قوات سودانية في اليمن

ما وراء انسحاب القوات السودانية… ضغوط حوثية، أم إرضاء لقوى التغيير؟

أحمد عبدالله- المشاهد

تتوالى انسحابات القوات السودانية التي شاركت في التحالف العربي الذي تقوده السعودية منذ مارس 2015، بعد سقوط نظام عمر البشير وتشكيل المجلس العسكري الانتقالي في ابريل الماضي، وعادت يوم أمس الأحد 5 ألوية عسكرية من الساحل الغربي لليمن.

وكانت القوات السودانية قد أعلنت تقليص قواتها في اليمن إلى خمسة آلاف جندي فقط، بعد تعهد رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك بسحب ما تبقى منها قبل أيام، على اعتبار أنها إرث تركه النظام السابق الذي كان يقوده عمر البشير وفق تعبيره، رغم التأكيد مرارًا من قِبل عدد من المسؤولين في الخرطوم عن استمرارهم في اليمن والوقوف إلى جانب الحكومة اليمنية.

وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي الذي جاء عقب اتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير السوداني، محمد دقلو، قد أبلغ مجلس الوزراء السوداني وقوى الحرية والتغيير، بسحب 10 آلاف من قواته المتواجدة في اليمن، في نهاية أكتوبر الماضي.

وانخفض عدد تلك القوات تدريجيًا مع استمرار سحب الجنود، وتسليم مواقعها لقوات أخرى كالقوات المشتركة في الساحل الغربي كما حدث مؤخرًا.

ويصف الصحافي السوداني خالد أحمد انسحابات القوات السودانية من بعض المناطق بـ”التدريجي”، ويرجع أسبابه إلى الأوضاع الداخلية في اليمن والإقليم، خاصة مع بدء السعودية والإمارات بالبحث عن مخرج سياسي لحل الأزمة بعد أن طال أمد الأزمة ودون تحقيق أهداف التحالف، ووجود تفاهمات بذلك الشأن بين أطراف الصراع داخل اليمن وحتى إيران وغيرها.

الجنود السودانيين في اليمن هم من قوات الدعم السريع شبه العسكرية، ويُقدر عددهم بثلاثين ألفًا وفق قائدها محمد دقلو. 

ويؤكد لـ”المشاهد” أن الانسحاب ليس نتيجة الخسائر في صفوف القوات السودانية، وإنما للظرف العام داخل اليمن والتغيرات الحاصلة، موضحًا أن القوات في مناطق سيطرة الحكومة أصحبت يمنية ولا حاجة لوجود قوات أخرى.

وبيَّن أحمد أن القوات السودانية المتواجدة في اليمن، نوعان هي تابعة للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وجميعها نظامية وتخضع للقانون، ورئيسها بمثابة نائب رئيس الجمهورية.

وفي تصريحات لمسؤول سوداني -لم يتم الكشف عن اسمه- لوكالة “أسوشيتد برس”، فإن الجنود في اليمن هم من قوات الدعم السريع شبه العسكرية، ويُقدر عددهم بثلاثين ألفًا وفق قائدها محمد دقلو.

من المشاركة إلى الانسحاب

يشارك السودان منذ العام 2015، في جبهات الساحل الغربي، وميدي وحيران شمالي محافظة حجة اليمنية، فيما تقول جماعة الحوثي إن تلك القوات تقاتل في الخطوط الأمامية، وجبهات الحدود السعودية اليمنية تحت إشراف سعودي، وأخرى في الجنوب والساحل الغربي تحت إشراف إماراتي.

ويؤكد رئيس المجلس السيادي الانتقالي بالسودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في تصريحات سابقة له، أن القوات السودانية موجودة في اليمن بطلب من الحكومة اليمنية، وأنه ليست لدى بلاده قوات تقوم بمهام قتالية هناك، بل هي موجودة للحماية فقط.

ما بدا لافتًا أن ذلك التوجه جاء عقب الحديث عن انسحاب إماراتي من اليمن، وإعلان الحوثيين عن مقتل قرابة أربعة آلاف من الجيش السوداني في اليمن، ومثلهم عدد الجرحى الذين أصيبوا منذ بداية العام 2015، وهو ما نفاه المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية عامر محمد الحسن وقال إنها تأتي في إطار الحرب النفسية.

