سامي عبدالعالم- المشاهد
عاد الصراع الدولي حول مضيق باب المندب وجزيرة ميون (بريم) في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، إلى سابق عهوده قبل عشرات ومئات السنين. وعادت معه أشد المخاطر على استقرار اليمن وسواحله وبعض مدنه الساحلية كمدينة المخا.
دورة جديدة من الصراع الدولي تحتدم في الممر الملاحي الأهم في البحر الأحمر، والذي اكتسب أهمية دولية أكبر مع اشتداد الصراع الدولي مع إيران في مضيق هرمز.
وتوجهت أنظار العالم إلى باب المندب كطريق بديل مؤقتاً وجزئياً، للتجارة الدولية والإمدادات النفطية من الخليج إلى أوروبا والولايات المتحدة.
غير أن طهران مستمرة في إثارة الضوضاء والتهديد باستهداف وقطع الملاحة في باب المندب أيضاً، إضافة إلى قطع مضيق هرمز وخنق التجارة الدولية، ما أدى إلى تبادل التهديدات بين طهران وواشنطن.
وأخذت العديد من الدول، بما فيها الأوروبية، تهديدات إيران في فبراير 2017، على محمل الجد، إذ أعلن النظام الإيراني عزمه إنشاء قواعد عسكرية بحرية في اليمن وسوريا.
التهديدات الإيرانية المتصاعدة قادت إلى سباق إمدادات وتحركات عسكرية في البحر الأحمر وباب المندب خاصة، وعسكرة لمناطق واسعة على ضفتي البحر الأحمر وحول باب المندب، حيث تسود أجواء ما قبل حرب دولية واسعة.
وهذه الظروف تنذر بانفجار حرب دولية، لطالما كانت مدينة المخا أكثر من دفع ثمن تلك الصراعات في السابق واليوم.
“ميون”: بؤرة الصراع الدولي
مع كل جولة جديدة للصراع الدولي في باب المندب، تصبح جزيرة ميون نقطة ساخنة عند مدخل باب المندب.
جزيرة ميون البركانية تبلغ مساحتها 13 كيلومتراً مربعاً، ولها تاريخ متجذر كبؤرة ساخنة ومحورية مع كل جولة لصراعات النفوذ الدولي في البحر الأحمر.
غزاها البرتغاليون عام 1513م، لكنهم لم يمكثوا طويلاً في الجزيرة، وغادروها بسرعة بسبب مناهضتهم من قبل العثمانيين الذين كانوا يحتلون اجزاء من اليمن.
واحتلتها فرنسا عام 1738م، ولفترة قصيرة، ثم احتلتها بريطانيا في 1799 عبر شركة الهند الشرقية البريطانية تمهيداً لغزو مصر.
وعام 1857 أعادت بريطانيا احتلال الجزيرة، وبنت فيها فناراً لإرشاد السفن، وربطتها بمستعمرة عدن.
وفي 1916 فشلت القوات العثمانية في احتلال الجزيرة، أثناء الحرب العالمية الأولى.
وفي مارس 2015، امتد نفوذ إيران إلى جزيرة ميون، حيث سيطرت جماعة الحوثيين المدعومة منها، على الجزيرة. ومع نهاية عام 2015، تمكنت القوات اليمنية الجنوبية، بدعم من التحالف العربي، من دحر الحوثيين وتحرير الجزيرة.
وتسلمت قوات إماراتية رمزية إدارة الجزيرة، وأنشأت فيها قاعدة عسكرية بدءاً من فبراير 2017، تشمل مدرج طائرات طوله 320 كيلومتراً.
وفي 29 يونيو 2019، تسلمت قوات خفر السواحل اليمنية، مهام تأمين جزيرة ميون، من القوات الإماراتية التي غادرتها.
وعلى مقربة من الجزيرة باتجاه البر الأفريقي، أعلنت إثيوبيا، في ديسمبر 2019، أنها تستعد، وبشكل فعلي، للبدء بإنشاء وتنفيذ قاعدة عسكرية تعتبر الأولى لها على سواحل جيبوتي المطلة على مضيق باب المندب.
تلاشت أهمية ميناء المخا تدريجياً لصالح ميناءي عدن والحديدة، منذ أكثر من 120 عاماً، ولايزال الوضع نفسه قائماً حتى اليوم، بصورة مخطط لها، وتحت تأثير الصراع الدولي.
