كاريكاتير رشاد السامعي

طالبان اليمن التي تتوحش في صنعاء.. من معركة المقاهي إلى غزوة "البالطوهات"

أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية أمس الأول، جماعة الحوثيين إلى جانب حركات "طالبان، وداعش، وبوكو حرام، والقاعدة"، على قائمة الكيانات التي تنتهك الحريات الدينية.

 

 

 

هذا القرار لم يكن مفاجئاً فمنذ اليوم الأول لسيطرة مليشيات الحوثي على محافظة صعدة شرعت في قمع كل المخالفين لها فكرياً ودينياً واستعملت العنف كوسيلة لفرض أفكارها وآرائها على السكان.

 

 

 

ورغم حرص الجناح الناعم للجماعة على تقديمها كجماعة تؤمن بالحقوق والحريات، وتعدد الآراء والأفكار وتحترم حقوق المرأة، إلا أن ممارساتها على الأرض تثبت كل يوم عكس هذه الإدعاءات.

 

 

 

غزوة "البالطوهات"

في خطاباته مؤخراً ركز زعيم جماعة الحوثيين على ما يسميه "الغزو الفكري" التي قال إنها تأتي من الخارج بهدف إغواء الشباب عن "الجهاد" وإفساد المجتمع، وترجمت مليشياته هذه الخطابات على الأرض في تحركات لمداهمة المقاهي والمعاهد التي يتواجد فيها شباب وفتيات في نفس الوقت.

 

 

 

لم تكتفِ المليشيات بهذه الإجراءات بل دشنت حملة لمصادرة العبايات النسائية التي يعتقدون أنها غير مطابقة لما يعتقدون أنها "مواصفات الحشمة" الصارمة التي يعتمدونها.

 

 

 

حيث نفذ مسلحون يتبعون الجماعة حملة ميدانية لمصادرة الحزامات الخاصة بالعبايات من المحلات النسائية في أمانة العاصمة، وأحرقوها في الشارع على وقع صرختهم الشهيرة "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل...".

 

 

 

وجاءت الحملة الحوثية بدعوى أن هذه الأربطة تبرز مفاتن المرأة وتشيع الفساد وتؤخر النصر في اليمن، وقد أحدثت جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفها الكتاب الصحفي سعيد ثابت سعيد بـ"غزوة العباءات والبالطوهات النسائية".

 

 

 

واستغربت وكيلة وزارة الشباب والرياضة، نادية عبدالله، من هذه الحملة، بالقول: "أحزمة البالطو حرام وعار، لكن خطف البنات والاعتداء على أمهات المعتقلين وإهانتهن حلال، وتجنيد المرأة وتلبيسها حزام رصاص حلال، وأخذ النساء إلى جبهات القتال حلال".

 

 

 

وكتب سفير اليمن لدى "اليونسكو"، د. محمد جميح، قائلا: "قتل الحوثيون النفس، سرقوا المال، ضيقوا المعيشة، أخلوا العاصمة حتى من أولئك الذين ساعدوهم على دخولها، دخلوا غرف نوم الخصوم، وانتهكوا كل المحرمات الدينية والعرفية، ثم قاموا اليوم بحرق أحزمة العباءات النسائية بحجة أنها مخالفة للشرع".

 

 

 

وكتب الكاتب مصطفى راجح، قائلا: "باقي البنطلونات، دوروا لكم ثياب وأكوات غُبر يا مُبنطلين"، بينما علق الصحفي رضوان الهمداني بالقول: "لا اعتقد أن هناك أمة في القرنين الماضيين ابتليت بجماعة من الغجر والمعاتيه مثل اليمن وكأن ملبس الناس ونمط حياتهم هو من جلب 12 دولة لقصف اليمن".

 

 

 

وبلغة ساخرة، قال الناشط عبدالمجيد التركي، "كانت هذه الأحزمة أخطر من الأحزمة الناسفة وأخطر من الجوع الذي يفتك بالشعب، وأخطر من أنفلونزا الخنازير"، وقالت الناشطة ألفت الدبعي إنها ممارسات شبيهة بممارسات تنظيم داعش الإرهابي.