ويبدو أن الحوثيين غير راضين عن الانسحاب الجزئي للقوات السودانية، إذ أكد محمد البخيتي عضو المكتب السياسي للحوثيين في تصريحات تلفزيونية، أن المطلوب ليس انسحابًا جزئيًا لها بل الانسحاب الكامل، ولكل القوات الأجنبية “المعتدية على اليمن” حسب وصفه.

واعتبر البخيتي التغيير في ميزان القوى وتطوير الحوثيين قوتهم العسكرية من خلال صناعة الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، أجبر القوات التي وصفها بـ “المعتدية” على الانسحاب والبحث عن حلول سياسية، في إشارة إلى التحالف.

وسيؤثر الانسحاب بشكل أو بآخر على وضع قوات التحالف، لا سيما وأنه يعتمد بشكل أساسي على الخرطوم في مهمات القتال الميداني، لامتلاك قوات مهارات تدريبية وتنظيمية عالية بحسب الإعلامي هشام الزيادي.

ما أسباب الانسحاب من اليمن؟

وعلى الرغم من انسحاب دول عديدة من عشر دول انضوت في إطار التحالف العربي بقيادة السعودية، إلا أن السودان ظلت إحدى الدول التي تقاتل في إطاره، وقوبل ذلك بامتعاض شديد وتكثيف الحملات الإعلامية ضدهم من قِبل الحوثيين.

وتزامنت عملية الانسحاب مع تصعيد الحوثيين إعلاميًا ضد السودان، لكن المحلل العسكري علي الذهب في حديثه لـ” المشاهد” لا يرى قرار عودة القوات السودانية يمثل استجابة لتهديد تلك الجماعة، لافتًا إلى وجود أسباب أخرى تتعلق بما يثار حول طي الأزمة اليمنية سياسيًا، والتهدئة الحاصلة في الجبهات، متوقعًا بقاء قوات سودانية في الحدود السعودية لتطلُّب ذلك، لاسيما في ظل نشر قوات سعودية في جنوب اليمن، بناء على اتفاق الرياض بين الحكومة والمجلس الانتقالي.

لكن الإعلامي هشام الزيادي يرجع أسباب تقليص السودان لعدد جنودها في اليمن، إلى الضغط الشعبي السوداني الداعي لسحب تلك القوات، والتي كانت أحد مطالب الشارع أثناء نزوله للإطاحة بالرئيس السابق البشير، فضلًا عن أن رئيس الوزراء حمدوك وعد بالعمل على هذا الملف عقب توليه رئاسة الوزراء.

مناورة تخدم موقف التحالف

وتظل مسألة سحب القوات السودانية، بالنسبة للمحلل العسكري علي الذهب، مجرد مناورة إعلامية تخدم الموقف الراهن للتحالف تجاه الأزمة، حتى يثبت هذا الانسحاب على الأرض.

وبشأن إمكانية بقاء قوات سودانية في اليمن، يعتقد المحلل العسكري الذهب أن ما تبقى سيقتصر ما تبقى منها في اليمن، سواء في الجنوب أو شمال الشمال؛ لانتفاء دواعي وجودها، بعد تشكُّل جيش يمني كبير يمكنه تحمل أعباء مواجهة الحوثيين، وكذا حدوث صدامات مسلحة بين هذا الجيش وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إمارتيًا في أغسطس الماضي.

وعمل تجنيد التحالف لتشكيلات عسكرية يمنية سواء في الساحل الغربي أو في المحافظات الجنوبية، على تعويض هذا النقص، لكنه سيكتفي حتى ولو بوجود صوري للسودان ليحتفظ بمسمى “التحالف”، وعدم إعطاء التدخل في اليمن صورة صراع ثنائي بين اليمن والسعودية، وفق الزيادي.

ويرى الإعلامي الزيادي أن بقاء قوات سودانية في اليمن هدفه التدريب العسكري والقيام ببعض المهام التي لا تتضمن الاشتباك العسكري مع العدو، وسيحقق بذلك توازنًا بين المطالب الشعبية، والتزاماته أمام التحالف