ارتدادات سلبية على مدينة المخا
ظل مضيق باب المندب والسواحل اليمنية، إحدى بؤر الحروب والصراعات الدولية، الأمر الذي تسبب في ارتدادات مدمرة على مدينة المخا ومينائها واليمن عموماً.
وفرض وجود ميناء المخا الذي يتوسط ميناءي عدن والحديدة، حالة من التنافسية قضت على فرص هذا الميناء، وفق حسابات المتصارعين الدوليين. لكن أهمية ميناء المخا تراجعت في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، لصالح ميناء عدن الذي كان تحت سيطرة بريطانيا التي عملت على ازدهاره. وخلال تلك الفترة، قام العثمانيون بإنشاء ميناء الحديدة.
عبر الزمن، كانت السواحل اليمنية، خصوصاً الغربية منها، والمطلة على باب المندب، عرضة لصراع الأطماع المستعرة بين كبريت الدول، وتعرضت تلك السواحل ومدينة المخا على وجه الخصوص، لحملات عسكرية متكررة ومدمرة، إذ كان التنافس حاداً بين حكومة بريطانيا والدولة العثمانية
وتلاشت أهمية ميناء المخا تدريجياً لصالح ميناءي عدن والحديدة، منذ أكثر من 120 عاماً، ولايزال الوضع نفسه قائماً حتى اليوم، بصورة مخطط لها، وتحت تأثير الصراع الدولي.
غير أن مدينة المخا، وحتى أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كانت لازالت تحتفظ ببقايا مرحلة ذهبية ازدهر فيها نشاط الميناء والعمران في المدينة.
وسرعان ما اشتعلت حربان دوليتان عصفتا بالمخا، وقوضتا المدينة التي لا تكاد تنهض تحت تبعات وآثار حرب سابقة، حتى تسقط ضحية لحرب أخرى دولية.
ففي عام 1911م، اندلعت حرب بين العثمانيين وإيطاليا على سواحل اليمن، تبعتها الحرب العالمية الأولى عام 1915م، وكانت المخا أحد ميادينها.
وفي كلا الحربين تعرضت المخا للدمار، وتهدمت قلاع وقصور فارهة بمعايير ذلك الزمن، وتدمرت مئات المتاجر والمنازل.
كان الدمار الأكبر على يد بريطانيا في حربها ضد العثمانيين، عام 1915م، حيث عمد البريطانيون إلى قصف المخا وتدميرها.
عبر الزمن، كانت السواحل اليمنية، خصوصاً الغربية منها، والمطلة على باب المندب، عرضة لصراع الأطماع المستعرة بين كبريت الدول، وتعرضت تلك السواحل ومدينة المخا على وجه الخصوص، لحملات عسكرية متكررة ومدمرة، إذ كان التنافس حاداً بين حكومة بريطانيا والدولة العثمانية، على السواحل اليمنية، وكان سبباً في تعرض اليمن والمخا لحملات عسكرية، أبرزها حملات البرتغاليين التي انتشرت في أوائل القرن العاشر الهجري، على سواحل اليمن.
وورثت المكسيك والبرازيل زراعة البن وتصديره بكميات كبيرة إلى أوروبا ودول العالم، ولم تعد المخا واليمن ذات اهمية كبيرة لإنتاج وتصدير هذا المنتج الذي عليه طلب دولي مرتفع.
وبعد مرور نحو 100 عام على تلك الحروب التي دمرت المخا، اندلعت عام 2015، من جديد، حرب بالوكالة بين إيران من جهة، والسعودية وحلفائها الدوليين من جهة أخرى في اليمن.
ألحقت الحرب أضراراً فادحة بالمخا، ولازالت المدينة في قلب العاصفة.
وتعرضت المدينة للقصف بصواريخ باليستية من قبل جماعة الحوثي، كان آخرها في نوفمبر 2019، فضلاً عن زراعة الألغام قبل دحرهم من المدينة، مطلع العام 2017، وفي المقابل تعرض سكن موظفي الكهرباء في المدينة، لقصف جوي من قبل التحالف العربي.
معارك استعادة السيطرة على معسكر العمري
وبالقرب من باب المندب، يقع معسكر العمري، شرق مدينة ذوباب، على بعد 10 كيلومترات عن مركز المديرية، بالقرب من مضيق باب المندب.
ولمعسكر العمري أهميته الكبيرة نظراً لموقعه كقاعدة رئيسية تشرف مباشرة على مضيق باب المندب.
وتحيط بالمعسكر مرتفعات جبلية من الشمال والجنوب والشرق، ويقع في منطقة تربط بين مديريات ساحل تعز، وهي: ذوباب والوازعية وموزع والمخا.
