المصدر أونلاين
تصاعدت جرائم البسط على أراضي الدولة وأراضي المواطنين في محافظة عدن منذ إنهاء سيطرة الحوثيين عليها، ودفع ذلك الكثير من منظمات المجتمع المدني للتحذير من الظاهرة، باعتبارها خطراً يهدد الاستقرار والأمن، لا يقل خطورة عن ملفات الإرهاب والاغتيالات، إلا أن الجهات الرسمية وسلطات الأمر الواقع، تغض الطرف عن تلك الممارسات، بل إن بعض قياداتها ومسؤوليها شركاء في تلك الجرائم ويستغلون مناصبهم وسلطاتهم لتشريعها وتمريرها.
إحدى تلك الأراضي التي تعرضت لعملية البسط الشعبي، أرض مملوكة لوزارة الصناعة والتجارة، مساحتها (4،787) متر مربع، ومحاطة بحوش مكتب الصناعة من ثلاث جهات، في منطقة ليست مخططة بمديرية المنصورة.
عملية البسط غير القانونية تحولت، حسب توصيفات الناهبين الجدد، إلى رؤية رسمية ووطنية لاستعادة أراضي الدولة، وفق ما جاء في عقد "مؤاجرة" أبرمه مكتب الصناعة والتجارة في المحافظة مع الباسط الجديد على الأرض والذي منحته صفة "مستثمر".
يعود العقد الذي حصل "المصدر أونلاين" على صورة منه، إلى بداية شهر يوليو الماضي، وكمكافأة وتقدير من مكتب الصناعة والتجارة بعدن، للمستثمر، على نجاحه في رفع يد الباسطين السابقين عن الأرض؛ مُنحت له وشريكه ملكية الأرض لثلاثين عاماً مقابل (100ريال يمني) إيجاراً للمتر المربع الواحد في كل سنة، مع كل التسهيلات الممكنة والمتاحة لإنشاء مشروع اقتصادي لم يذكر العقد أي تفاصيل عنه.
بداية القضية
أثارت قضية التأجير جدلاً واسعاً في عدن، وراح الكثير منهم يرمي الاتهامات، تارة على الحكومة (المعترف بها)، وتارة أخرى على المجلس الانتقالي الذي يسيطر فعلياً وبشكل كامل على عدن منذ أحداث اغسطس الماضي.
لكن ذلك الجدال والتراشق الإعلامي، لم يغير الواقع الجديد الذي بدأ يظهر جلياً على الأرض الكائنة بمنطقة "الدارين" وحدة رقم (515) والمطلة على شارع ترابي وأحواش أخرى تتبع المنطقة الصناعية بمديرية المنصورة.
حيث بدأت التغييرات وأعمال الإنشاء والاستحداث في الأرضية، وفق العقد المبرم وبنده السادس الذي نص على دخول المؤاجرة حيز التنفيذ بداية ديسمبر الجاري. إلا أن التنفيذ أخذ منحىً أخر بعيداً عن الطابع الإستثماري، إن لم تكن عملية الاستئجار، وسيلة للحيازة وتملك وضع اليد، تمهيداً لعملية بيع الأرض لطرف آخر، وفق ما أفاد مصدر محلي، اشترط عدم كشف هويته.
وزعم المصدر في إفادة مكتوبة لـ"المصدر أونلاين" أن المستثمر الذي بسط على الأرض بمساعدة مدير مكتب الصناعة والتجارة في عدن ووزير الصناعة والتجارة، ينوي بيعها بعد إثبات حيازتها لمستثمر أجنبي.
وقال المصدر، وهو مقرب من أحد الباسطين السابقين على الأرض من أبناء المنطقة، إن "ضرار محمد علي" تمكن من خداع المواطنين وأوهمهم بأنه سيشتري منهم الأرض إذا أخلوها، وأغرى بعضهم بمبالغ مالية حتى تمكن من الاستحواذ على الأرض وفرض سيطرته عليها، برعاية الوزارة والمكتب.
والمصدر المحلي لم ينكر أن عملية البسط السابقة على الأرض غير قانونية، لكنه اعتبر الباسطين من أبناء المنطقة الذين وصفهم "شباب عاديين" أحق بارض الدولة من النافذين والفاسدين والمتاجرين بأملاك الشعب، وفق وصفه.
لا أساس قانوني
عرض "المصدر أونلاين" صورة عقد التأجير المزعومة بين الصناعة والتجارة والمستثمر "ضرار" وشريكه، على خبير قانوني، والذي أكد بدوره أن العقد من اساسه باطل ولا قانونية له "عطاء من لا يملك لمن لا يستحق".
وقال الخبير القانوني، إن الجهة المخولة بالتصرف في أراضي الدولة هي مصلحة أراضي وعقارات الدولة، وهي حق حصري للمصلحة وفق قانون رقم 21 لسنة 1995م، والذي تضمنت مواده شروطاً عامة وآليات وإجراءات للتصرف مضيقة.
وأوضح المصدر أن الاتفاق المبرم بين المكتب والمستثمر وشريكه والمصادق عليه من الوزارة كما يظهر، غير قانوني ويفقد أبسط الأسس التي تحفظ الحقوق، ويحمل في بنوده مكتب الصناعة والتجارة تكاليف الخدمات والبنى التحتية، والدفاع والمرافعة ومنع أي طرف يشكك في الإتفاق، إضافة إلى أنه لا يتضمن حتى مواصفات الاستثمار وماهيته، وهو ما يجعل الأطراف المؤجرة منتحلة صفة الدولة ومصلحة الأراضي وتمارس فساداً ومتاجرة غير مشروعة توجب المحاسبة والمحاكمة المشددة.