 

 

 

تطرف قديم

بعد سيطرتها على محافظة صعدة في 2011م، بادرت إلى منع الغناء وإغلاق محلات بيع الكاسيتات، واختزال الفن في "الزوامل" وهو نوع من الفن الشعبي تستخدمه الجماعة للترويج للعنصرية والتحريض على القتال.

 

 

 

وكانت عناصر الجماعة المسلحة تقوم بتفتيش هواتف الناس في الأماكن العامة والطرقات، وتقوم بفحص شرائح التخزين "الذواكر" للتأكد من وجود أغاني فيها، ومعاقبة أي شخص يجدون في هاتفه الشخصي أغاني.

 

 

 

ومارست نفس السلوك عندما توسعت إلى محافظة عمران في 2014م، حيث منعت الفن، واقتحمت قاعات الأفراح واعتقلت فنانين، ومنهم الفنان نبيل العموش، اعتقلته في أغسطس/آب من نفس العام، أثناء إحياء حفلة عرس، ولم تفرج عنه إلا بعد أن تعهد لها بعدم الغناء في المدينة.

 

 

 

وعندما أسقطت صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014م، حاولت الجماعة أن تمارس نفس السياسية، ففي نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، اقتحمت أحد الفنادق في أمانة العاصمة وهجمت على حفل عرس، ومنعت الغناء، واستقدمت معها "منشد" كبديل للفنان.

 

 

 

ونشر ناشطون حينها على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو لمغادرة شاب حفلات أفراح إثر اقتحام عناصر حوثية، لكن الجماعة اصطدمت بواقع مغاير في المدن الكبيرة، إضافة إلى عوامل أخرى كالحرب، الأمر الذي أجبرها على تأجيل سياستها مؤقتا.

 

 

 

يقول الكاتب والصحفي سامي نعمان، إن جماعة الحوثي في بعض سياساتها أكثر تطرفا وتزمتا من غرمائها الأيديولوجيين الذين تصفهم بـ"التكفيريين".

 

 

 

وأشار، في مقال سابق، إلى تنظيم القاعدة الذي سيطر على محافظة أبين في 2011م، "إذ لم يحظر الأغاني رغم أنه يحرمها وترك الأمر للالتزام الذاتي، ولم يلزم أحداً بسماع أناشيده الجهادية، كما تفعل جماعة الحوثيين".

 

 

 

المقاهي الحرام

تتخذ الجماعات الإرهابية والمتطرفة مواقف متشددة تجاه المرأة بدعوى الحشمة ومحاربة الاختلاط، وهذا ما تمارسه جماعة الحوثيين في مناطق سيطرتها، ووصلت حد تهديد فتيات بخلع "سراويلهن".

 

 

 

ففي ديسمبر/كانون الأول 2014م، هددت مليشيا الحوثي طالبة في جامعة صنعاء "هبة الذبحاني" بـنزع ملابسها، ومنعها من دخول الجامعة، بتهمة أنها تتحدث مع زملائها وترتدي لباساً غير محتشم كبقية الطالبات. 

 

 

 

ودشنت جماعة الحوثيين حملات لمنع الاختلاط بين الذكور والإناث في عدة مدن، ففي مايو/آيار 2017م، اقتحمت مقاهي عامة في أمانة العاصمة تمثل متنفسات لليمنيين، وأجبرت المتواجدين فيها على المغادرة تحت تهديد السلاح.

 

 

 

ومن هذه المقاهي التي تم اقتحامها "مون كافيه"، حيث قامت الجماعة بإغلاقه، واشترطت منع الاختلاط مقابل السماح بإعادة فتحه، بحسب تصريح صحفي حينها لمالك المقهى مأمون المقطري.

 

 

 

إحدى الناشطات كانت حاضرة أثناء الاقتحام، قالت إن جميع المتواجدين غادروا المقهى تحت تهديد السلاح، وأنها قبل أن تغادر خاطبت المسلحين الحوثيين "هذا مكان عام"، فرد عليها أحدهم: "لسنا في لبنان، كيف سينصرنا الله وأنتم تختلطوا".

 

 

 

سيروا الجبهات

وفي سبتمبر/أيلول 2017م، أغلق حوثيون مقهى "بن وقشر" في صنعاء القديمة بدعوى الاختلاط، وأثناء الإغلاق تهجموا لفظياً على نساء كن يرتدن المقهى، وصرخوا في وجوههن "أين أنتن من فاطمة الزهراء"، وخاطبوا الشباب: "سيروا الجبهات بدل ما تجلسوا هنا تضيعوا وقتكم".

