البحر الأحمر

اثيوبيا واليمن ومخاطر سباق القواعد البحرية

عبدالعالم بجاش

قبل نحو عامين حذر مسئول يمني كبير من إطالة أمد الحرب في اليمن، ودعا لحسم عسكري يطيح بالحوثيين الموالين لإيران، ومما قاله عبدالعزيز جباري نائب رئيس مجلس النواب الموالي للشرعية، إن البلاد في حالة ضعف شديد بحيث أن إثيوبيا قد تفكر بغزو اليمن.

لم يأخذ الناس تصريحاته بجدية.. ولم يصدر عن إثيوبيا أي بوادر مقلقة، على العكس من ذلك غدا رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ذو شعبية كبيرة في اليمن نظرًا لما حققه لبلاده في وقت وجيز، ودوره في تحقيق السلام في السودان.

وعندما تسلم جائزة نوبل للسلام زادت شعبيته بما في ذلك في اليمن.. وبعد استلامه أشهر جائزة عالمية تمنح للأشخاص الذين يؤدون دورًا حيويًا من أجل السلام، أعلن آبي أحمد أنه يستعد للحرب، وقال تصريحه المثير للغرابة: إن كان ولابد من حرب مع مصر فسنجند الملايين من الإثيوبيين، تهديد صريح لمصر التي يمثل تهديدها تهديدًا للمنطقة واليمن في الصدارة.

لقد باشرت إثيوبيا التحرك وليس مجرد التهديد.. ووضعت نصب عينيها مدخل البحر الأحمر الجنوبي عند باب المندب.

إن طموحًا إثيوبيًا جديدًا قد أعلن عن نفسه مؤخرًا بزعامة أبي أحمد وغايته التمركز على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر عبر سواحل جيبوتي، يأتي ذلك ضمن سباق دولي لإقامة قواعد على البحر الأحمر في جيبوتي، نشط بشكل ملحوظ منذ عام 2011، وإثيوبيا هي سابع أو ثامن دولة تمضي نحو جيبوتي للبدء بإقامة أول قاعدة بحرية لها ، سبقتها اليابان (2011) وايطاليا (2013) والسعودية والصين (2016 و 2017) و أمريكا من قبل أنشأت قاعدتها في 2001 ومن قبلهم جميعًا بمئة عام فرنسا.. وهناك إسرائيل ترتبط بعلاقات وثيقة مع جيبوتي وإثيوبيا وإريتريا، 
وهو سباق غايته المعلنة في المرحلة الراهنة حماية أحد أهم ممرات التجارة الدولية.

وإلى جانب هذا الهدف المعلن، نبرة إثيوبيا صريحة في صراعها مع مصر، وليشكل ذلك مخاطر إضافية لليمن كبؤرة تجاذب دولي، ومخاطر محتملة على خلفية الصراع الإثيوبي – المصري بسبب سد النهضة في الغالب.

وسط سباق للدول الكبرى لبناء قواعد عسكرية على ضفتي البحر الأحمر وحوالي مضيق باب المندب، وتحضيرات عسكرية غير مسبوقة، تحت لافتة حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، تصل خطورة الموقف إلى أن اندلاع حرب عالمية أصبح احتمالًا واردًا وأقرب من أي وقت 

وسواء كان الأمر دورًا إثيوبيا ضمن لعبة أدوار منسقة دوليًا مضادة للتهديدات الإيرانية للملاحة، أو كان لعبًا إثيوبيًا منفردًا، يتضمن الأمر مهددات بالغة الخطورة لليمن التي تعيش وضعًا لا يحتمل أي تهديدات إضافية، فوفقًا للتاريخ كانت إثيوبيا من الدول التي احتلت اليمن ردحًا من الزمن.

ووسط سباق للدول الكبرى لبناء قواعد عسكرية على ضفتي البحر الأحمر وحوالي مضيق باب المندب، وتحضيرات عسكرية غير مسبوقة، تحت لافتة حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، تصل خطورة الموقف إلى أن اندلاع حرب عالمية أصبح احتمالًا واردًا وأقرب من أي وقت، فلا يمر يوم دون تحذيرات أو تهديدات تطلقها إيران من مغبة أي هجوم عليها، تقابلها تصريحات أمريكية تتوعد طهران برد صارم إذا ما تعرضت المصالح الأمريكية أو الجنود الأمريكيين بالمنطقة لأي هجوم إيراني أو من قبل مليشياتها.

دخلت إثيوبيا على خط الصراع الدولي على البحر الأحمر وباب المندب، بتشجيع قوي من فرنسا، وكانت إثيوبيا قد حلت قواتها البحرية منذ أعوام، وجاء إعلانها المفاجئ عن إنشاء أول قاعدة عسكرية لها على ساحل البحر الأحمر، بتشجيع ودعم قوي من فرنسا ودول أخرى.