الوزير: التوقيع ليس توقيعي
وفق العقد فإن الطرف الأول مدعي ملكية الأرض "مكتب وزارة الصناعة والتجارة بمحافظة عدن ممثل بالمدير العام محمد عبادي ثابت"، والطرف الثاني ممثل بالمستأجر "ضرار محمد علي" مقيم بعدن المنصورة ويحمل جواز سفر رقم (02446185 صادر من عدن)، وشريكه "إلياس محمد جاز"، مقيم بعدن المنصورة ويحمل البطاقة رقم (03110027602 صادرة من عدن).
ويظهر في العقد توقيع الطرفين، وشاهدين، وختم مكتب الصناعة والتجارة فرع عدن، ومعمد باسم وتوقيع وزير الصناعة والتجارة الدكتور محمد الميتمي، وختم الوزارة.
خلال عملية البحث والتقصي عن القضية، بدأنا من المستأجر الباسط على الأرض وفق وصف سكان المنطقة.
رفض المستثمر التحدث لـ"المصدر أونلاين"، والرد على الاستفسارات. ووفق معلومات الغرفة التجارية والصناعية بعدن، فلا يوجد أي سجل أو بيان تجاري باسم ضرار محمد علي لديها. كما لم يجري تسجيل أو تقديم أي دليل أو مستند للجهات المختصة في عدن، بخصوص النشاط التجاري والمشروع المخطط إقامته في الأرضية "مجهول النشاط".
تواصل "المصدر أونلاين" مع الجهات المعنية، ممثلة بوزير التجارة والصناعة محمد الميتمي، ومدير عام مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة عدن، محمد عبادي ثابت، وطرحنا عليهم الاستفسارات المتعلقة بالعقد والمؤاجرة والاتهامات الموجهة للمكتب والوزارة في تسهيل وتيسير عميلة البسط على أراضي الدولة.أنكر الوزير الميتمي مصادقته على العقد قائلاً "التوقيع ليس توقيعي" وأكد أنه وجه بالتحقيق وإلغاء الاتفاق.
من جهته، رفض مدير مكتب الصناعة والتجارة في عدن الرد على استفسار "المصدر أونلاين" ودعا محرر "المصدر أونلاين" إلى زيارته "نتشرف أخي بزيارتك في أي وقت، وسوف نطلعك على كل الوثائق، مكتبي بجولة الشيخ اسحاق"،.
أصر مدير مكتب الصناعة والتجارة بعدن، على زيارة مكتبه رغم إبلاغه بأن المحرر غير متواجد في عدن، وأضاف "كافة الأوراق موجوده في المكتب، أي وقت مناسب سوف أطلعك عليها"، ولم يصل "المصدر أونلاين"، أي رد على الإستفسارات والأسئلة التي بعثها للمدير عبادي، حتى لحظة نشر التقرير.
أظهرت وثائق ومذكرات رسمية أطلع "المصدر أونلاين" عليها، أن القضية باتت في ملعب النائب العام والجهات القضائية.
وفق إحدى المذكرات، فإن وزارة الصناعة والتجارة، طالبت في مذكرة رسمية النائب العام علي الاعوش، بالتحقيق في واقعة "الإستيلاء والبسط على أرضية مملوكة للوزارة من قبل المدعو ضرار علي وشريكه إلياس، مستندين في ذلك إلى عقد ايجار صادر من مكتب الصناعة والتجارة بعدن".
وكلف النائب العام وكيل نيابة مكافحة الفساد، بالتحقيق في القضية وكشف ملابسات الواقعة وضبط المعتدين على المال العام والمتورطين في البسط والتزوير وانتحال صفة الدولة.
مصادر مطلعة في عدن، تحدثت لـ"المصدر أونلاين" عن صعوبات قد تعيق نزول لجنة من نيابة مكافحة الفساد، للتحقيق في القضية ومعاينة الأرض والاستحداثات، فيما رجحت مصادر أخرى نزول اللجنة خلال الأيام القليلة القادمة.
وكانت مصادر قضائية رفيعة في عدن، كشفت في أوقات سابقة، عن صعوبات تواجه القضاء وتعيق نظره في قضايا البسط على الأراضي، والتعقيد الكبير الذي تتضمنه الآلاف منها والتي لم يبت القضاء في معظمها، إضافة إلى تورط جهات رسمية وأمنية وعسكرية نافذة، في تلك القضايا وتنازع المكاتب والدوائر الرسمية للصلاحيات بشأن أراضي وعقارات الدولة.
الجدير بالذكر أن العاصمة المؤقتة عدن، تشهد ومنذ أشهر ظروفاً استثنائية إثر سيطرة المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات على مؤسسات الدولة وطرد الحكومة، ورغم عودة الأخيرة إلى قصر معاشيق، وفق اتفاق الرياض والذي قد يساهم تعثر تنفيذه في زيادة حمى نهب الأراضي وانتشار فوضى البسط المسلح، إلا أن الحكومة غير قادرة على بسط سلطتها على الأرض أو مواجهة هجمات االعصابات المسلحة المختصة بنهب الأراضي.