 

 

 

وأغلقت مليشيا الحوثي مطعما في العاصمة صنعاء، في يناير/كانون الثاني 2019م، وجاء إغلاق المطعم التركي بعد يومين من اعتداء قيادي حوثي "علي السقاف" على مرتاديه من النساء، ومحاولة تصويرهن بحجة إنه يحارب الاختلاط.

 

 

 

وخرج نشطاء حوثيون يبررون هذا السلوك في صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بالقول إن "المطعم مساحته صغيرة جداً، يختلط فيه الشباب والشابات، ويتبادلون القبل والضحكات، وهم ليسوا أزواجاً ولا إخوان، بل أصدقاء".

 

 

 

لا للإختلاط

طالت الاقتحامات مهرجانات وفعاليات عامة، ففي أبريل/نيسان 2017م، هاجم الحوثيون مهرجانا شبابيا في المركز الثقافي بصنعاء، وطردوا الحاضرين بحجة الاختلاط، رغم أن قاعة المهرجان كانت مقسومة إلى نصفين، نصف للذكور وآخر للإناث.

 

 

 

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018م، منعت مليشيا الحوثي إقامة مهرجان ينظم لأول مرة في اليمن، ستعرض فيه 6 أفلام متخصصة بالشأن الإنساني، وهو مهرجان الكرامة لحقوق الإنسان للأفلام القصيرة، منعته بذريعة أن الأفلام تشجع على الاختلاط.

 

 

 

وامتدت هذه الذريعة إلى المدارس الأهلية، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2019م، أغلقت مليشيا الحوثي 7 مدارس أهلية في أمانة العاصمة بدعوى الاختلاط، ونشرت قرار الإغلاق على موقع وزارة التربية والتعليم الخاضعة لسيطرتها.

 

 

 

وفي تصريح لـ"المصدر أونلاين"، قال مدير مدرسة أهلية بصنعاء، فضل عدم ذكر اسمه، إن الحوثيين ألزموهم بفصل الطلاب الذكور عن الإناث بما في ذلك طلاب الابتدائية، "فاضطرت المدارس لاستئجار مباني أخرى لتنفيذ ذلك مما شكل عليها عبئاً مالياً كبيراً".

 

 

 

تماثيل محرمة

وداهم مسلحون حوثيون، الأيام الماضية، عدداً من محلات الملابس النسائية في صنعاء بسبب عرض ملابس على مجسمات بلاستيكية، باعتبارها تماثيل محرمة ولا يجوز العرض عليها، وحذروا محلات حلاقة من الحلاقات التي فيها تشبه بالغربيين، حد قولهم.

 

 

 

وهذه السلوكيات نابعة من منهج فكري متطرف، وعبر عنها زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في أكثر من خطاب وأكثر من مناسبة، ففي مارس/آذار 2017م، خرج مهاجما معاهد تدريس اللغات الأجنبية في اليمن.

 

 

 

وقال عبدالملك الحوثي في كلمة له، بمناسبة جمعة رجب 1438هـ، إن "هناك غزو له شكل آخر بهدف ضرب هذا الشعب في أخلاقه، عبر بعض المعاهد التي تدرس اللغات".

 

 

 

مضيفا أن هذه المعاهد غطاء لبرامج تساعد على الاختلاط وتعزيز الروابط خارج إطار الضوابط الشرعية، "ثم يدخلون إلى المسخ تحت العنوان الحضاري والتغرير بشبابنا وشاباتنا وتقديم النموذج الغربي المنفلت الذي لا تحكمه ضوابط ولا أخلاق".

 

 

 

وفي آخر خطاب لعبدالملك الحوثي، قبل أيام، بمناسبة تدشين "برنامج الهوية الإيمانية اليمنية"، قال إن الغرب "يريدون أن يصدروا إلينا الرذائل، المفاسد، الاختلاط والعلاقة الفوضوية بين الرجال والنساء، كل الأوبئة، أن ينتشر في بلداننا مرض الإيدز، حتى نكون أمة هزيلة".