صحيفة “كابيتال” الإثيوبية ذكرت أن البحرية الإثيوبية قررت التمركز في جيبوتي، وكان هناك اقتراحات بوضعها في السودان أو إريتريا أو جيبوتي، إنها رسالة إثيوبية لمصر على الأرجح.. البعض اعتبر الخطوة الإثيوبية استباقية لمنع طرف آخر من إقامة قواعد على مدخل البحر الأحمر. 

كان آخر تصريح ملفت للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أن فرنسا وأوربا توصلت إلى قناعة جديدة، وعازمة على لعب دور أكبر ومباشر في منطقة الشرق الأوسط، وقالت البحرية الإثيوبية إنها ستتمركز على سواحل جيبوتي، المطلة على مضيق باب المندب، بينما ستكون قيادة القاعدة ومقر قيادة البحرية في عاصمة إقليم أمهرة بحر دار شمال غرب إثيوبيا.

صحيفة “كابيتال” الإثيوبية ذكرت أن البحرية الإثيوبية قررت التمركز في جيبوتي، وكان هناك اقتراحات بوضعها في السودان أو إريتريا أو جيبوتي، إنها رسالة إثيوبية لمصر على الأرجح.. البعض اعتبر الخطوة الإثيوبية استباقية لمنع طرف آخر من إقامة قواعد على مدخل البحر الأحمر.

إعلان إثيوبيا سوى تفصيل صغير من تفاصيل حرب عالمية باردة جارية في باب المندب، وزيادة التنافس والسباق الدولي لبسط النفوذ على البحر الأحمر بين دول شتى من بينها إيران أشد مما كان عليه الوضع قبل مائة عام بين الدولة العثمانية وبريطانيا ودول أخرى 

في وقت سابق قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هينري كيسنجر إن “الصراع الإقليمي الدائر بين إيران من جهة والسعودية من جهة أخرى أتاح للدول العربية ميزة التحكم في البحر الأحمر عبر إقامة قاعدتين الأولى للسعودية في جيبوتي والثانية للإمارات في إريتريا، ولتتوسع أبو ظبي بعدها في إقامة القواعد العسكرية بامتداد على ضفتي البحر المليء بالأحراش المرجانية والمواقع الجاذبة للعالم أجمع”.

ليس إعلان إثيوبيا سوى تفصيل صغير من تفاصيل حرب عالمية باردة جارية في باب المندب، وزيادة التنافس والسباق الدولي لبسط النفوذ على البحر الأحمر بين دول شتى من بينها إيران أشد مما كان عليه الوضع قبل مائة عام بين الدولة العثمانية وبريطانيا ودول أخرى، ولكن إيران عمليًا تصنف أن قدراتها البحرية محدودة، إن تهديداتها ذات النبرة العالية أكثرها دعاية وليس لديها سوى الشغب عبر أعمال قرصنة باستخدام عناصر حرسها الثوري والحوثيين وقراصنة صوماليين وأفارقة.

هذا التهديد فرض ترتيبات دولية متسارعة على ضفتي باب المندب وسواحل البحر الأحمر في اليمن ودول القرن الأفريقي، وتأتي تحركات إنشاء قاعدة إثيوبية في جيبوتي على ساحل البحر الأحمر وفق ترتيبات مع فرنسا ودول أخرى ضمن تحركات وادوار دولية، الفرضية الأولية أنها تأتي لتأمين الممر الملاحي وتطويق التهديدات المتزايدة للملاحة في باب المندب والبحر الأحمر، لكن الفرضية الأخرى تشير إلى سعي إثيوبيا التمركز على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر في ظل الصراع بينها وبين مصر على خلفية قضية سد النهضة الإثيوبي.

لقد فعلت بريطانيا ذلك في ما مضى أثناء حربها مع مصر وعندما أرادت فرض حصار عليها، وأيًا تكن الأسباب أو الدافع لإثيوبيا؛ لعب دور في تطويق الخطر الإيراني على ممر الملاحة والتجارة في باب المندب أو تهديد مصر، فإن اليمن غير المستقر أصلًا يبقى في بؤرة الصراع وعرضة لأكبر المخاطر المستمرة.

وكأنه قدر محتوم على اليمن واليمنيين عبر الزمن أن يدفعوا أثمانًا باهضة لموقع بلدهم على الخارطة، دون أن يجدوا فرصة أو مهلة من الزمن للإستفادة من هذا الموقع.

لموقع: المشاهد