وكانت جماعة الحوثي بسطت نفوذها على المعسكر، دون قتال، مطلع يناير 2015، بعد نحو 3 شهور على انقلابها على الحكومة في صنعاء.
وتسلمت جماعة الحوثي معسكر اللواء 17 مدرع على مضيق باب المندب، دون قتال، إذ كان قائده من الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي تحالف مع الحوثيين قبل مقتله على أيديهم، مطلع ديسمبر 2017.
الهيمنة على هذين المعسكرين، وعلى منطقة باب المندب ومديريتي ذوباب والمخا، أهم وأكبر هدف استراتيجي لإيران، وأهم أهداف الحرب التي أشعلها الحوثيون. وقد استشعر المجتمع الدولي خطورة الموقف مؤخراً.
وشهدت المرحلة التالية انطلاق عملية “السهم الذهبي” لتحرير الساحل الغربي، بعد استكمال تحرير عدن في 22 يوليو 2015.
وحققت العملية نتائج سريعة تكللت بتحرير المخا ومفرق المدينة، إضافة لتحرير موزع والوزاعية ومناطق واسعة.
وفي منتصف عام 2016، ألحق التحالف وقوات ألوية العمالقة، الهزيمة بجماعة الحوثي، وأعلنوا تحرير معسكر العمري، لكن الحوثيين عاودوا السيطرة على المعسكر، وتم حصارهم بداخله قرابة العامين. وفي مايو عام 2018، أعلنت الحكومة تحرير معسكر العمري وتطهيره من جيوب جماعة الحوثي.
وجاءت استعادة السيطرة على المعسكر بعد سيطرة القوات الحكومية على المخا والوازعية وموزع.
وتتحسر جماعة الحوثيين على فقدانها السيطرة على معسكر العمري، وتقول إن التحالف حوّل مدارس العمري العسكرية إلى قاعدة مشتركة للتحالف.
انهارت طموحات إيران مع فرض التحالف العربي والقوات الحكومة السيطرة على مناطق الشريط الساحلي على طول الساحل الغربي من باب المندب وصولاً إلى أقرب منطقة من ميناء الحديدة.
وعلى الرغم من تقهقر الحوثيين وتراجع نفوذ إيران من معظم مناطق الساحل الغربي لليمن، أعلنت إيران، في نوفمبر 2017، عزمها إقامة قواعد عسكرية بحرية في اليمن وسوريا.
صاحب ذلك حملة إعلامية من قبل الحكومة الإيرانية، تعتبر إقامة قواعد عسكرية بحرية أفضل من القوة النووية.
منطقة بحرية عازلة للتهديدات الإيرانية
وضمن الترتيبات لإقامة منطقة بحرية عازلة للتهديدات الإيرانية، سلمت الإمارات جزيرة زقر اليمنية في البحر الأحمر، والواقعة بين اليمن وإريتريا، لقوات من خفر السواحل اليمنية، تحت إمرة عضو قيادة القوات المشتركة في الساحل الغربي طارق صالح.
وجرى التسليم في 29 أكتوبر الماضي، مع كامل المعدات والتجهيزات لعمل قوات خفر السواحل اليمنية.
وأسندت إلى هذه القوات مهام واسعة، وفقاً لخطاب طارق صالح للجنود، تتمثل في تأمين السواحل، وحماية الملاحة في البحر الأحمر حتى باب المندب.
وقال صالح، لجنود خفر السواحل، إن هناك ترتيبات كبيرة قادمة، وإن عليهم أن يكونوا على أتم الجاهزية لتأمين الملاحة ومكافحة النفوذ الإيراني التخريبي.
يكمن التحدي الراهن في استكمال انتزاع موانئ الحديدة من قبضة الحوثيين. لكن خطر السفينة الإيرانية “سافير” الراسية في المياه الدولية قبالة سواحل الحديدة، مازال ماثلاً.
خلال الحرب التي تدور رحاها الآن في اليمن، بين إيران التي حلت بديلاً عن العثمانيين، وبين الدول الكبرى، للهيمنة على باب المندب، وبسط النفوذ على البحر الأحمر، تبرز نذر جديدة تشبه بدايات اندلاع الحرب العالمية الأولى.
وفي القلب من هذا الصراع، تقع المخا وباب المندب واليمن عامة، في ظل أسوأ مرحلة تمر بها البلاد التي مزقتها الحرب الداخلية وصراعات القوى المحلية المتشاكسة.