماً على نحوٍ خاص لتؤديه هنا. فمن خلال مواصلة الضغط على شركائها الأمنيين، السعودية والإمارات، تستطيع الولايات المتحدة المساعدة في منع استئناف التدخل، وممارسة الضغط غير المباشر على الجهات الفاعلة المحلية التي تتلقى الدعم السعودي والإماراتي لالتزام شروط الاتفاق.
لماذا هذه المرَّة مختلفة؟
فكرة أن الحرب الأهلية في اليمن يمكن أن تنتهي بعد انسحاب قوات التحالف قد تبدو للوهلة الأولى مفرطة في التفاؤل. فلقد تعثرت مفاوضات وقف إطلاق النار والسلام باليمن مرات عديدة في السنوات الأخيرة. ومؤخراً، فشلت الفصائل الجنوبية في التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة قبل الموعد النهائي في 5 ديسمبر/كانون الأول، حتى بناءً على طلب داعميها السعوديين والإماراتيين.
تشير الأوضاع الحالية إلى أسباب التفاؤل الحذر في هذا الوضع. فقد غيرت إدارة ترامب بمهارة، رسائلها بشأن الصراع في الأيام الأخيرة. ففي السابق، كان مسؤولو الإدارة يصورون الحوثيين باعتبارهم وكلاء إيرانيين ويرون في اليمن منطقة للصراع الإقليمي مع إيران، وهو ما يبرر تدخُّل التحالف.
لكن في الأسبوع الماضي، سعى مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية الخاص لشؤون إيران، برايان هوك، إلى توضيح الحد الفارق بين الحوثيين وإيران، موضحاً أن «إيران لا تعبر صراحة عن الحوثيين»، ولمَّح إلى أن الحوثيين يلعبون دوراً بناءً في محادثات السلام.
هذا التحول في الخطاب الأمريكي يعني أن المسؤولين الأمريكيين قد يكونون مهتمين بصدق بإنهاء النزاع بدلاً من الاستمرار في دعم التحالف، في إطار استراتيجية أوسع نطاقاً للضغط على إيران.
قد تكون المصالح المتباينة للسعودية والإمارات باليمن من بين العقبات الأخرى التي تحول دون التوصل إلى تسوية دائمة: السعودية معنية في المقام الأول بإبعاد الحوثيين وتقليل النفوذ الإيراني، في حين يرغب القادة الإماراتيون في منع تأثير الأحزاب التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وتوسيع نطاق إمبراطوريتهم التجارية، وإيجاد موطئ قدم لوجودهم العسكري على طول ساحل البحر الأحمر. لكن كلا البلدين يتلقى مليارات الدولارات من مبيعات الأسلحة والتدريب من الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يعطي الولايات المتحدة قدراً كبيراً من النفوذ عليهما. هذا النفوذ يمكن أن يساعد الولايات المتحدة في استمالة هذين الشريكين الإقليميين ليوافقا على نهجها.
كيف يمكن أن تدوم اتفاقات السلام؟
من المرجح أن تدوم اتفاقيات السلام عندما تشمل النساءوعناصر المجتمع المدني الفاعلة على طاولة المفاوضات. فالمفاوضات الشاملة تكون أكثر قدرة على التعبير عن مجموعة واسعة من المخاوف والاهتمامات، ووضعها في الحسبان. ففي عام 2011، توسطت مبادرة إقليمية لعقد مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل، الذي كان يهدف إلى إجراء انتخابات جديدة بعد حركة الربيع العربي باليمن. وفي حين تطلب عقد المؤتمر أن تكون نسبة معينة من المندوبين من النساء أو الجنوبيين أو الشباب، فقد فشلت العملية جزئياً، لأنها تفتقر إلى المشاركة الشعبية الحقيقية. هذه المرة، لدى المجتمع الدولي الفرصة ليؤدي دوراً أكثر إيجابية في تشجيع عملية سلام شاملة حقاً.
ماذا عن الخلافات الشمالية-الجنوبية؟
ويسهم إصلاح القطاع الأمني أيضاً في استمرارية اتفاقيات السلام. فهناك عديد من مجموعات الأمن المحلية التي يجب التوفيق بينها وإدماجها داخل الدولة المنبثقة عن عملية السلام. وهذا سيكون أيضاً فرصة للمساعدة في حل النزاعات الأساسية بين المجموعات المحلية.
فعلى سبيل المثال، أشعل قادة الجيش والحكومة الجنوبية السابقون الحركة الانفصالية الجنوبية في اليمن بعد استبعادهم من حكومة الوحدة بعد عام 1990. ويمكن أن تدعم المساعدات الدولية برامج إصلاح قطاع الأمن لتسريح وإعادة إدماج العناصر المسلحة غير الحكومية، وتوفير الأمن للمدنيين، وتأسيس رقابة مدنية على القوات المسلحة؛ للمساعدة في منع استمرار الصراع.
لكن قرارات كثيرة ستتوقف على الجهات المحلية اليمنية ذاتها. ومع ذلك فمن خلال حل مشكلات الالتزام ودعم (أو عدم دعم) المبادرات التي تجعل التسويات أكثر دواماً، لعبت الجهات الفاعلة الخارجية -ويمكنها الاستمرار في لعب- دوراً حاسماً في ضمان انتهاء الحرب الأهلية اليمنية، وإبقائها منتهية.